حديث: نفر من قدر الله إلى قدر الله

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في استعمال الحَذَر، وإثبات القَدَر

عن عبد اللَّه بن عباس: أنّ عمر بن الخطاب خرج إلى الشّام حتى إذا كان بِسَرْغٍ لقيه أهلُ الأجناد -أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه- فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بالشام. قال ابن عباس: فقال عمرُ: ادعُ لي المهاجرين الأوّلين فدعوتُهم، فاستشارهم وأخبرهم أنّ الوباء قد وقع بالشّام فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقيةُ النّاس وأصحابُ رسول اللَّه ﷺ ولا نرى أن تُقْدِمَهُم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عنّي، ثم قال: ادعُ لي الأنصار فدعوتُهم له، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم. فقال: ارتفعوا عنّي، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مُهاجِرَةِ الفتح، فدعوتهم فلم يختلف عليه رجلان فقالوا: نرى أن ترجع بالنّاس ولا تُقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في النّاس: إِنِّي مُصْبحٌ على ظَهْر فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجرَّاح: أفِرارًا من قدر اللَّه؟ فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة -وكان عمر يكره خلافه- نعم، نَفرُّ من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه، أرأيت لو كانتْ لك إبل فهبطت واديًا له عُدْوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدية، أليس إن رَعَيْتَ الْخَصْبةَ رَعَيْتَها بقدر اللَّه، وإنْ رَعَيْتَ الْجَدْبةَ رَعَيْتَها بقدر اللَّه؟ قال: فجاء عبد الرحمن ابن عوف -وكان مُتَغَيَّبًا في بعض حاجته- فقال: إنّ عندي مِنْ هذا عِلْمًا سمعتُ رسول اللَّه ﷺ يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه». قال: فحمد اللَّه عمر بن الخطاب، ثم انصرف».

متفق عليه: رواه مالك في كتاب الجامع (٢٢) عن ابن شهاب، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطّاب، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، عن عبد اللَّه بن عباس، فذكره.

عن عبد اللَّه بن عباس: أنّ عمر بن الخطاب خرج إلى الشّام حتى إذا كان بِسَرْغٍ لقيه أهلُ الأجناد -أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه- فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بالشام. قال ابن عباس: فقال عمرُ: ادعُ لي المهاجرين الأوّلين فدعوتُهم، فاستشارهم وأخبرهم أنّ الوباء قد وقع بالشّام فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقيةُ النّاس وأصحابُ رسول اللَّه ﷺ ولا نرى أن تُقْدِمَهُم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عنّي، ثم قال: ادعُ لي الأنصار فدعوتُهم له، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم. فقال: ارتفعوا عنّي، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مُهاجِرَةِ الفتح، فدعوتهم فلم يختلف عليه رجلان فقالوا: نرى أن ترجع بالنّاس ولا تُقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في النّاس: إِنِّي مُصْبحٌ على ظَهْر فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجرَّاح: أفِرارًا من قدر اللَّه؟ فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة -وكان عمر يكره خلافه- نعم، نَفرُّ من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه، أرأيت لو كانتْ لك إبل فهبطت واديًا له عُدْوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدية، أليس إن رَعَيْتَ الْخَصْبةَ رَعَيْتَها بقدر اللَّه، وإنْ رَعَيْتَ الْجَدْبةَ رَعَيْتَها بقدر اللَّه؟ قال: فجاء عبد الرحمن ابن عوف -وكان مُتَغَيَّبًا في بعض حاجته- فقال: إنّ عندي مِنْ هذا عِلْمًا سمعتُ رسول اللَّه ﷺ يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه». قال: فحمد اللَّه عمر بن الخطاب، ثم انصرف».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن قصة عمر بن الخطاب مع الوباء في الشام، معتمدًا على كبار شروح الحديث لدى أهل السنة والجماعة.

شرح المفردات:
● سَرْغ: مكان بين المدينة والشام.
● أهل الأجناد: قادة الجيوش وأمراء المناطق، وهم هنا أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه.
● الوباء: المرض المعدي الذي ينتشر بسرعة ويسبب موتًا كثيرًا.
● مشيخة قريش: كبار السن وأشراف قريش.
● مُهاجِرَةِ الفتح: الذين هاجروا بعد فتح مكة.
● عُدْوتان: جانبا الوادي.
● الْخَصْبة: الأرض الخضراء المليئة بالعشب.
● الْجَدْبة: الأرض القاحلة التي لا نبات فيها.

