موعد قص الشارب وتقليم الاظافر ونتف الابط وحلق العانة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النبوي الشريف شرحاً وافياً، مستنداً إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة".
(رواه مسلم في صحيحه)

---

1. شرح المفردات:

* وُقِّتَ لنا: فُرض علينا، وحدد لنا وقتاً معيناً لا ينبغي تجاوزه.
* قص الشارب: قص الشعر الذي فوق الشفة العليا، وإحفاؤه حتى يبدو طرف الشفة.
* تقليم الأظفار: قص الأظافر وقص الزوائد منها.
* نتف الإبط: نزع شعر الإبط، والأفضل أن يكون بالنتف إن أمكن، ويجوز بالحلق أو النورة (مادة لإزالة الشعر).
* حلق العانة: إزالة الشعر الذي حول القبل والدبر، ويسمى أيضاً "شعر العورة". والحلق هو الإزالة بشكل عام، سواء بالحلق أو القص أو النتف أو غيره.
* أكثر من أربعين ليلة: المدة القصوى التي لا يجوز ترك هذه السنن الفطرية بعدها هي أربعون يوماً.

---

2. شرح الحديث:

يخبر الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد لأصحابه - ولأمته من بعدهم - وقتاً أقصى للعناية بهذه الخصال الأربع، والتي تسمى "سنن الفطرة".
* المعنى الإجمالي: أن المسلم مأمور بالمحافظة على نظافة بدنه وهيئته، وألا يهمل هذه الخصال لأكثر من أربعين يوماً. فهي ليست مجرد عادات للنظافة، بل هي عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله، ويتمثل فيها هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
* حكم المدة: جمهور العلماء على أن المدة (أربعون يوماً) هي حد أقصى للترك، وليس حداً أدنى. أي أن الأفضل للمسلم أن لا يتركها إلى هذه الغاية، بل يعتني بها ويقلمها ويقصها قبل أن تبلغ هذا الوقت. فمن قام بها قبل الأربعين، فقد أحسن وأفضل. وقد ورد في رواية أخرى عن أنس: "وقت لنا..."، مما يدل على أن هذا التوقيت هو غاية لا ينبغي تجاوزها.
* الجمع بين الروايات: وردت روايات أخرى تحدد المدة بفترات أقل، مثل ألا يترك أكثر من أسبوع (أربعين ليلة هي أقصى مدة وردت). فمن العلماء من يرى أن ذلك على حسب حال الشخص وقدرته، وأن الأمر فيه سعة، والأفضل المبادرة إلى إزالتها متى طالت.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- اهتمام الإسلام بالنظافة والجمال: يحرص الإسلام على نظافة المسلم وحسن هيئته، وجعل ذلك جزءاً من الإيمان والفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
2- التوسط والاعتدال: في هذا الحديث توجيه إلى التوسط في العناية بالمظهر، فلا إفراط في المبالغة والاهتمام الزائد عن الحد (كما قد يفعل بعض الناس)، ولا تفريط في إهمال النظافة والشعور بالتكاسل.
3- الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: فعل هذه الخصال هو اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وطاعة لأمره، وهذا قربة إلى الله تعالى.
4- الفروق بين الرجال والنساء: هذه الخصال موجَّهة في الأصل للرجال. وأما بالنسبة للنساء، فحكم إزالة شعر العانة والإبط مثبت أيضاً، ولكن قد يكون هناك تفصيل في كيفية الإزالة وطريقته بما يتناسب مع طبيعة المرأة، وكذا حكم تطويل الأظافر للزينة. والأصل أن للمرأة أن تتجمل لزوجها بما تراه مناسباً، مع الحفاظ على الضوابط الشرعية.
5- تكريم الإنسان: في هذه التوجيهات تكريم للإنسان، والحفاظ على صورته اللائقة التي كرمه الله بها، وتمييزه عن الحيوان الذي لا يعتني بنظافته.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* حكم من تجاوز الأربعين: ذهب جمهور العلماء إلى أن من ترك هذه الخصال أكثر من أربعين يوماً فقد ترك سنة مؤكدة وأساء، ولكن لا إثم عليه بمعنى أنه لم يرتكب حراماً، وإنما فوت على نفسه أجراً عظيماً وخل بآداب الإسلام.
* ترتيب السنن عند القيام بها: يستحب لمن أراد أن يقلم أظافره ويقص شاربه وينتف إبطه ويحلق عانته أن يبدأ باليمين، فيبدأ بيده اليمنى ثم اليسرى، ورجله اليمنى ثم اليسرى.
* التخلص من الشعر والأظافر: يستحب دفن ما أزيل من شعر العانة والإبط والأظافر؛ طلباً للستر ولئلا يتعرض لها الجن أو يصيب الإنسان ضرر منها. وأما قص الشارب فيلقى مع القمامة.
* هذه الخصال من الفطرة: وقد وردت خصال الفطرة في أحاديث أخرى بزيادة، مثل: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء" يعني الاستنجاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.