تحريم المتعة إلى يوم القيامة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنّة نبيه ﷺ. هذا الحديث الذي ذكر حديث عظيم، له دلالات كبيرة في تاريخ التشريع الإسلامي، وسأشرحه لك وفق النقاط المطلوبة بعون الله وتوفيقه.

---

أولاً. شرح المفردات:

● سيرة الجهني: هو صحابي جليل، اسمه سيرة بن زيد الجهني، رضي الله عنه.
● الاستمتاع من النساء: المقصود به هنا نكاح المتعة، وهو أن يتزوج الرجل المرأة لمدة محددة مقابل مهر معين، ثم تنتهي العلاقة بانتهاء المدة دون طلاق.
● إني قد كنت أذنت لكم: أي أن النبي ﷺ كان قد أباح هذا النوع من الزواج في ظروف معينة سابقة.
● فليخلِّ سبيله: أي فليتركها ويُنهِ العلاقة الزوجية معها.
● ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً: أي لا تطالبوا المرأة بردّ المهر أو العوض الذي دفعتموه لها.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل سيرة الجهني رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع، فقام النبي ﷺ خطيباً في الناس وقال: "يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة...".
التفسير والشرح:
1- المرحلة الأولى: الإذن المؤقت: كان نكاح المتعة مباحاً في بداية الإسلام في ظروف قاسية وضرورية محدودة، كحال المسافرين أو الجنود في الغزو الذين يشق عليهم التزوج زواجاً دائماً، أو لحاجة المجتمع لتيسير سبل العفة. كان هذا حكمة تشريعية مرحلية.
2- المرحلة الثانية: التحريم النهائي: ثم نزل التحريم القطعي من الله تعالى، فأعلن النبي ﷺ ذلك في حجة الوداع (وهي آخر حجاته عليه الصلاة والسلام)، وجعله تحريماً أبدياً "إلى يوم القيامة"، فلا يحل بعد ذلك أبداً.
3- التعامل مع الواقع السابق: ثم وجه النبي ﷺ أمرين عمليين لمن كان قد دخل في هذه العلاقة أثناء إباحتها:
● "فمن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله": أي من كان متزوجاً بزوجة متعة فليفارقها وينهِ العلاقة، لأن عقدها أصبح باطلاً بعد التحريم.
● "ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً": وهذا من عدالة الإسلام ورحمته. فالمهر الذي دفعه الرجل للمرأة مقابل استمتاعه بالمدة المتفق عليها قد استوفى حقه، فلا يحق له المطالبة باسترداده. فهي أخذت المهر مقابل مدة معيشتهم together، وقد انقضت.
4- اللفظ الآخر: قوله: "رأيت رسول الله ﷺ قائماً بين الركن والباب" يحدد مكان وقوفه ﷺ أثناء إعلان هذا التشريع الهام، وهو مكان بين الركن اليماني وباب الكعبة في المسجد الحرام، مما يدل على عظم وأهمية هذا الإعلان وخطورته.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- مرونة التشريع الإسلامي ومرحليته: يوضح هذا الحديث حكمة الله في تشريعه، حيث كان هناك أحكام مؤقتة تتناسب مع ظروف النشأة الأولى للأمة، ثم جاء التحريم النهائي عندما استقر أمر الإسلام وقويت شوكة المسلمين.
2- الحكمة من تحريم المتعة: حرم الإسلام نكاح المتعة لأنه ينزع من العلاقة الزوجية قدسيتها واستقرارها، ويجعلها مجرد علاقة جسدية مؤقتة، مما يهدم كيان الأسرة ويُفقد المرأة كرامتها ويجعلها سلعة مؤقتة. الإسلام يريد بناء مجتمع قائم على الأسر المستقرة، لا على العلاقات العابرة.
3- العدل والرحمة في التشريع: أمر النبي ﷺ بعدم استرداد المهر دليل على عدالة الإسلام ورفقه بالناس، حيث لم يُحمِّلهم تبعات تغيير التشريع بشكل مجحف، بل حافظ على حق المرأة التي دخلت في العقد وهو مشروع في وقته.
4- الشجاعة في إعلان الحق: موقف النبي ﷺ وهو يقف في أقدس البقاع ليعلن تحريماً كان مباحاً من قبل، دليل على شجاعته ﷺ وصدقه في تبليغ الرسالة، ولو كان الأمر يخالف هوى بعض الناس.
5- الاقتداء بالنبي ﷺ: يجب على المسلم أن يمتثل لأمر الله ورسوله، فيمتنع عن كل ما حرمه الله ورسوله، حتى لو كان يشتهيه أو يجد فيه منفعة ظاهرة، فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم نكاح المتعة: أجمع علماء أهل السنة والجماعة على تحريم نكاح المتعة تحريماً قاطعاً ومطلقاً، وأنه منسوخ ولا يجوز العمل به. وهو خلاف ما عليه بعض الفرق الضالة.
● الفرق بين المتعة والزواج الشرعي: الزواج الشرعي قائم على النية بالدوام والإحصان وإنشاء أسرة، وتترتب عليه جميع الحقوق والواجبات من نفقة وإرث وعدة وغيرها. أما المتعة فليس فيها شيء من ذلك، فهي مجرد استمتاع مؤقت.
● مكانة الحديث: هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة التي بلغت درجة القطع عند العلماء.
أسأل الله تعالى أن يكون هذا الشرح قد وُفِّق فيه للبيان والإفادة، وأن يرزقنا جميعاً الفقه في د