حديث: أخذ النبي الشفرة فجعل يحز لي بها منه
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب إعفاء اللحية، وقص الشارب
حسن: رواه أبو داود (١٨٨)، وأحمد (١٨٢١٢) كلاهما من حديث وكيع، حدّثنا مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن مغيرة بن عبد اللَّه، عن المغيرة بن شعبة قال: فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقرأ. هذا حديث عظيم من دلائل كمال خُلُق النبي ﷺ وشفقته بأصحابه، وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه.
أولاً. شرح مفردات الحديث:
● ضفت: أي نزلت ضيفاً عليه ﷺ.
● بجنب: الجَنْب هو قطعة من لحم الخاصرة، أي شاة.
● فشوي: أي طُبخ بالشواء على النار.
● الشفرة: السكين.
● يحز لي بها منه: يقطع لي منها قطعة.
● تربت يداه: كلمة تقال تعجباً من انشغال الشخص عن أمر مهم، ومعناها الدعاء عليه بأن تصيبه التربة (التراب) في يديه، وهي هنا على سبيل الملاطفة والمداعبة، لا على الحقيقة.
● شاربي وفى: شاربه كثيف وطويل.
● قصه: أي قص شاربي وقصه.
● على سواك: أي باستخدام السواك.
ثانياً. شرح الحديث:
يحدثنا الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان ضيفاً على رسول الله ﷺ في ليلة من الليالي. فأمر النبي ﷺ بإحضار قطعة لحم (جَنْب) فشُوِيَت له.
فقدَّم النبي ﷺ لضيفه الطعام بيديه الكريمتين، وأخذ السكين (الشفرة) ليقطع له بيده قطعة من اللحم، تكريماً له وإظهاراً للبشاشة وحسن الضيافة.
وفي أثناء ذلك، جاء المؤذن بلال رضي الله عنه ليخبر النبي ﷺ بموعد الصلاة (أي حان وقتها). فما كان من النبي ﷺ إلا أن ألقى السكين من يده على الفور، وانشغل بأمر الصلاة، وقال كلمة تعجب مما شغله عن الصلاة حتى لحظتها، فقال: (ما له تربت يداه)، وهي كلمة تقال للتعجب من انشغال المرء عن أمر مهم، وهي هنا من باب المداعبة اللطيفة لنفسه ﷺ، وكأنه يعاتب نفسه على تأخير الاستعداد للصلاة، مما يدل على عظم شأن الصلاة في قلبه.
ثم لاحظ المغيرة أن شاربه كان طويلاً وكثيفاً (وفى)، فأراد النبي ﷺ أن يعلمه سنن الفطرة، فقص له شاربه إما باستخدام السواك (وهو عود الأراك) أو أمره أن يقصه هو بنفسه باستخدام السواك. والروايات مختلفة في هذه النقطة، ولكن المغزى واحد، وهو تعليم الصحابي سنة قص الشارب.
ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:
1- كمال خُلُق النبي ﷺ وحياطته لضيفه: حيث خدمه بنفسه وقام بتقطيع اللحم له، وهذا من تواضعه ﷺ وحسن ضيافته.
2- عظم مكانة الصلاة: فلم يُؤْثِر عليها أي شيء، حتى وهو في وسط خدمة ضيفه، فترك كل شيء لأجلها.
3- مداعبة النبي ﷺ لأصحابه ولنفسه: قوله "ما له تربت يداه" فيه جواز المداعبة بالكلام الطيب الذي لا إثم فيه، وهو من باب اللطف والملاطفة.
4- اهتمام النبي ﷺ بتعليم أصحابه سنن الفطرة: كقص الشارب، وهو من الأمور التي تزين appearance المسلم وتنظفه.
5- السواك له منافع متعددة: حتى أنه يمكن الاستعانة به في بعض الأمور الأخرى غير تنظيف الأسنان، كقص شعر قليل.
6- الحث على إكرام الضيف: وخدمته بما تيسر، اقتداءً برسول الله ﷺ.
رابعاً. معلومات إضافية:
● الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة المتضمنة لأخلاق النبي العملية.
● قصة قص الشارب تدل على أن السنة في قص الشارب هي القص (أي أخذ جزء منه) وليس الحلق الكامل، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء.
● قول النبي ﷺ "ما له تربت يداه" هو من الكلام الذي يجوز في المداعبة، ولا يقصد به الدعاء بالشر، بل هو كلام عادي كانوا يتعاجبون به، وشبيهه قوله ﷺ في الحديث الآخر: "ثكلته أمه".
أسأل الله أن يفقهنا في سنن نبيه، وأن يجعنا من المتبعين لهديه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تخريج الحديث
وإسناده حسن من أجل مغيرة بن عبد اللَّه فإنه حسن الحديث.
وأما ما روي عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه ﷺ يقص شاربه، وكان أبوكم إبراهيم من قبله يقص شاربه. ففيه ضعف.
رواه الترمذيّ (٢٧٦٠)، وأحمد (٢٧٣٨) كلاهما من حديث سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره.
وسماك بن حرب مضطرب في روايته عن عكرمة، وهذا منه.
وفي الباب ما روي عن عطاء بن يسار أخبره قال: كان رسول اللَّه ﷺ في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول اللَّه ﷺ بيده أن اخرج، كأنه يعني، إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل، ثم رجع، فقال رسول اللَّه ﷺ: «أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر
الرأس كأنه شيطان».
رواه مالك في الشعر (٧) عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار وهو مرسل.
وعن سعيد بن المسيب قال: كان إبراهيم ﷺ أول الناس ضيّف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال اللَّه تبارك وتعالى: وقار يا إبراهيم، فقال: رب زدني وقارًا.
رواه مالك في صفة النبي ﷺ (٤) عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب.
فقه الباب:
ورد في إعفاء اللحية خمس روايات وهي: أعفوا، وأوفوا، وأرخوا، وأرجوا، ووفّروا. ومعناها كلها: تركها على حالها. هذا هو الظاهر من هذه الروايات. وبه قال جماعة من السلف، وكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها وعرضها.
وقال بعض أهل العلم: قد يحتمل أن يكون لاعفاء اللحية حدٌّ بناءً على ما جاء عن ابن عمر وغيره.
قال القاضي عياض: «يكره حلقها وقصّها وتحريقها، أما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وجزّها».
وقال النووي: «ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحا من بعض، فالتاسعة منها: تركها شعثة ملبدة إظهارًا للزهادة، وقلة المبادرة بنفسه».
ثم اختلف السلف هل لذلك حدٌّ؟
فمنهم من لم يحدد شيئًا في ذلك إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة، بل يأخذ منها.
وكره مالك طولها جدا.
وذهب جماعة من السلف إلى أن ما زاد على القبضة يؤخذ الزائد لفعل ابن عمر وأبي هريرة، وهما رويا حديث الاعفاء.
وكان عمر فعل ذلك برجل كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (١٠/ ٣٥٠).
وأما ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول اللَّه ﷺ كان يأخذ من لحيته وطولها بالسوية. فهو ضعيف.
رواه الترمذيّ (٢٧٦٢) عن هناد، قال: حدّثنا عمر بن هارون، عن أسامة بن زيد، عن عمرو ابن شعيب، فذكره.
قال الترمذيّ: «هذا حديث غريب، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس له أصل، أو قال: ينفرد به، إلا هذا الحديث: كان النبي ﷺ يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن هارون، ورأيته حسن الرأي في عمر.
قال الأعظمي: عمر بن هارون هذا هو البلخي ضعفه أكثر أهل العلم فقال أبو داود: غير ثقة، وقال
النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات، ويدعى شيوخا لم يرهم.
وأما قول النبي ﷺ: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى». فإنه كان من عادة الفرس إطالة الشوارب، وقص اللحى قصا شديدًا أو حلقها فمنع الشارع من ذلك لمخالفتهم.
وأما إحفاء الشوارب فمعناه المبالغة في القص لأنه جاء في رواية: جزّوا الشوارب. والجزُّ هو القطع، وعليه يدل لفظ الصحيحين: من الفطرة قص الشارب، وقصة المغيرة بن شعبة.
ولذا ذهب كثير من السلف إلى أنه يؤخذ من الشوارب ما طال عن الشفة، وقد قال مالك كما في الموطأ، كتاب صفة النبي ﷺ (٤): «يُؤخذ من الشارب حتى يبدو طرفُ الشفة، وهو الإطارُ، ولا يجزُّه فيُمثِّل بنفسه».
وكان ابن عمر إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. ذكره مالك في الموطأ في الحج (٢٠٠).
وذهب أهل الكوفة إلى استئصاله وحلقه؛ لأن معنى الإحفاء في اللغة: الاستئصال يقال: فلان أحفى الشعر أي استأصله.
والأمران جائزان لدلالة السنة عليهما والخلاف في الأفضلية فذهب أهل المدينة إلى الجزّ، والقص، وذهب أهل الكوفة إلى الاستئصال.
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 123 من أصل 337 حديثاً له شرح
- 98 من اختال في حلة حمراء فخسف به الأرض
- 99 خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
- 100 من وطئه خيلاء وطئه في النار
- 101 من تشبه بقوم فهو منهم
- 102 معنى: من تشبه بقوم فهو منهم
- 103 عدد الفرش في البيت
- 104 أتخذتَ أنماطا؟ قال: أما إنها ستكون
- 105 وسادة رسول الله ﷺ التي يتكئ عليها من أدم حشوها...
- 106 فراش رسول الله ﷺ الذي ينام عليه أدَم حَشْوُهُ لِيفٌ.
- 107 يصلّي وأنا حياله.
- 108 اتباع الجنائز وعيادة المريض وتشميت العاطس
- 109 عن أبي بردة: نهاني رسول الله عن الميثرة والقسية
- 110 لا تركبوا الخز ولا النمار
- 111 نهى رسول الله ﷺ عن لبس الحرير والذهب إلا مقطعا
- 112 نهي النبي عن افتراش جلود السباع
- 113 رسول الله ﷺ نهى عن لبس الذهب والحرير وجلود السباع
- 114 الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط
- 115 حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب من الفطرة
- 116 قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار
- 117 انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى
- 118 خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب
- 119 أمر النبي بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية
- 120 جزّوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس
- 121 من لم يأخذ من شاربه فليس منا.
- 122 خالفوا أهل الكتاب في اللباس والهيئة
- 123 أخذ النبي الشفرة فجعل يحز لي بها منه
- 124 موعد قص الشارب وتقليم الاظافر ونتف الابط وحلق العانة
- 125 من عقد لحيته أو تقلد وترًا أو استنجى برجيع دابة...
- 126 لا تنتفوا الشيب فإنه نور يوم القيامة
- 127 من شاب شيبة في الإسلام، كتب له بها حسنة
- 128 الشيب في سبيل الله نور يوم القيامة
- 129 من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة
- 130 من شاب شيبا في سبيل الله كانت له نورا يوم...
- 131 خالفوهم فإن اليهود والنصارى لا يصبغون
- 132 غيّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود ولا بالنصارى
- 133 غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد
- 134 خضاب رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر بالحناء والكتم
- 135 غيروا الشيب ولا تقربوه السواد
- 136 غيروا هذا من شعره
- 137 يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام
- 138 أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم
- 139 خضابنا مع رسول الله الورس والزعفران
- 140 شعرات حمر من شعر النبي ﷺ
- 141 ما شانه الله ببيضاء
- 142 لم يكن رسول الله ﷺ يخضب وقد خضب أبو بكر...
- 143 لم يختضب النبي ﷺ وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم
- 144 كراهية نتف الشعر الأبيض من الرأس واللحية
- 145 لم ير من الشيب إلا قليلا
- 146 لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض
- 147 في عنفقة النبي ﷺ شعرات بيض
معلومات عن حديث: أخذ النبي الشفرة فجعل يحز لي بها منه
📜 حديث: أخذ النبي الشفرة فجعل يحز لي بها منه
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: أخذ النبي الشفرة فجعل يحز لي بها منه
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: أخذ النبي الشفرة فجعل يحز لي بها منه
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: أخذ النبي الشفرة فجعل يحز لي بها منه
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Thursday, November 20, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








