تحريم الحج على المشركين والطواف عريانا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر، رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو حديث عظيم له دلالات كبيرة تتعلق بسيادة الإسلام ونقاء بيت الله الحرام. وإليك الشرح الوافي له على النحو التالي:

---

1. شرح المفردات:

● بعثني أبو بكر: أرسلني الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
● في تلك الحجة: يقصد حجة الوداع التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة.
● مؤذنين: جمع مؤذن، وهم الذين يعلنون وينادى بصوت عالٍ بين الناس.
● يوم النحر: هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم عيد الأضحى.
● بمنى: مكان قريب من مكة يقيم فيه الحجاج أيام التشريق.
● أن لا يحج بعد العام مشرك: أن يحرم على المشركين أن يحجوا إلى البيت الحرام بعد هذا العام.
● ولا يطوف بالبيت عريان: أن يحرم الطواف حول الكعبة من دون ستر للعورة.
● أردف: أضاف وألحق، أي جعله يركب خلفه.
● عليًا: هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ابن عم النبي وصهره.
● ببراءة: يقصد سورة التوبة التي تبدأ ببراءة من الله ورسوله إلى المشركين.

---

2. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عن حدث عظيم وقع في حجة الوداع. فقد أرسله الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي كان أميرًا للحج تلك السنة بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون أحد المنادين في منى يوم النحر (أي يوم العيد).
وكان النداء الذي يُنادى به يحمل رسالتين عظيمتين:
- الأولى: إعلان قطعية وحصرية الحج للمسلمين فقط، حيث أُعلن أنه beginning من هذا العام (العاشر للهجرة) لا يُسمح لأي مشرك أن يحج إلى بيت الله الحرام. وهذا يعني أن الكعبة والمناسك أصبحت خالصة للموحدين، بعد أن كانت في الجاهلية يختلط فيها المسلمون بالمشركين.
- الثانية: إلغاء عادة جاهلية مقيتة، وهي طواف بعض المشركين حول الكعبة عراة، زاعمين أنهم لا يطوفون في الثياب التي عصوا الله فيها! فجاء الإسلام ليكرم الإنسان ويأمره بالستر والحشمة.
ثم يتابع الراوي (حميد بن عبد الرحمن) أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بعد ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليكون مبلغًا رسميًا ومؤكدًا لهذا الإعلان التاريخي، حيث أمره أن يعلن "براءة" أي بنود سورة التوبة التي تبرأ فيها الله ورسوله من المشركين وتبين أحكامهم.
فنادى علي رضي الله عنه مع المؤذنين في حشد الحجاج في منى بنفس الرسالة: لا حج بعد اليوم لمشرك، ولا طواف عريان.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● سيادة الإسلام وعلوّه: فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وقد أصبحت أماكن العبادة خالصة للمسلمين الموحدين.
● قطع الصلة بالشرك وأهله: فالإسلام يبرأ من كل شكل من أشكال الشرك والمشركين.
● الاهتمام بالطهارة المعنوية والمادية: فبيت الله مكان للطهارة والعفة، والطواف عبادة تحتاج إلى الخشوع والستر والحشمة.
● الحكمة في التدرج في التشريع: حيث إن تحريم المشركين من دخول الحرم لم يحدث فجأة، بل كان بعد أن قويت شوكة الإسلام واكتمل نزول الوحي.
● أهمية الإعلان والبلاغ الواضح: في الأمور العظيمة التي تهم الأمة، حتى لا يجهلها أحد.
● التعاون بين القيادات الإسلامية: كما حدث بين أبي بكر وعلي رضي الله عنهما بتنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الإعلان كان تطبيقًا عمليًا لأمر الله تعالى في سورة التوبة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: 28].
- حجة الوداع هي الحجة الوحيدة التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، وكانت بمثابة ختام رسالته حيث نزل فيه قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
- اختيار أبو بكر أولاً ثم إرسال علي بعده له حكمة، منها تأكيد مكانة أبي بكر وفضله، وتوضيح أن مهمة علي كانت مكملة ومؤكدة وليست ناقضة أو معارضة، مما يرد على بعض الروايات الضعيفة التي يحاول فيها المغرضون الطعن في الصحابة.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين الموحدين، وأن يحفظ بلاد الحرمين، وأن يمكن للإسلام وأهله.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.