المعنى الإجمالي للحديث:
يخبرنا عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج متوجهًا إلى الشام، فلما وصل إلى مكان يسمى "سرغ"، встреته وفود من الشام ضمن них أبو عبيدة بن الجراح، وأخبروه أن الطاعون قد انتشر في الشام. فطلب عمر جمع المهاجرين الأولين для مشاورتهم، فاختلفوا في الرأي. ثم جمع الأنصار فاختلفوا كذلك. ثم جمع مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فأجمعوا على الرأي بالرجوع وعدم إدخال الناس في الوباء. فقرر عمر الرجوع، فاعترض أبو عبيدة بقوله: "أفرارًا من قدر الله؟" فرد عليه عمر ردًا حكيمًا بأنهم يفرون من قدر الله إلى قدر الله، وضرب له مثلاً بالإبل التي ترعى في مكان خصيب أو مكان جدب، وكلا الأمرين بقدر الله. ثم جاء عبد الرحمن بن عوف وأخبرهم بأن عنده علمًا بهذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه". فحمد عمر الله وانصرف راجعًا.

الدروس المستفادة من الحديث:
1- مشورة أهل العلم والرأي: حرص عمر على مشورة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار وكبار قريش، وهذا يدل على أهمية الشورى في الأمور العامة.
2- الأخذ بالأسباب والاحتراز من الأمراض: الحديث أصل في طرق الوقاية من الأمراض المعدية، وفيه دليل على أن الهرب من الوباء والتحرز منه لا ينافي التوكل على الله.
3- التوفيق بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله: رد عمر على أبي عبيدة يبين أن الأخذ بالأسباب من قدر الله، والفرار من الوباء إلى مكان آمن هو في الحقيقة فرار من قدر إلى قدر.
4- الحكمة في الرد على الاعتراض: كان عمر يكره مخالفة أبي عبيدة، لكنه رد عليه برد حكيم ومقنع، مما يدل على أدب الخلاف وقوة الحجة.
5- فضل العلم والعلماء: جاء عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوي الذي وافق رأي عمر، مما يدل على أن القرار السليم هو ما وافق الشرع.
6- الانقياد لحكم الشرع: عندما سمع عمر بالحديث النبوي حمد الله وانصرف، وهذا يدل على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته.

فوائد إضافية:
- الحديث من أصول الطب الوقائي في الإسلام، وفيه دليل على مشروعية العزل الصحي في الأوبئة.
- فيه بيان أن الوباء يكون في مكان معين، فلا يدخله الإنسان إذا سمع به، وإذا كان فيه فلا يخرج منه حتى لا ينشر العدوى.
- قول عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة" يدل على مكانة أبي عبيدة ومنزلته عند عمر.
- الحديث يدل على أن عمر كان حريصًا على مصلحة المسلمين، وخائفًا عليهم من الوباء.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مالك في كتاب الجامع (٢٢) عن ابن شهاب، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطّاب، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، عن عبد اللَّه بن عباس، فذكره.
ورواه البخاريّ في الطب (٥٧٢٩) عن عبد اللَّه بن يوسف، ومسلم في السّلام (٢٢١٩) عن يحيى بن يحيى التميميّ - كلاهما عن مالك، به.
وقوله: «بسَرْغٍ» قرية بوادي تبوك، يجوز فيها الصّرف وعدمه. وقيل: هي مدينة افتتحها أبو عبيدة، وهي واليرموك والجابية متصلات.
«الأجناد» جمع جند، والمراد هنا مدن الشّام الخمس، وهي: فلسطين، والأردن، ودمشق،
وحمص، وقنسرين.
«وعدوتان» العدو -بضم العين وكسرها- هي جانب الوادي.
قال البيهقي في القضاء والقدر (٢/ ٥٠٠): «قال أصحابنا في هذا الخبر: إنّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه استعمل الحذر، وأثبت القدر معًا، وهو طريق السنة، ونهج السّلف الصّالح رحمة اللَّه عليهم».

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1005 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: نفر من قدر الله إلى قدر الله

  • 📜 حديث: نفر من قدر الله إلى قدر الله

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: نفر من قدر الله إلى قدر الله

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: نفر من قدر الله إلى قدر الله

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: نفر من قدر الله إلى قدر الله

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب