حديث: من أصاب حدًا فستره الله عليه وعفا عنه

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء أن الحدود كفارة

عن علي، عن النبي ﷺ قال: «من أصاب حدًّا فعُجّلت عقوبتُه في الدنيا، فالله أعدل من أن يثنّي على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدًّا فستره الله عليه، وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه».

حسن: رواه الترمذي (٢٦٢٦) وابن ماجه (٢٦٠٤) وأحمد (٧٧٥) والدارقطني (٣/ ٢١٥) والطحاوي في مشكله (٢١٨١) والحاكم (٢/ ٤٤٥) والبيهقي (٨/ ٣٢٨) كلهم من حديث حجاج بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي جحيفة، عن علي فذكره.

عن علي، عن النبي ﷺ قال: «من أصاب حدًّا فعُجّلت عقوبتُه في الدنيا، فالله أعدل من أن يثنّي على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدًّا فستره الله عليه، وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يتعلق بعدل الله تعالى وكرمه، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً مستعيناً بالله.
### أولاً. نص الحديث ومصدره
الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه، وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وهو حسن.


ثانياً. شرح المفردات:


● أصاب حدًا: ارتكب ذنباً عظيماً مما له عقوبة محددة في الشرع (مثل الزنا، السرقة، شرب الخمر، القذف...).
● فَعُجّلت عقوبته في الدنيا: نُفذت فيه العقوبة الشرعية (مثل الجلد أو الرجم) في الدنيا.
● أعدل: صيغة مبالغة من العدل، أي هو غاية العدل.
● أن يثني على عبده العقوبة: أن يكرر العقوبة مرتين، مرة في الدنيا ومرة في الآخرة.
● فستره الله عليه: ستر ذنبه فلم يفضحه، ولم تقم عليه البينة، فلم يُعاقب.
● وعفا عنه: غفر له ذنبه وتجاوز عنه.
● أكرم: صيغة مبالغة من الكرم، أي هو غاية الكرم والجود.
● أن يعود في شيء قد عفا عنه: أن يرجع في عفوه ومغفرته فيأخذه بذنب قد غفره.


ثالثاً. شرح الحديث:


ينقسم الحديث إلى قسمين، كل قسم يبين صفة من صفات الله تعالى:
القسم الأول: بيان عدل الله تعالى
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا، فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ».
● المعنى: من ارتكب ذنباً من الذنوب التي لها حد في الإسلام، فقُبض عليه وأقيم عليه الحد الشرعي (مثل أن يسرق فقطعت يده، أو يزني فجُلد أو رُجم)، فإن هذه العقوبة تكفر ذنبه وتطهره. فالله تعالى هو العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة، وهو أكرم من أن يعاقب العبد مرتين على ذنب واحد. فالعقوبة في الدنيا كفارة للذنب، فلا يعاقب عليه again في الآخرة. وهذا من عدله سبحانه وتعالى.
القسم الثاني: بيان كرم الله تعالى وعفوه
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ».
● المعنى: ومن ارتكب ذنباً، لكن الله تعالى ستره عليه فلم يفضحه في الدنيا، ولم تقم عليه البينة التي تستوجب إقامة الحد، ثم تاب العبد وأناب إلى الله، فغفر الله له وعفا عنه. فالله تعالى هو الكريم الغفار، وهو أكرم من أن يرجع في عفوه ومغفرته، فيحاسب العبد على ذنب قد غفره وتاب العبد منه حقاً. وهذا من كرمه سبحانه وتعالى وجوده.


رابعاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- إثبات صفتي العدل والكرم لله تعالى: فالحديث يثبت أن الله عز وجل متصف بالعدل المطلق الذي لا جور فيه، والكرم الواسع الذي لا ينفد.
2- الحكمة من إقامة الحدود: إقامة الحدود في الدنيا ليست انتقاماً بحتاً، بل هي تكفير للذنوب وتطهير للمجتمع وصاحب الذنب، ليعود نقياً لا إثم عليه في الآخرة.
3- فضل ستر الله على العبد: يجب على العبد أن يشكر الله على ستره، ويستحي من الله أن يعصيه بعد أن ستره، ويبادر بالتوبة النصوح.
4- الحث على التوبة والاستغفار: الحديث باب أمل واسع للعصاة، فمهما عظم الذنب، فباب التوبة مفتوح، والله كريم غفور، وهو لا يعود في مغفرته.
5- التحذير من المجاهرة بالمعاصي: من ستره الله فلا يفضح نفسه، فالمجاهر بالمعصية الذي يظهرها ويتباهى بها قد خرج من ستر الله عليه، وتعرض لعقاب الدنيا والآخرة.
6- طمأنينة قلب المؤمن: يبعث هذا الحديث على الطمأنينة في قلب المؤمن، بأن التعامل مع الله قائم على العدل المطلق والكرم الوفير.


خامساً:

تنبيه مهم:
ليس معنى هذا الحديث التشجيع على ارتكاب الذنوب تحت ذريعة أن الحد سيكفرها! بل هذا كلام لمن وقع في الذنب، ليبين له طريق الخلاص. أما من تعمد الذنب متكئاً على سعة مغفرة الله، فهو من المغرورين، وقد لا تنفعه هذه التكفيرات، لأن إقامة الحد مرتبطة بالندم والتوبة الخالصة.
أسأل الله تعالى أن يتوب علينا وأن يستر عيوبنا، وأن يجعلنا من عباده المتقين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الترمذي (٢٦٢٦) وابن ماجه (٢٦٠٤) وأحمد (٧٧٥) والدارقطني (٣/ ٢١٥) والطحاوي في مشكله (٢١٨١) والحاكم (٢/ ٤٤٥) والبيهقي (٨/ ٣٢٨) كلهم من حديث حجاج بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي جحيفة، عن علي فذكره.
وإسناده حسن من أجل الكلام في يونس بن أبي إسحاق في روايته عن أبيه أبي إسحاق إلا أنه حسن الحديث إذا لم يخالفه، وإن كان ابنه إسرائيل بن يونس أوثق منه في جده أبي إسحاق.
ومن خالفه فرواه عن أبي إسحاق موقوفا لا يساوي شيئًا.
ذكر الدارقطني في العلل (٣/ ١٢٨ - ١٢٩) بعض هؤلاء من رووه عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة موقوفا ثم قال: «ورفعه صحيح».
وقال الترمذي: «حسن غريب صحيح» وفي نسخة: «حسن غريب».
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين». والصواب أنه حسن كما قلت.
وفي الباب ما رُوي عن خزيمة بن ثابت عن النبي ﷺ قال: «من أصاب ذنبًا أقيم حدُّ ذلك الذنب فهو كفارته».
رواه أحمد (٢١٨٦٦) والطبراني (٣٧٣١) والدارقطني (٣/ ٢١٤) والحاكم (٤/ ٣٨٨) كلهم من حديث أسامة بن زيد، عن محمد بن المنكدر، عن ابن خزيمة بن ثابت، عن أبيه فذكره.
قال الحاكم: صحيح الإسناد.
وهو كما قال من ظاهر الإسناد، ولا يضر عدم تسمية ابن خزيمة فإنه عمارة بن خزيمة وهو ثقة معروف من روايته عن أبيه، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (١/ ٦٧)، (١٢/ ٨٤) ولكن وقع الخلاف على أسامة بن زيد، فإنه وصف بكثير الخطأ وإن كان هو صدوقا في نفسه، فمرة روي هكذا. وأخرى كما سيأتي.
وقد سأل الترمذي البخاري كما في «العلل الكبير» (٢/ ٢٠٦) عن هذا الحديث فقال: «هذا حديث فيه اضطراب» وضعّفه جدًّا.
قال: وقال محمد: وقد رُوي عن أسامة بن زيد، عن رجل، عن بكير بن الأشج، عن محمد بن المنكدر، عن خزيمة بن ثابت.
ورواه المنكدر بن محمد، عن أبيه، عن خزيمة بن معمر. انتهى.
والمنكدر بن محمد مختلف فيه فقال الإمام أحمد: «ثقة» وقال ابن معين: «ليس به بأس» وضعّفه النسائي والجوزجاني والعجلي.
وقال أبو زرعة: «ليس بقوي» وقال أبو حاتم: «كان رجلًا صالحًا لا يفهم الحديث، وكان كثير الخطأ».
وأما ما روي عن الزهري أن رسول الله ﷺ قال: «ما أدري أعزير نبيًا كان أم لا، وتبع لعينا كان أم لا، والحدود كفارات لأهلها أم لا» فهذا صحيح مرسلًا.
رواه البخاري في التاريخ الكبير (١/ ١٥٢) قال: قال لي عبد الله بن محمد، حدثنا هشام قال: حدثنا معمر، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري فذكره.
ورواه أبو داود (٤٦٧٤) من طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة مرفوعًا: «ما أدري أتبع لعين هو أم لا؟ ما أدري أعزير نبي هو أم لا؟» ولم يذكر فيه: «الحدود كفارات لأهلها».
ورواه أيضا الحاكم (١/ ٩٢) من طريق عبد الرزاق وذكر فيه: «ما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا».
قال البخاري: «والأول أصح، ولا يثبت هذا عن النبي ﷺ لأن النبي ﷺ قال: «الحدود كفارة» وكذا رجح الإرسال غير واحد من أهل العلم، لأن هشاما وهو ابن يوسف الصنعاني أوثق وأضبط من عبد الرزاق. سئل أبو حاتم الرازي عن هشام وعبد الرزاق ومحمد بن ثور فقال: كان هشام أكبرهم وأحفظهم وأتقن. الجرح والتعديل (٩/ ٧١).
فكان ترجيح البخاري للإرسال من وجهين:
أحدهما: مخالفته للحديث الصحيح.
والثاني: هشام بن يوسف الصنعاني أوثق من عبد الرزاق وسيأتي مزيد من الكلام في أخبار
الماضيين. ولا يقال حديث أبي هريرة متقدم على حديث عبادة بن الصامت ليكون حديث عبادة ناسخًا لحديث أبي هريرة، لأن حديث عبادة كان بمكة ليلة العقبة لما بايع النبي ﷺ الأنصار بمنى، وحديث أبي هريرة يكون متأخرًا، لأنه أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر إلا أن الحافظ ابن حجر ينكر أن يكون حديث عبادة بمكة وعلى فرض التسليم فإنه ذكر تأويلات بعد أن صحّح حديث أبي هريرة. انظر»الفتح (١/ ٦١).
وقال الهيثمي في: المجمع (٦/ ٢٦٥) فقال: رواه البزار - كشف الأستار - (١٥٤٣) بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 7 من أصل 121 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من أصاب حدًا فستره الله عليه وعفا عنه

  • 📜 حديث: من أصاب حدًا فستره الله عليه وعفا عنه

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: من أصاب حدًا فستره الله عليه وعفا عنه

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: من أصاب حدًا فستره الله عليه وعفا عنه

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: من أصاب حدًا فستره الله عليه وعفا عنه

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب