سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث الشريف شرحًا وافياً، مستندًا إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة، مع التركيز على وضوح العبارة وسلاسة الأسلوب.

---

الحديث بلفظيه:

رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: "اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة. لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله. ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار، أو عذاب القبر كان خيرًا وأفضل". وفي رواية: "وآثار موطوءة" بدل "أيام معدودة".
ثم قال رجل: يا رسول الله، القردة والخنازير هي مما مسخ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يهلك قومًا أو يعذب قومًا، فيجعل لهم نسلًا، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك".

---

الشرح التفصيلي:

---

# 1. شرح المفردات:

● أمتعني: أي أبقهم عندي وأطل حياتهم حتى أستمتع بوجودهم وصحبتهم.
● لآجال مضروبة: الآجال: هي آجال العمر، و"مضروبة" أي مقدورة ومكتوبة في اللوح المحفوظ لا تتقدم ولا تتأخر.
● أيام معدودة: الأيام المحدودة التي كتبها الله للإنسان، لا تزيد ولا تنقص.
● وآثار موطوءة (في الرواية الأخرى): أي الأعمال التي يعملها الإنسان ويسير عليها ويترك أثرًا بعد موته.
● أرزاق مقسومة: الأرزاق المكتوبة والمقدرة والتي قسمت بين العباد.
● لن يعجل شيئًا قبل حله: لا يقدم شيئًا قبل وقته المحدد له.
● ولا يؤخر شيئًا عن حله: لا يؤخر شيئًا عن وقته المحدد.
● أن يعيذك: أي يحفظك ويجيرك ويوقيك.
● مما مسخ: المسخ هو تحويل صورة الإنسان إلى صورة حيوان قبيح كقرد أو خنزير عقابًا له.

---

# 2. المعنى الإجمالي للحديث:

تبدأ القصة بأن أم حبيبة رضي الله عنها، وهي من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، تدعو الله بأن يمنَّ عليها بطول بقاء وحياة ثلاثة أشخاص غاليين على قلبها: زوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وأبيها أبي سفيان، وأخيها معاوية بن أبي سفيان.
فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن ما سألته من طول العمر والبقاء هو من الأمور التي قد قُدِّرت وقُسِّمت وكُتِبَت في الأزل، ولن تتغير. فالعمر والرزق والأعمال كلها مقدرة لا تزيد ولا تنقص. فبدلاً من أن تطلب الدنيا وزينتها الفانية، كان الأولى والأفضل أن تسأل الله السلامة في الآخرة، وهي النجاة من عذاب القبر وعذاب النار، فهذا هو الخير الحقيقي والدائم.
ثم انتقل الحديث لموضوع آخر، حيث سأل رجل عن أصل القردة والخنازير، هل هي من نسل قوم مسخهم الله؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى إذا عذب قومًا بالمسخ، فإنه لا يبقى لهم نسل يتكاثر، بل ينقطع نسله. فالقردة والخنازير الموجودة اليوم هي مخلوقات كانت موجودة قبل مسخ أولئك القوم، وليست من نسلهم.

---

# 3. الدروس المستفادة والعبر:

● التعلق بالله والطلب منه: الدعاء عبادة عظيمة، ولكن ينبغي للعبد أن يختار جوامع الدعاء وما ينفعه في دنياه وآخرته.
● الإيمان بالقدر: الحديث يؤكد على الإيمان بقضاء الله وقدره، وأن كل شيء في الكون يجري وفق تقدير محكم لا يتغير. فالأعمار والأرزاق مقدرة.
● تقديم الآخرة على الدنيا: النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أمته أن تطلب ما ينفعها في الآخرة، فهي دار القرار، بينما الدنيا فانية وزائلة. فالدعاء بالنجاة من النار هو من أعظم المطالب.
● الحكمة من عدم بقاء نسل الممسوخين: بيان عدل الله تعالى، حيث أن العذاب بالإهلاك أو المسخ يكون قطعيًا، فلا يستمر نسل أولئك المعذبين، مما يظهر كمال عدله سبحانه.
● التثبت في الأمور الشرعية: السائل سأل عن أمر غيبي، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم الصحيح، مما يدل على وجوب الرجوع إلى العلم الشرعي في مثل هذه المسائل.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل عظيم في باب الإيمان بالقدر، وهو من الإيمان الذي يجب على كل مسلم اعتقاده.
- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة بأن يكون سؤالها للنجاة من العذاب، يدل على شفقته على أمته ورغبته في الخير لهم.
- الرواية التي ذكرت "آثار موطوءة" تشير إلى أهمية العمل الصالح الذي يترك أثرًا طيبًا بعد الموت، كالصدقة الجارية والعلم النافع.
- قول النبي صلى الله عليه وسلم في القردة والخنازير يرد على بعض الأساطير التي كانت منتشرة، ويؤكد أن خلق هذه الحيوانات مستقل وليس ناتجًا عن مسخ، مما يوافق الحقائق العلمية الحديثة.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، ويزيدنا علمًا وإيمانًا. وصلى الله على س