لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدر له

حديث: لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدر له

عن أبي هريرة، عن النّبيّ ﷺ قال: «لا يأتي ابنَ آدم النّذرُ بشيء لم يكن قد قُدِّر له، ولكن يُلقيه النَّذرُ إلى القدر، قد قُدِّر له، فيستخرج اللَّه به من البخيل، فيُؤتى عليه ما لم يكن يُؤتى عليه من قبل».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الأيمان والنذور (١٦٩٤)، ومسلم في النذر (١٦٤٠: ٧) كلاهما من حديث الأعرج، عن أبي هريرة، فذكره، واللّفظ للبخاريّ.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ، قَدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ، فَيُؤْتَى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتَى عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ».
أخرجه البخاري (6694) ومسلم (1640).

1. شرح المفردات:

● النَّذْرُ: هو إلزام المرء نفسه بعبادة أو طاعة لله تعالى لم تكن واجبة عليه بأصل الشرع، كأن يقول: "لله عليَّ أن أتصدق بمبلغ كذا إذا شفى الله مريضي".
● يُلقيه النَّذرُ إلى القَدَر: أي يوافقه ويصادفه، فيجتمع سبب النذر (وهو عمل العبد) مع القضاء القدري (وهما أمران واقعان لا محالة).
● يستخرج الله به من البخيل: أي يستخرج الله تعالى بهذا النذر - الذي حمله عليه الشح والبخل - الصدقة والإنفاق الذي كان البخيل يمتنع عن بذله لولا هذا النذر.
● فيؤتى عليه: أي يُعطى ويُحصل منه هذا المال المنذور.

2. المعنى الإجمالي للحديث:
يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حقيقة النذر وأثره في تغيير القضاء والقدر، فيؤكد أن النذر ليس وسيلةً لاستدرار أرزاق جديدة أو جلب منافع لم تكن مقدرة للإنسان أصلاً. فما كتبه الله للإنسان من رزق وعطاء ونفع وضر قد سبق في علمه تعالى وقدره.
ولكن الذي يحدث أن النذر يكون وسيلةً لتحقيق ما قدّر الله له بطريقة معينة. فإذا نذر إنسانٌ شيئاً - كصدقة على فقير أو صلاة أو صيام - لتحقيق أمر ما (كشفاء مريض أو تفريج كربة)، فإن الله تعالى يقدر له ذلك الشيء (الشفاء أو تفريج الكربة) ولكن من طريق هذا النذر، فيجتمع القضاء القدري مع سببٍ أتى به العبد.
ثم يبين صلى الله عليه وسلم الحكمة من مشروعية النذر أو التسليح به، وهي استخراج الطاعة والإنفاق من البخيل الشحيح الذي يبخل بماله في سبيل الله، فإذا ألجأته الحاجة أو الخوف إلى النذر، التزم بالإنفاق وخرج من دائرة البخل إلى دائرة العطاء، فيعطي ما لم يكن ليعطيه لولا هذا النذر.

3. الدروس المستفادة منه:

1- الإيمان بالقضاء والقدر: الحديث يؤصل عقيدة مهمة، وهي أن كل شيء بقدر الله، والأسباب التي يأتي بها العبد هي جزء من هذا القدر المحتوم، وليست خارجة عنه.
2- بيان محدودية تأثير النذر: النذر لا يغير قضاء الله، بل هو أحد الأسباب التي يحقق الله بها قضاءه. فلا يتعلق القلب بالنذر بل بالله الذي بيده ملكوت كل شيء.
3- ذم البخل والحث على البذل: الحديث يسلط الضوء على صفة ذميمة هي البخل، ويبين أن النذر وسيلة لعلاجها وإخراج البخيل من شحه إلى السخاء.
4- النذر عبادة لله: الأصل في النذر أنه عبادة يتقرب بها إلى الله، فيجب أن تكون خالصة لوجهه تعالى، لا لمجرد تحقيق منفعة دنيوية. والأفضل للمسلم أن يتصدق وينفق بدون نذر، كما جاء في الحديث: «إِنَّ النَّذْرَ لا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» (متفق عليه).
5- الحكمة الإلهية في التشريع: شرع الله النذر لحكمة عظيمة، وهي حمل النفوس على الطاعة وإخراجها من دواعي الشح والبخل إلى الجود والإنفاق.

4. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم النذر: النذر مكروه على الأصح، والأولى تركَه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: «لا تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» (متفق عليه). والإنسان لا يدري هل سوف يوفّي بنذره أم لا.
● إذا نذر المسلم وجب عليه الوفاء: قال تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]. وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (رواه البخاري).
● الوفاء بالنذر من صفات المتقين: من صفات عباد الرحمن أنهم {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7].
نسأل الله أن يرزقنا الفقه في دينه، واليقين بقضائه وقدره، والسخاء في إنفاقنا، وأن يجنبنا البخل والشح.
والله تعالى أعلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الأيمان والنذور (١٦٩٤)، ومسلم في النذر (١٦٤٠: ٧) كلاهما من حديث الأعرج، عن أبي هريرة، فذكره، واللّفظ للبخاريّ.
وفي رواية عند مسلم: «ولكن النذرُ يوافق القدر». والباقي مثله.
وفي رواية عند البخاريّ في القدر (٦٦٠٩) من وجه آخر: «لا يأتي ابن آدم النّذرُ بشيء لم يكن قد قدّرتُه، ولكن يلقيه القدر، وقد قدرتُه له، فأستخرج به من البخيل».
وفي رواية عند مسلم: «لا تنذروا، فإنّ النّذر لا يُغني من القدر شيئًا، وإنّما يستخرج به من البخيل».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1000 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدر له

📜 حديث: لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدر له

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدر له

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدر له

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدر له

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية