عن أبي عبد الله: لا أدري في أي القبضتين أنا

حديث: عن أبي عبد الله: لا أدري في أي القبضتين أنا

عن أبي نضْرة أنّ رجلًا من أصحاب النبيّ ﷺ يقال له: أبو عبد اللَّه دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يُبكيك؟ ألم يقلْ لك رسولُ اللَّه ﷺ: «خذْ من شارِبك، ثم أقرَّه حتّى تلقاني»؟ قال: بلى، ولكنّي سمعتُ رسول اللَّه ﷺ يقول: «إنّ اللَّه قبض بيمينه قبضةً، وأخرى باليد الأخرى، وقال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أُبالي». فلا أدري في أيّ القبضتين أنا؟ ! .

صحيح: رواه الإمام أحمد (١٧٥٩٣، ١٧٥٩٤، ٢٠٦٦٨) من طرق عن حمّاد بن سلمة، قال: أخبرنا سعيد الجريريّ، عن أبي نَضرة، فذكر مثله.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح الحديث الشريف شرحًا وافيًا وفق منهج أهل السنة والجماعة:

الحديث:

عن أبي نضرة أن رجلًا من أصحاب النبي ﷺ يقال له: أبو عبد الله، دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول الله ﷺ: «خذ من شاربك، ثم أقرّه حتى تلقاني»؟ قال: بلى، ولكنّي سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الله قبض بيمينه قبضة، وأخرى باليد الأخرى، وقال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أبالي». فلا أدري في أي القبضتين أنا؟!

1. شرح المفردات:

● أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قطعة العبدي، ثقة من كبار التابعين.
● يعودونه: يزورونه لمواساته في مرضه.
● خذ من شاربك: أي قصّ شعر الشارب أو حلقه، وهو من سنن الفطرة.
● أقرّه حتى تلقاني: أبقيه (أي الشارب) حتى تلقاني يوم القيامة، وفي هذا إشارة إلى طول عمره حتى يلقى النبي ﷺ.
● قبض بيمينه قبضة: القبضة هنا كناية عن جماعة من الناس أو مجموعة من الخلائق.
● وأخرى باليد الأخرى: أي قبضة أخرى باليد اليسرى.
● هذه لهذه: أي هذه القبضة للجنة، وهذه القبضة للنار.
● ولا أبالي: لا يهمني أو لا أحتاج إلى حساب، لأن الأمر مفروغ منه.

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر الصحابي الجليل أبو عبد الله -رضي الله عنه- أنه سمع النبي ﷺ يصف مشهدًا من مشاهد القيامة، حيث يقبض الله تعالى بيديه قبضتين: إحداهما لأهل الجنة، والأخرى لأهل النار. ثم يقول الله تعالى: "هذه لهذه" (أي هذه القبضة للجنة)، و"هذه لهذه" (أي هذه القبضة للنار)، ويضيف "ولا أبالي" دلالة على كمال قدرته وعدله، وأنه لا يعوزه حساب ولا مشقة في التمييز بين الفريقين.
ومع أن النبي ﷺ قد بشّر أبا عبد الله بطول عمره حتى يلقاه، إلا أن هذا الصحابي كان يبكي خوفًا من عدم اليقين في مصيره النهائي، لأنه لا يدري في أي القبضتين سيكون.

3. الدروس المستفادة من الحديث:

1- خوف السلف الصالح من الله تعالى: يظهر من قصة هذا الصحابي شدة خوفه من الله وعدم اغتراره بالبشارة التي تلقاها من النبي ﷺ، لأنه يعلم أن الأمر كله بيد الله، وأن الخاتمة لا يعلمها إلا الله.
2- الإيمان بقدرة الله وعدله: الحديث يصور عظمة الله وقدرته المطلقة في فصل الخلائق يوم القيامة دون حاجة إلى حساب طويل، لأنه يعلم كل شيء.
3- عدم الاتكال على الأعمال أو البشارات: حتى لو بُشّر الإنسان بخير، فلا ينبغي له أن يغترّ، بل يجب أن يظل خائفًا مراقبًا لله، لأن الخاتمة لا يعلمها إلا الله.
4- اليقين باليوم الآخر: الحديث يذكر بمشهد من مشاهد القيامة، مما يعمق الإيمان باليوم الآخر وأهواله.
5- الحث على العمل الصالح: خوف الصحابي يدل على حرصه على زيادة العمل الصالح ليكون من أهل القبضة المباركة.

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن.
- القبضتان المذكورتان في الحديث هما كناية عن سرعة فصل القضاء بين الخلائق، حيث لا يحتاج الله إلى حساب طويل كما يحتاج البشر.
- قول الله تعالى "ولا أبالي" لا يعني عدم الاهتمام -حاشا لله-، بل هو تعبير عن كمال القدرة والعدل، حيث أن الأمر محسوم بعلمه الأزلي.
- هذا الموقف من الصحابي يذكر بحديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما سمع آية فيها تهديد، فمرض شهرًا يعوده الناس من شدة خوفه.

أسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان، ويختم لنا بخاتمة السعادة، وأن يجعلنا من أهل القبضة التي إلى الجنة. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الإمام أحمد (١٧٥٩٣، ١٧٥٩٤، ٢٠٦٦٨) من طرق عن حمّاد بن سلمة، قال: أخبرنا سعيد الجريريّ، عن أبي نَضرة، فذكر مثله.
وسعيد الجريريّ -بضم الجيم، وفتح الرّاء المهملة- هو ابن إياس أبو مسعود، ثقة احتجّ به الشيخان، واختلط قبل موته بثلاث سنين، إِلَّا أنّ اختلاطه لم يكن فاحشًا.
قال أبو حاتم: تغيَّر حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديمًا فهو صالح، وهو حسن الحديث. «الجرح والتعديل» (٢/ ١ - ٢).
قال الأعظمي: وممن روى عنه قبل اختلاطه حمّاد بن سلمة، روى له مسلم من رواية حمّاد بن سلمة عنه في كتاب فضائل الصّحابة , باب فضائل أويس القرني (٤/ ١٩٦٨).
وحديث الباب، ذكره الهيثميّ في «المجمع» (٧/ ١٨٦ - ١٨٧) وقال: «رواه أحمد ورجاله رجال الصّحيح».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1012 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: عن أبي عبد الله: لا أدري في أي القبضتين أنا

📜 حديث: عن أبي عبد الله: لا أدري في أي القبضتين أنا

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: عن أبي عبد الله: لا أدري في أي القبضتين أنا

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: عن أبي عبد الله: لا أدري في أي القبضتين أنا

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: عن أبي عبد الله: لا أدري في أي القبضتين أنا

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية