حديث: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في أمر قد فُرغ منه، وكلٌّ مُيسَّر لما خُلق له

عن جابر بن عبد اللَّه، قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم، قال: يا رسول اللَّه، بيّن لنا ديننا كأنّا خُلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفَّتْ به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما نستقبل؟ قال: «لا، بل فيما جفَّتْ به الأقلام، وجرتْ به المقادير». قال: ففيمَ العمل؟ - قال زهير: ثم تكلَّم أبو الزّبير بشيءٍ لم أفهمه، فسألتُ ما قال؟ فقال: «اعملوا فكلٌّ مُيسَّر».

صحيح: رواه مسلم في القدر (٢٦٤٨) من طرق عن زهير أبي خيثمة، عن أبي الزّبير، عن جابر، فذكره.

عن جابر بن عبد اللَّه، قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم، قال: يا رسول اللَّه، بيّن لنا ديننا كأنّا خُلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفَّتْ به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما نستقبل؟ قال: «لا، بل فيما جفَّتْ به الأقلام، وجرتْ به المقادير». قال: ففيمَ العمل؟ - قال زهير: ثم تكلَّم أبو الزّبير بشيءٍ لم أفهمه، فسألتُ ما قال؟ فقال: «اعملوا فكلٌّ مُيسَّر».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بها.
شرح الحديث:
هذا حديث عظيم من الأحاديث التي تتعلق بالإيمان بالقدر، رواه الإمام مسلم في صحيحه.
أولاً: شرح المفردات:
● بيّن لنا ديننا: أي اشرح ووضح لنا تعاليم ديننا وأحكامه.
● كأنّا خُلقنا الآن: كناية عن الرغبة في البدء من جديد بفهم صافي واضح، كمن وُلد للتو.
● جفَّت به الأقلام: يعني انتهى الكتابة في اللوح المحفوظ، فالحبر جفّ على ما كُتب. وهذا كناية عن انتهاء كتابة المقادير.
● جرت به المقادير: أي مضت وقضت بها المقادير التي قدّرها الله تعالى.
● أم فيما نستقبل؟: أي هل نعمل لأمر لم يُقدر بعد، ولم يُكتب في اللوح المحفوظ؟
● كلٌّ مُيسَّر: أي كل إنسان مُهيأ ومُسَخَّر لما خُلِق له وكُتب عليه من خير أو شر، سعادة أو شقاء.
ثانياً: المعنى الإجمالي للحديث:
جاء الصحابي سراقة بن مالك رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله سؤالاً عميقاً يعبر عن حيرة بعض النفوس تجاه مسألة القدر والعمل. فسأل: يا رسول الله، اشرح لنا ديننا شرحاً واضحاً شاملاً، وكأننا نبدأ حياتنا الآن من نقطة الصفر. ما الذي نعمل له اليوم؟ هل نعمل لأمر قد انتهى وكُتب في اللوح المحفوظ وجف عليه الحبر، وقضت به المقادير؟ أم نعمل لأمر مستقبلي لم يُقدر بعد؟
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأن العمل هو للأمر الأول، وهو ما قد كُتب وقُدر. فلما استشكل سراقة الأمر وقال: "ففيم العمل؟" (أي إذا كان كل شيء قد كُتب فما فائدة العمل؟)، جاء الجواب النبوي الحكيم ليحل هذه الإشكالية: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ».
ثالثاً: الدروس المستفادة والفوائد العقدية:
1- وجوب الإيمان بالقدر: من أركان الإيمان الستة الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن كل شيء بقضاء الله وقدره. وهذا الحديث أصل عظيم في هذا الباب.
2- الجمع بين الإيمان بالقدر والسعي والعمل: لا يتعارض الإيمان بالقدر مع السعي والاجتهاد في العمل الصالح. فالإيمان بالقدر لا يعني التواكل والقعود عن العمل، بل يجب على المسلم أن يجتهد ويأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله ويُسلم الأمر له.
3- التيسير لما خُلق له: يوضح الحديث أن الإنسان يُيسر لما خُلق له وكُتب عليه. فمن كان من أهل السعادة يسر لعمل أهل السعادة (الطاعات)، ومن كان من أهل الشقاء يسر لعمل أهل الشقاء (المعاصي). كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5-10].
4- الحكمة من السؤال والعمل: السعي والعمل هو علامة على ما قُدر للإنسان، وهو السبب الذي يحصل به ما كتب له. فالعمل جزء من التيسير لما خُلق له.
5- حسن طرح السؤال: يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على فهم دينهم فهمًا صحيحاً، وعدم ترك أي إشكال في نفوسهم.
6- الرد على الجبرية: الذين يقولون إن العبد مجبور على فعله ولا اختيار له. فالحديث يأمر بالعمل اعْمَلُوا»)، مما يدل على أن للعبد إرادة واختياراً، لكنه داخل تحت علم الله وإرادته الكونية.
7- الطمأنينة النفسية: عندما يؤمن العبد بأن كل شيء بقدر الله، فإن هذا يورثه طمأنينة في قلبه، فلا يقلق على ما فاته، ولا يجزع مما يصيبه، لأنه يعلم أن ذلك كان مكتوباً عليه.
رابعاً: معلومات إضافية:
- هذا الحديث من الأحاديث التي يجمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالعمل والإيمان بالقدر، مما يزيل الإشكال والالحاح في هذه المسألة.
- السائل هو سراقة بن مالك بن جعشم، وهو الذي لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة طمعاً في الجائزة، ثم هدى الله قلبه وأسلم بعد فتح مكة وحسن إسلامه.
- الرواية فيها إشارة إلى دقة نقل الحديث عند المحدثين، حيث ذكر الراوي (زهير) أنه لم يفهم كلمة فقال: (فسألت ما قال؟) مما يدل على الأمانة العلمية.
نسأل الله أن ييسرنا لليسرى، وأن يجعلنا من أهل طاعته ورضاه.
والله أعلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في القدر (٢٦٤٨) من طرق عن زهير أبي خيثمة، عن أبي الزّبير، عن جابر، فذكره.
وفي رواية عنه: «كلّ عامل مُيسَّر لعمله».
والذي رواه ابن ماجه (٩١) عن هشام بن عمّار، قال: حدّثنا عطاء بن مسلم الخفّاف، قال: حدّثنا الأعمش، عن مجاهد، عن سراقة بن جُعشم، قال: قلت: يا رسول اللَّه، العمل فيما جفَّ به القلم، وجرتْ به المقادير، أم في أمر مستقبل؟ قال: بل فيما جفَّ به القلم، وجرتْ به المقادير، وكلٌّ ميسَّر لما خلق له». ففيه عطاء بن مسلم الخفاف ضعّفه غير واحد من أهل العلم، ومجاهد لم يسمع من سراقة، قاله البوصيريّ في: الزّوائد».

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 988 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير

  • 📜 حديث: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب