الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من الأحاديث التي بينت النبي صلى الله عليه وسلم فيها من هدي الفطرة والسنة التي يحبها الله ويرضاها.

---

الحديث بلفظه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الِاخْتِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ».
راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صحابي جليل، أكثر الصحابة رواية للحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مخرج الحديث: أخرجه الإمام البخاري (رقم 5889) والإمام مسلم (رقم 257) في صحيحيهما، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.

---

شرح المفردات:

1- الفطرة: لها معانٍ عدة، وأشهرها هنا:
* السنة: أي السنن القديمة التي اتبعها الأنبياء ومنها خصال الإسلام.
* ما يجبل الله عليه خلقه من الخصال الحميدة التي تزيد في طهارتهم ونقائهم وحسن هيئتهم.
* الدين أو الملة، أي من خصال الإسلام.
وقيل: سميت فطرة لأنها من أخلاق الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
2- الاختتان: هو ختان الذكر، وهو قطع القلفة (الجْلدة) التي على رأس الذكر. وهو للنساء أيضًا لكن بمعنى أخف، وهو قطع الجلدة التي في أعلى الفرج تشبه عرف الديك.
3- الاستحداد: هو حلق العانة، وهي الشعر الذي حول القبل. وسُمي استحدادًا لأنهم كانوا يستعملون له الحديدة (الموسى).
4- قص الشارب: هو تقصير شعر الشارب وأخذ زائده، وأكمل صوره أن يحفه ويجعله قصيرًا حتى لا يظهر على الشفة.
5- تقليم الأظفار: هو قص الأظافر وقص الزائد منها سواءً كانت أظافر اليدين أو الرجلين.
6- نتف الإبط: هو إزالة شعر الإبط، وأفضل طريقة له هي النتف كما جاء في الحديث، لكن لو حلقها أو أزالها بالكريمات الحديثة جاز ذلك وتحصل به السنة.

---

شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن من خصال الفطرة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، والتي هي من سنن المرسلين وهدي المسلمين، خمس خصال.
وهذه الخصال الخمس كلها تتعلق بالنظافة الشخصية والطهارة وحسن الهيئة، مما يجعل المسلم نظيف البدن، طيب الرائحة، بعيدًا عن أسباب التقذر والأوساخ التي تجمعها هذه المواضع إذا أهملت.
وقد جمعها النبي صلى الله عليه وسلم هنا تحت مسمى "الفطرة" ليشير إلى أنها ليست مجرد عادات، بل هي أمور تعبدية يقصد بها التزام هدي الأنبياء والتقرب إلى الله بنظافة الظاهر والباطن. فالنظافة من الإيمان.
لماذا هذه الخصال بالذات؟
لأن إهمال هذه المواضع يؤدي إلى:
* تجمع الأوساخ والعرق.
* انتشار الروائح الكريهة.
* تكون بيئة خصبة للجراثيم والميكروبات.
* مظهر غير لائق، ينفر منه الناس.
فشرع الإسلام إزالتها للحفاظ على صحة البدن وحسن المنظر وطيب الرائحة.

---

الدروس المستفادة والعبر:

1- اهتمام الإسلام بالنظافة: يظهر من هذا الحديث حرص الإسلام الشديد على النظافة الشخصية، وجعلها جزءًا من الإيمان والفطرة السليمة.
2- التوازن بين المظهر والجوهر: الإسلام لا يهتم بسلامة القلب فقط، بل يهتم أيضًا بنظافة وطهارة الجسد، فكلاهما مكمل للآخر.
3- التيسير ورفع الحرج: هذه الخصال من السنن المؤكدة، لكنها ليست على سبيل الإلزام الذي يأثم تاركها (عدا الختان فهو واجب عند большин العلماء للرجال)، مما يدل على التيسير ورفع الحرج عن الأمة.
4- المحافظة على الصحة: في هذه الخصال وقاية من許多 الأمراض، وهذا من إعجاز السنة النبوية، حيث أثبت العلم الحديث فوائدها الصحية.
5- مخالفة غير المسلمين: المحافظة على هذه الخصال تميز المسلم في مظهره ونظافته عن غير الملتزمين بهذه الهدي النبوي.

---

معلومات إضافية مفيدة:

* حكم هذه الخصال: الختان واجب للرجال ومكرمة للنساء عند جمهور العلماء. أما بقية الخصال الأربع (حلق العانة، قص الشارب، تقليم الأظفار، نتف الإبط) فهي سنن مؤكدة يُثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولكن إهمالها مكروه لما فيه من إضرار بالنفس وإخلال بمبادئ النظافة.
* المواظبة عليها: يستحب للمسلم أن يواظب على هذه الخصال، ويحدد العلماء لفعل الأربع الأخيرة وقتًا، فيستحب أن تكون كل أسبوع، ولا تترك لأكثر من أربعين يومًا.
* الختان للذكور: له فوائد صحية عظيمة، منها النظافة الدائمة وتقليل احتمالات الإصابة ببعض الأمراض.
* ترتيب الخصال: يستحب عند جمع هذه الخصال أن يبدأ بـ (قص الشارب، ثم نتف الإبط، ثم حلق العانة، ثم تقليم الأظفار) كما جاء في بعض الروايات.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه