اليتيمة لا تنكح إلا بإذنها

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

---

الحديث:

عن عبد اللَّه بن عمر، قال: تُوفي عثمان بن مظعون، وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص، قال: وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبد اللَّه: وهما خالاي، قال: فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون، فزوجنيها ودخل المغيرة بن شعبة -يعني إلى أمها- فأرغبها في المال، فحطت إليه، وحطّت الجارية إلى هوى أمها، فأبيا، حتى ارتفع أمرهما إلى رسول اللَّه ﷺ فقال قدامة بن مظعون: يا رسول اللَّه، ابنة أخي، أوصى بها إليّ، فزوّجتها ابن عمتها عبد اللَّه بن عمر، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة، ولكنها امرأة وإنما حطّت إلى هوى أمها. قال: فقال رسول اللَّه ﷺ: «هي يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها» قال: فانتزعت واللَّه مني بعد أن ملكتها، فزوجوها المغيرة.

---

1. شرح المفردات:

● تُوفي عثمان بن مظعون: مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه، وهو من السابقين إلى الإسلام ومن المهاجرين.
● ترك ابنة له: خلف بعد وفاته ابنة صغيرة.
● أوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون: جعل أخاه قدامة وصيًا على ابنته.
● خالاي: أي أن عثمان وقدامة هما خالا عبد الله بن عمر (أي أخوا أمه).
● خطبت: طلبت الزواج منها.
● فزوجنيها: قبل قدامة أن يزوجها لعبد الله بن عمر.
● المغيرة بن شعبة: صحابي معروف، وكان ذا مال ونفوذ.
● أرغبها في المال: أغرى أمها بالمال والعطاء.
● فحطت إليه: مالَتْ أمها إلى المغيرة بسبب المال.
● وحطّت الجارية إلى هوى أمها: مالَتِ البنت إلى رغبة أمها (أي وافقت على ما تريد أمها).
● فأبيا: رفضت الأم والبنت تزويجها لعبد الله بن عمر.
● ارتفع أمرهما إلى رسول الله ﷺ: احتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليفصل في الأمر.
● لا تقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة: لم أتوانَ في تزويجها لمن هو صالح وكفؤ لها.
● هي يتيمة: أي ليست تحت ولاية أبيها (لأنه مات) وهي صغيرة.
● ولا تنكح إلا بإذنها: لا يجوز تزويجها بدون موافقتها.
● فانتزعت مني: نُزعت مني (أي أُخذت مني) بعد أن كنت قد تزوجتها.

---

2. شرح الحديث:

يحكي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قصة تزويج ابنة عثمان بن مظعون، التي أصبحت يتيمة بعد وفاة أبيها. وقد أوصى أبوها بأمرها إلى أخيه قدامة بن مظعون، الذي هو خال عبد الله بن عمر. فخطبها عبد الله بن عمر فزوجه إياها قدامة، ظنًا منه أنه قد أحسن التصرف وأعطاها لمن هو كفؤ لها (حيث إن عبد الله بن عمر ابن عمها أيضًا).
لكن أم الفتاة (خويلة بنت حكيم) مالَتْ إلى المغيرة بن شعبة لأنه أغواها بالمال، ومالت البنت بدورها إلى رغبة أمها، فرفضتا الزواج من عبد الله بن عمر. فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال قدامة بن مظعون للنبي: إنه زوجها لعبد الله بن عمر وهو كفؤ لها، ولكن البنت وأمها مالا إلى المغيرة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها». أي أن البنت يتيمة (ليس لها أب) فلا يجوز إجبارها على الزواج، بل يجب أخذ إذنها.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبطال عقد الزواج من عبد الله بن عمر، لأنها لم توافق عليه، وزُوِّجت للمغيرة بن شعبة بناء على رغبتها.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● اشتراط رضا المرأة في الزواج: الحديث أصلٌ في أن المرأة لا تُزَوَّج بدون رضاها، سواء كانت بكرًا أو ثيبًا، صغيرة أو كبيرة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن» (رواه البخاري ومسلم).
● حق اليتيمة في الاختيار: إذا كانت المرأة يتيمة (ليس لها أب)، فلا يجوز للوصي أن يزوجها بدون موافقتها، حتى لو كان ذلك في مصلحتها من وجهة نظره.
● تحذير من إكراه المرأة على الزواج: لا يجوز إجبار المرأة على الزواج بمن لا تريد، حتى لو كان كفؤًا.
● عدم جواز تزويج الصغيرة بدون رضاها: وإن كانت صغيرة، فيستأذنها وليها، فإن أذنت جاز، وإلا فلا.
● العدل في الحكم بين الناس: النبي صلى الله عليه وسلم لم يحابِ أحدًا، بل أخذ بحق الفتاة رغم أن الطرف الآخر هو عبد الله بن عمر وهو من خواص الصحابة.
● خطورة تأثير المال على القرارات: حيث مالَت الأم إلى المغيرة بسبب المال، وهذا تحذير من الانجراف وراء الماديات على حساب القيم والروابط.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بأحكام النكاح.
- عثمان بن مظعون رضي