جاء ماعز بن مالك إلى النبي فقال إني زنيت

حديث: جاء ماعز بن مالك إلى النبي فقال إني زنيت

عن أبي هريرة قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي ﷺ فقال: إني زنيت. فأعرض عنه. ثم قال: إني زنيت، فأعرض عنه، ثم قال: إني زنيت، فأعرض عنه، ثم قال: إني زنيت، فأعرض عنه حتى قال أربع مرات. فأمر به أن يرجم. فلما أصابته الحجارة أدبر يشتد، فلقيه رجل بيده لَحْيُ جملٍ، فضربه فصرعه. فذكر للنبي ﷺ فراره حين مسته الحجارة فقال: «فهلا تركتموه؟».

حسن: رواه الترمذي (١٤٢٨) وابن ماجه (٢٥٥٤) وأحمد (٩٨٠٩) وابن الجارود (٨١٩) وصححه ابن حبان (٤٤٣٩) والحاكم (٤/ ٣٦٣) والبيهقي (٨/ ٢٢٨) كلهم من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكره، وإسناده حسن من أجل محمد بن عمرو وهو ابن علقمة الليثي حسن الحديث.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقرأ. هذا الحديث العظيم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وهو في الصحيحين، يحمل في طياته دروساً عظيمة وفوائد جليلة تتعلق بالتوبة وحد الزنا، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً مستنداً إلى كبار شراح الحديث.

أولاً. شرح المفردات:

● ماعز بن مالك: رجل من قبيلة أسلم، وكنيته أبو سعد.
● أعرض عنه: أي صرف النبي ﷺ وجهه عنه ولم يلتفت إليه.
● أمر به أن يرجم: أي أمر النبي ﷺ بأن ينفذ فيه حد الرجم، لأنه محصن (أي بالغ، عاقل، حر، مسلم، قد تزوج ودخل بزوجته).
● لَحْيُ جمل: عظم الفك السفلي للجمل، وهو عظم قوي.
● فهلا تركتموه؟: كلمة توبيخ وتعجب، أي كان ينبغي لكم أن تتركوه ولا تضربوه بعد شروعكم في الرجم.

ثانياً. شرح الحديث:

1- تكرار الاعتراف والإعراض النبوي: جاء ماعز بن مالك إلى النبي ﷺ معترفاً بذنبه (الزنا) طالباً التطهير. وأعرض عنه النبي ﷺ أربع مرات. هذا الإعراض لم يكن هروباً من تنفيذ الحد، بل كان من رحمة النبي ﷺ وحكمته؛ لعل الرجل يرجع عن اعترافه، أو ليتأكد من أنه يعقل ما يقول ولم يُجبر، أو لعل الله أن يتوب عليه دون أن يصل إلى حد إقامة الحد. فهو إعراض تحنن ورحمة، لا إعراض غضب وإهمال.
2- إقامة الحد بعد التثبت: بعد أن أكد ماعز اعترافه أربع مرات، ولم يتراجع، ولم تظهر أي شبهة تمنع إقامة الحد، أمر النبي ﷺ برجمه تطهيراً له من ذنبه في الدنيا ليعفو الله عنه في الآخرة. وهذا من عدل الشريعة ورحمةها، حيث جعلت للتائب طريقاً للتطهير.
3- فراره أثناء الرجم وضربه بعظم الجمل: عندما بدأ الرجم وأصابته الحجارة، هرب من شدة الألم. وهذا الفعل طبيعة بشرية، لا يناقض صدق توبته. فلحقه رجل فضربه بعظم فقضى عليه.
4- توبيخ النبي ﷺ للضارب: قال النبي ﷺ: «فهلا تركتموه؟». وهذا توجيه نبوي عظيم فيه درسان:
● الدرس الأول: أن الحدود مقصود بها الزجر والتطهير، لا التعذيب أو التشفي. فما دام قد شرع في تنفيذ الحد وظهرت عليه آثاره، فالهرب في هذه الحالة لا يمنع أن يكون قد أدى ما عليه وتطهر ببداية الرجم.
● الدرس الثاني: ذم العجلة والغلو في الدين، والتشدد الذي لا داعي له. فذلك الرجل غلا وأراد أن يظهر غيرته على حد الله، ففعل ما لم يؤمر به.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- فضل التوبة والمسارعة إليها: فماعز جاء تائباً مختاراً طالباً للتطهير، وهذا من أعلى درجات التوبة.
2- رحمة النبي ﷺ وحكمته: حيث أعرض عنه repeatedly ليعطيه فرصة ليراجع نفسه.
3- إقامة الحدود شرعاً للتطهير لا للانتقام: فالحد كفارة للذنب، كما قال النبي ﷺ في حديث عبادة بن الصامت: «... وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُعْلِنَ عَلَيْهِ، أَقَمْنَا عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ».
4- ذم الغلو والعنف في الدين: فالتشدد الذي لا داعي له مذموم، وقد يؤذي ولا ينفع.
5- أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له: فماعز رضي الله عنه مات بعد الرجم، وقد ثبت في روايات أخرى أن النبي ﷺ صلى عليه صلاة الجنازة، وقال عنه: «تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ». فهي توبة مقبولة إن شاء الله.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من أدلة حد الرجم على المحصن الذي ثبَت زناه بالإقرار أو البينة.
- فيه دليل على أن الإقرار وسيلة من وسائل إثبات الجريمة، ولكن يشترط أن يكون مختاراً غير مضطر.
- يستفاد منه أن من اعترف بذنب ثم هرب أثناء تنفيذ الحد، فإنه يُترك ولا يُتابع، لأن المقصود قد حصل وهو تطهيره بالبداية في التنفيذ.
أسأل الله أن يتوب علينا جميعاً، وأن يجعلنا من التوابين المتطهرين.
والله أعلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الترمذي (١٤٢٨) وابن ماجه (٢٥٥٤) وأحمد (٩٨٠٩) وابن الجارود (٨١٩) وصححه ابن حبان (٤٤٣٩) والحاكم (٤/ ٣٦٣) والبيهقي (٨/ ٢٢٨) كلهم من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكره، وإسناده حسن من أجل محمد بن عمرو وهو ابن علقمة الليثي حسن الحديث. وحسنه أيضا الترمذي.
واللحي: هو العظم الذي عليه الأسنان.
وأما ما روي عن أبي هريرة قال: جاء الأسلمي إلى النبي ﷺ فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه النبي ﷺ فأقبل في الخامسة فقال «أنكتها؟». قال نعم. قال «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها». قال نعم. قال: كما يغيب المِرْوَدُ في المكحلة والرشاءُ في البشر». قال نعم. قال: «فهل تدري ما الزنا؟». قال: نعم، أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا. قال: «فما تريد بهذا القول؟». قال أريد أن تطهرني. فأمر به فرجم فسمع النبي ﷺ
رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجِمَ رجْمَ الكلب. فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مرَّ بجيفة حمار شائل برجله. فقال: «أين فلانٌ وفلانُ؟». فقالا: نحن ذانِ يا رسول الله. قال: «انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار». فقالا: يا نبيَّ الله، من يأكل من هذا؟ قال: «فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكلٍ منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقم فيها» فهو ضعيف: رواه أبو داود (٤٤٢٨) والدارقطني (٣/ ١٩٦ - ١٩٧) والبيهقي (٨/ ٢٢٨) وابن الجارود (٨١٤) وصحّحه ابن حبان (٤٣٩٩) كلهم من حديث ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أن عبد الرحمن بن الصامت بن عم أبي هريرة أخبره أنه سمع أبا هريرة فذكره.
وعبد الرحمن بن الصامت، وقيل: ابن هضاض الدوسي لم يرو عنه غير ابن جريج، ولم يوثقة أحد إلا أن ابن حبان ذكره في ثقاته (٥/ ٩٧) وأخرج حديثه في صحيحه على قاعدته في توثيق المجاهيل. وقد قال البخاري: لا يعرف إلا بهذا الحديث.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 34 من أصل 121 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: جاء ماعز بن مالك إلى النبي فقال إني زنيت

📜 حديث: جاء ماعز بن مالك إلى النبي فقال إني زنيت

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: جاء ماعز بن مالك إلى النبي فقال إني زنيت

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: جاء ماعز بن مالك إلى النبي فقال إني زنيت

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: جاء ماعز بن مالك إلى النبي فقال إني زنيت

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية