حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك

حديث: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك

عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي ﷺ فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني فبتّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدية الثوب، فتبسم رسول الله ﷺ، فقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى تذوقي
عُسيلتَه، ويذوق عُسيلتَكِ».
قالت: وأبو بكر عنده، وخالد بالباب ينتظر أن يؤذن له. فنادى: يا أبا بكر، ألا تسمعُ هذه ما تجهر به عند رسول الله ﷺ.

متفق عليه: رواه البخاري في الطلاق (٥٢٦٠)، ومسلم في النكاح (١١١: ١٤٣٣) كلاهما من طريق الزهري، قال أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته، فذكرته واللفظ لمسلم.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنّة نبيه ﷺ. هذا حديث عظيم من صحيح البخاري، فيه حكم شرعي مهم، وله قصة وأحكام، سأشرحه لك على النحو التالي:

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● رفاعة: هو رفاعة القرظي، من الصحابة رضي الله عنهم.
● فبت طلاقي: أي انتهت عدتي من الطلاق وصار الطلاق نهائياً.
● عبد الرحمن بن الزبير: هو عبد الرحمن بن الزبير بن العوام، صحابي جليل.
● مثل هدبة الثوب: الهدبة هي الطرف أو الخصلة من خيوط الثوب. والمقصود أن قُدرته الجنسية ضعيفة جداً كضعف هدبة الثوب.
● عُسيلته: العُسيلة (بضم العين) هي العُسيلة (بفتح العين) وهي كناية عن الجماع والاستمتاع بين الزوجين.
● خالد: هو خالد بن الوليد رضي الله عنه، سيف الله المسلول.
● تجهَر به: أي ترفع صوتها وتتحدث بهذا الأمر أمام النبي ﷺ.

ثانياً. شرح الحديث:

تخبرنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن امرأة (زوجة رفاعة القرظي السابقة) جاءت إلى النبي ﷺ تشكو له أمراً. فقد طلّقها زوجها رفاعة طلاقاً بائناً (أي انتهت عدتها منه وصار الطلاق نهائياً)، ثم تزوجت من رجل آخر هو عبد الرحمن بن الزبير.
لكنها وجدت أن زوجها الجديد (عبد الرحمن) لا يقدر على إتيانها كما يجب، فشبّهت ضعفه الجسدي بضعف "هدبة الثوب" (أي أضعف شيء ممكن). فجاءت إلى النبي ﷺ تريد أن تعود إلى زوجها الأول (رفاعة) لأن زواجها الثاني لم يكتمل.
هنا تبسّم رسول الله ﷺ من صراحتها وطريقة كنايتها، ثم بيّن لها الحكم الشرعي فقال: «لا، حتى تذوقي عُسيلتَه، ويذوق عُسيلتَكِ».
أي: لا يحل لك أن ترجعي إلى زوجك الأول حتى يجامعك الزوج الثاني (عبد الرحمن) جامعاً حقيقياً كاملاً، وتجامعيه أنت أيضاً. وهذا هو معنى "التذوق" هنا، وهو كناية عن الجماع التام.
وفي هذا إبطال لما كان يفعله بعض العرب في الجاهلية من "التحليل" المحرّم، حيث كان الرجل يطلّق امرأته ثم يتفق مع رجل آخر أن يتزوجها形式上 ثم يطلّقها لتعود إليه. فأبطل الإسلام هذه العادة وأوجب أن يكون الزواج الثاني زواجاً حقيقياً ي consummate (يتم فيه الدخول) حتى يحل لها العودة للأول.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- حكمة التشريع الإلهي: هذا الحديث أصل في تحريم "التحليل" وهو من أكبر الكبائر. فلا يحل للمرأة المطلقة أن ترجع إلى مطلقها إلا بعد زواج صحيح من رجل آخر، ودخول حقيقي بها. وهذا لقطع أي تحايل على أحكام الله.
2- التيسير ورفع الحرج: المرأة في هذا الموقف كانت في ضيق من زوجها الجديد، لكن الشريعة لا تسمح بالتحايل. مع ذلك، فإن في تشريع الزواج الجديد باباً للخروج من العلاقة الفاشلة الأولى إذا كانت نية الزواج الثاني صادقة.
3- أدب الحديث والعورة: تصرّف أبي بكر الصديق رضي الله عنه (وهو كان جالساً عند النبي) وخالد بن الوليد (واقفاً ينتظر بالباب) يدل على عظيم أدب الصحابة مع النبي ﷺ. فخليد أنكر عليها رفع صوتها بهذا الحديث الذي يتعلق بالعورة أمام النبي ﷺ. وهذا درس في وجوب ستر العورات وعدم إذاعتها.
4- حكمة النبي ﷺ وتبسمه: تبسم النبي ﷺ فيه دليل على حسن خلقه وملاطفته لأمته، حتى عند بيان الأحكام الجادة. وكان تبسمه لا استهزاءً، بل تفهّماً للموقف وتلطيفاً للحديث.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في باب "المحلل والمحلل له" وهو من أبواب الطلاق.
- اتفق العلماء على تحريم "التحليل" وأنه من كبائر الذنوب، بل ذهب بعض العلماء إلى تكفير فاعله إذا فعله عن قصد التحليل علمًا بالتحريم.
- الحديث يدل على أن الوطء الشرعي (الدخول) في الزواج الثاني هو الشرط لتحل للأول، وليس مجرد العقد.
- يستفاد من الحديث أيضاً جواز الكناية في الأمور الحساسة كما كَنَّت المرأة عن ضعف زوجها بقولها "مثل هدبة الثوب"، وكناية النبي ﷺ بقوله "تذوقي عُسيلته".
أسأل الله تعالى أن يكون قد اتضح شرح هذا الحديث، وأن ننتفع به في فهم ديننا الحنيف. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الطلاق (٥٢٦٠)، ومسلم في النكاح (١١١: ١٤٣٣) كلاهما من طريق الزهري، قال أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته، فذكرته واللفظ لمسلم.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 297 من أصل 360 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك

📜 حديث: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية