حديث: اشْتَريِهَا فَإِنَّمَا الْؤَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

إذا تحوّلت الصّدقةُ هديّة جازت للنبيّ ﷺ ولآله

عن عائشة، أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ وَأَرَادَ مَوَالِيها أَنْ يَشْتَرطُوا وَلاءَهَا فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: «اشْتَريِهَا فَإِنَّمَا الْؤَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». قَالَتْ: وَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِلَحْمٍ فَقُلْتُ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الزكاة (١٤٩٣)، ومسلم في الزكاة (١٠٧٥) كلاهما من طريق شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، فذكرته.

عن عائشة، أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ وَأَرَادَ مَوَالِيها أَنْ يَشْتَرطُوا وَلاءَهَا فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: «اشْتَريِهَا فَإِنَّمَا الْؤَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». قَالَتْ: وَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِلَحْمٍ فَقُلْتُ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهو حديث عظيم يجمع بين جانبين: جانب تشريعي يتعلق بأحكام العتق والولاء، وجانب أخلاقي يتعلق بآداب التعامل مع الصدقات والهدايا.

أولاً. شرح المفردات:


● بَرِيرَةَ: اسم أمة (جارية) كانت مملوكة لعائشة رضي الله عنها أو لأقاربها.
● لِلْعِتْقِ: أي لهدف تحريرها من الرق وإعتاقها.
● مَوَالِيها: أصحابها أو أسيادها الذين يملكونها.
● يَشْتَرطُوا وَلاءَهَا: أي يشترطوا أن يكون الولاء - وهو ذلك الرابط الخاص الذي يربط المعتَق بمعتقه - لهم بعد عتقها.
● الْؤَلاءُ: هو الولاء، وهو حق خاص للمعتق ينتقل به المعتَق إلى دائرة نسبه في النصرة والحماية والميراث.
● تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ: أي تصدق به أحد الناس على بريرة بعد عتقها لكونها فقيرة.

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:


يذكر الحديث قصة في جزأين:
1- الجزء الأول: أرادت السيدة عائشة رضي الله عنها أن تشتري الجارية بريرة لهدف نبيل وهو عتقها وتحريرها من الرق. لكن ملاك بريرة (أسيادها) أرادوا عند البيع أن يشترطوا أن يبقى "ولاؤها" لهم، أي أن تبقى مرتبطة بهم بعد عتقها بحيث يرثونها إذا ماتت ولا يرثها معتقتها (عائشة). فاستشارت عائشةُ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشرط، فأبطل صلى الله عليه وسلم هذا الشرط وأمرها بشرائها دون قبول الشرط، مُبَيِّنًا أن قاعدة الشرع أن "الولاء لمن أعتق"، أي أن حق الولاء والرعاية والميراث يكون لمن دفع ثمن الحرية وأعتق العبد، وليس لمن باعه.
2- الجزء الثاني: بعد أن أُعتقت بريرة، أُهدي إليها لحم لأنها أصبحت فقيرة (والفقير يحل له أخذ الصدقة). وقدّم هذا اللحم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة. فقالت عائشة للنبي: "هذا لحم تصدق به على بريرة" (أي هو صدقة فلا يحل لنا كأغنياء أكله). فصحح النبي صلى الله عليه وسلم فهمها، وبيّن أن هذا اللحم بالنسبة لبريرة هو صدقة تحل لها، ولكن عندما قدمته لهم كهدية، فقد تحول إلى هدية تحل لهم أكلها، فقال: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ».

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:


1- الحث على عتق الرقاب والإحسان إلى العبيد: من خلال حرص عائشة رضي الله عنها على شراء بريرة قصد عتقها.
2- بطلان شروط البيع المخالفة للشرع: فإن شرط المالكين retention الولاء لأنفسهم شرط باطل لأنه يناقض الحكمة من التشريع، وهو إكرام المعتق ومكافأته على صنيعته. وهذا من قواعد الإسلام الكبرى: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» كما في الحديث الآخر.
3- قاعدة "الولاء لمن أعتق": وهي قاعدة فقهية كبرى مستفادة من هذا الحديث، تمنح المعتق حق ولاية المعتَق ورعايته وميراثه إذا لم يكن له وارث من أصله.
4- الفرق بين الصدقة والهدية وحكم كل منهما: الصدقة محرمة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته (بني هاشم) وعلى الأغنياء، لكن إذا أخذها الفقير ثم أعطاها لغني هدية (لا بقصد التحايل) فإنها تحل لذلك الغني، لأن العبرة بالوصف الحالي للشيء. فما كان صدقة فهو حرام على الغني، وما كان هدية فهو حلال له.
5- جواز أكل النبي صلى الله عليه وسلم من هدية من كانت تحل له الصدقة: لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الصدقة، لكنه كان يقبل الهدية من أي أحد، مسلماً كان أو كافراً.
6- فقه ودقة السيدة عائشة رضي الله عنها: حيث حرصت على سؤال النبي عن الحكمين (حكم الشرط وحكم أكل اللحم) دليلاً على حرص الصحابة على تطبيق الشرع بدقة.
7- التيسير ورفع الحرج: حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم كيف يمكن أن تتحول الصدقة المحرمة إلى هدية حلال، مما يدل على يسر الشريعة وسماحتها.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:


- قصة بريرة فيها أحكام أخرى كثيرة مذكورة في أحاديث أخرى، منها حق الزوجة المعتقة (بريرة) في فسخ نكاحها من زوجها إذا كان عبداً ولم يعتق مثلها، وهو ما حصل لزوجها مغيث.
- الحديث أصل من أصول فقه المعاملات والعتق، ويعتمد عليه الفقهاء في إبطال الشروط الفاسدة في البيوع والعقود.
- يستدل به على ذكاء المرأة وفقهها، حيث كانت عائشة رضي الله عنها من أفقه الصحابة وأعلمهم بالدين.
أسأل الله أن يزيدنا فهماً لشرعه، وأن يجعلنا من المتقين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الزكاة (١٤٩٣)، ومسلم في الزكاة (١٠٧٥) كلاهما من طريق شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، فذكرته. واللفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم مختصر، وفيه تعيين اللّحم بأنه لحم بقر.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 364 من أصل 379 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: اشْتَريِهَا فَإِنَّمَا الْؤَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

  • 📜 حديث: اشْتَريِهَا فَإِنَّمَا الْؤَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: اشْتَريِهَا فَإِنَّمَا الْؤَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: اشْتَريِهَا فَإِنَّمَا الْؤَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: اشْتَريِهَا فَإِنَّمَا الْؤَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب