لا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، جمع فيه جملة من الأحكام والقواعد الشرعية المهمة التي تنظم حياة الفرد والمجتمع.

---

أولاً. شرح المفردات:

● لُعابها: ريقهَا.
● لِوَارث: للشخص الذي سيرث الميت من أهله.
● الفراش: الزوجة.
● للعاهر الحجر: العاهر هو الزاني، والحجر بمعنى الحرمان والنفي وعدم الاعتراف بالولد.
● لا يتولن: لا يوالين أو يناصرن.
● العارية مؤداة: الشيء المستعار يجب ردّه.
● المنيحة مردودة: المنيحة هي الناقة أو الشاة التي تُعطى للشخص ليأخذ لبنها ثم يردها، ويجب ردها.
● الدين مقضي: يجب الوفاء بالدين.
● الزعيم غارم: الكفيل أو الضامن يلزمه الوفاء بما التزم به.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه عن موقف عاشه مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يسير تحت ناقته ويسيل لعابها عليه، فسمع النبي يلقي هذه الكلمات الجامعة التي تضمنت عدة قواعد وأحكام:
1- "إن الله جعل لكل ذي حق حقه": هذه قاعدة عظيمة وأصل من أصول الشريعة، وهي أن الإسلام جاء ليرسي العدل ويؤكد على إعطاء كل صاحب حق حقه، سواء كان حقاً لله أو حقاً للعباد.
2- "ألا لا وصية لوارث": نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يوصي الشخص لوارث من ورثته (كابنه أو أخيه)، لأن الله تعالى قد قدّر لكل وارث نصيبه في الميراث في كتابه العزيز. فالوصية للوارث زيادة على حقه الشرعي، وهذا قد يؤدي إلى الظلم بين الورثة. والوصية مشروعة لغير الوارث فقط.
3- "الولد للفراش": أي أن الابن يُنسب لصاحب الفراش (وهو الزوج)، فإذا وُلد الولد من زوجة فهي فراش زوجها، فيلحق الولد بالزوج وينسب إليه، وهذا لحماية الأنساب وصيانتها.
4- "وللعاهر الحجر": والعاهر هو الزاني، فلا يلحق به الولد ولا ينسب إليه، بل هو محروم منه، وهذا عقاب له على جريمته وزناه، وصيانة للأعراض والأنساب من الاختلاط.
5- "ألا لا يتولن رجل غير مواليه": نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يوالي الشخصُ أو يناصر قوماً غير قومه وأهله الذين تربطهم به روابط الإسلام والنصرة. والمقصود هنا النصرة والولاء الذي يكون على أساس العصبية الجاهلية والقبلية، فأمر بأن تكون الولاية لله ورسوله والمؤمنين.
6- "ولا يدعين إلى غير أبيه": نهى عن الانتساب إلى غير الأب، كمن يدعي أن أباه فلان وهو ليس بأبيه، سواء كان ذلك طمعاً في مجد أو مال أو غيره. وهذا من أعظم الكبائر، لأنه كذب وتزوير للأنساب.
7- "فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله متتابعة إلى يوم القيامة": هذا وعيد شديد لمن ينتسب إلى غير أبيه أو يوالي غير مواليه على أساس الجاهلية، مما يدل على عظم هذه الجريمة.
8- "ألا لا تنفقن امرأة من بيتها إلا بإذن زوجها": نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن تأخذ من مال زوجها أو من بيتها (وهو بيت زوجها) شيئاً لتنفقه إلا بإذنه، لأن الزوج هو القيم على البيت والمسؤول عن نفقاته. فإذا أخذت من ماله بدون علمه كان ذلك خيانة وأكلٌ للمال بالباطل.
9- "فقال رجل: إلا الطعام يا رسول الله، فقال: وهل أفضل أموالنا إلا الطعام!؟": عندما استثنى الرجل الطعام من هذا النهي، لأن المرأة قد تحتاج أن تطعم أولادها أو ضيفاً، بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطعام هو أفضل المال وأعظمه، فلا يجوز أخذه بدون إذن الزوج.
10- "ألا إن العارية مؤداة، والمنيحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم":
● العارية مؤداة: أي أن المستعير يجب عليه أن يرد العارية (الشيء المستعار) إلى صاحبه، فهي أمانة.
● والمنيحة مردودة: المنيحة هي الناقة أو الشاة التي يعطيها الشخص لغيره لينتفع بلبنها ثم يردها، فيجب عليه ردها.
● والدين مقضي: يجب على المدين أن يقضي دينه ويوفيه لصاحبه.
● والزعيم غارم: الزعيم هو الكفيل أو الضامن، فمن كفل أو ضمن شيئاً لزمه الوفاء به، وإلا لزمه غرمه (أي تحمل مسئوليته مالياً).

---

ثالثاً. الدروس المستفادة منه:

1- إقامة العدل: التأكيد على مبدأ إعطاء كل ذي حق حقه، وهو أساس الشريعة الإسلامية.
2- صيانة نظام الميراث: تحريم الوصية للوارث حفظاً لحقوق الورثة ومنعاً للظلم بينهم.
3- حماية الأنساب: الحفاظ على نقاء الأنساب من خلال إلحاق الولد بالفراش (الزوج) ونفي نسبه عن الزاني.
4- تحريم الانتساب لغير الأب: التحذير من هذه الجريمة التي تؤدي إلى اختلاط الأنساب وعقوبتها شديدة.
5- تقوى الله في الأموال: وجوب استئذان الزوج في الإنفاق من ماله، وبيان أن الطعام