وجوب اخراج خمس الغنائم في الاسلام

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليكم شرح هذا الحديث النبوي الشريف شرحًا وافيًا مستندًا إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
### الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه (رقم 53، 87، 3095، 4348، 7268) والإمام مسلم في صحيحه (رقم 17) عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
### سبب ورود الحديث
قدم وفد من قبيلة عبد القيس، وهي قبيلة عربية من ربيعة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان بينهم وبين المدينة مسافة كبيرة، وكانوا لا يستطيعون الوصول إليه إلا في الأشهر الحرم (ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، رجب) بسبب الأمن الذي يسود فيها، فيسافرون دون خوف من اعتداء. فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بأمور واضحة يعملون بها ويدعون إليها قومهم الذين وراءهم.
### شرح المفردات
* وفد عبد القيس: مجموعة من قبيلة عبد القيس.
* الحي: القبيلة أو الجماعة.
* ربيعة: قبيلة عربية كبيرة.
* الشهر الحرام: الأشهر الحرم الأربعة.
* خمس ما غنمتم: الخمس من الغنائم الذي يجب إخراجه لله تعالى.
* الدباء: القرع اليابس (اليقطين) كانوا ينتبذون (يتخذون النبيذ) فيه.
* الحنتم: جرار خضراء كانت تصنع من الفخار أو الطين.
* المقير: الأوعية المصنوعة من الجلد والمطلي بالقار (الزفت) حتى لا يشرب الجلد السائل.
* النقير: أوعية صغيرة من الخشب ينقر من أصل النخلة.
* المزفت: هو المقير نفسه، أي الأوعية المطلية بالزفت (القار).
### شرح الحديث
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم جوابه بقوله: «آمركم بأربع» وهي أركان عظيمة من أركان الإسلام:
1- «الإيمان بالله»: ثم فسره النبي صلى الله عليه وسلم لهم ليكون أوضح، فقال: «شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله». وهذه هي كلمة التوحيد، الركن الأول والأعظم من أركان الإسلام، والتي تدخل بها في ملته، وهي أساس كل عمل.
2- «وإقام الصلاة»: وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي الصلة بين العبد وربه، وهي عماد الدين.
3- «وإيتاء الزكاة»: وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي حق للفقراء والمساكين في أموال الأغنياء، تطهيرًا للنفس والمال.
4- «وأن تؤدوا إلي خمس ما غنمتم»: وهذا حكم خاص بالغنائم الحربية، حيث يجب إخراج خمسها (20%) ليوزع في مصارفها المحددة شرعًا (لله والرسول وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل).
ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وأنهاكم عن أربع» وهي أمور تتعلق بتحريم الخمر:
1- «عن الدباء»: وهو إناء القرع (اليقطين) الذي كانوا يتخذونه لإنتباذ النبيذ (وضع التمر أو الزبيب في الماء ليصير مسكرًا).
2- «والحنتم»: وهي الجرار الخضراء المصنوعة من الفخار.
3- «والمقير» (أو «المزفت» في الرواية الأخرى): وهي الأوعية المصنوعة من الجلد والمطلية بالقار (الزفت) لمنع تسرب السوائل.
4- «والنقير»: وهو إناء صغير يصنع من جذع النخلة ينقر (يحفر) من داخله.
### الدروس المستفادة والعبر
1- حرص السلف على الخير والعلم: حرص وفد عبد القيس على لقاء النبي صلى الله عليه وسلم واستفتائه وطلب العلم منه رغم صعوبة السفر وبُعد المسافة.
2- حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ظرفهم فلم يثقل عليهم بكثير من الأحكام، بل اختار لهم الأهم فالأهم، مما يدل على مراعاة حال المتلقي والتدرج في التعليم.
3- بيان أهمية الأركان العملية للإسلام: بدأ بالأمر بالإيمان ثم بالصلاة والزكاة، فهي أسس بناء الشخصية المسلمة والمجتمع المسلم.
4- تحريم الخمر وسد الذرائع الموصلة إليها: النهي عن هذه الأوعية الأربعة ليس لذاتها، ولكن لأنها كانت أوعية معروفة لدى العرب لصنع النبيذ المسكر وتحزينه. فنهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم سدًا لذريعة الوقوع في الخمر، وقطعًا لأسبابها. وهذا من كمال الشريعة وعظمتها، حيث تحرم كل ما يؤدي إلى المحرم.
5- التيسير ورفع الحرج: لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة أو الجهاد معه، بل أمرهم بما يستطيعون القيام به في ديارهم، مما يدل على يسر الإسلام وسماحته.
6- وجوب إخراج زكاة الغنائم: بيان حكم شرعي مهم وهو إخراج الخمس من الغنائم الحربية.
### معلومات إضافية
* يستفاد من هذا الحديث أن الخمر محرمة بجميع أنواعها، سواء سميت نبيذًا أو خمرًا أو بيرة، وكذا كل مسكر مهما كان اسمه.
* النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية خاص بمن كانت تتخمر عادة، أما في الأوعية العادية التي لا تتخمر فيها الأشربة بسرعة (كالزجاج والفولاذ) فيجوز إنتباذ ما لا يسكر كثيرًا بشرط أن لا يصل إلى درجة الإسكار، وأن يشرب قبل أن يصير مسكرًا.
* هذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه