حديث: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب نصب القدمين ورصّهما في السجود

عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: فقدتُ رسول الله ﷺ، وكان معي على فراشي، فوجدته ساجدًا راصًّا عقبيه، مستقبلًا بأطراف أصابعه القبلة، فسمعته يقول: «أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، أُثني عليك، لا أبلغ كل ما فيك» فلما انصرف قال: «يا عائشة أخذك شيطانكِ» فقالت: أما لك شيطان؟ قال: «ما من آدمي إلا له شيطان» فقلت: وأنت يا رسول الله! قال: «وأنا، ولكني دعوتُ الله عليه فأسلم».

صحيح: رواه ابن خزيمة (٦٥٤) ومن طريقه ابن حبان (١٩٣٣)، والحاكم (١/ ٢٢٨) وعنه البيهقي (٢/ ١١٦) كلهم من حديث سعيد بن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثني عمارة بن غزية، قال: سمعتُ أبا النضر يقول: سمعتُ عروة بن الزبير، يقول: قالت عائشة فذكرت الحديث، إلا أن ابن حبان خالفه في قوله: «يا عائشة أخذك شيطانك، فقال: «يا عائشة أَحَرَّبَكِ شيطانُك، أي: أهاجك وأغضبك.

عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: فقدتُ رسول الله ﷺ، وكان معي على فراشي، فوجدته ساجدًا راصًّا عقبيه، مستقبلًا بأطراف أصابعه القبلة، فسمعته يقول: «أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، أُثني عليك، لا أبلغ كل ما فيك» فلما انصرف قال: «يا عائشة أخذك شيطانكِ» فقالت: أما لك شيطان؟ قال: «ما من آدمي إلا له شيطان» فقلت: وأنت يا رسول الله! قال: «وأنا، ولكني دعوتُ الله عليه فأسلم».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه دروس وعبر جليلة. سأشرحه لك جزءًا جزءًا بما يفتح الله به من فضله.

أولاً. شرح المفردات:


* فقدتُ: أي لم أجده في مكانه.
* فقدتُ رسول الله ﷺ: أي غاب عني ولم أجده في مكانه المعتاد على الفراش.
* ساجدًا راصًّا عقبيه: "راصًّا" أي ضامًّا ومقرّبًا عقبيه إلى بعضهما، لا يفرقهما، وهذا من كمال الخشوع في السجود أي واضعًا عقبيه (كعبَي الرجلين) ملتصقين ومضمومين إلى بعضهما في السجود، وهي هيئة الخشوع والاطمئنان.
* مستقبلًا بأطراف أصابعه القبلة: أي جعل أطراف أصابع رجليه نحو القبلة، وهو هيئة كاملة في السجود تدل على استقبال القلب لله تعالى بجميع الجوارح.
* أعوذ برضاك من سخطك: ألجأ وأتحصن برضاك يا رب، فأكون في حماك، من أن ينالني سخطك.
* وبعفوك من عقوبتك: أعتصم بعفوك الواسع الذي يتجاوز عن الذنوب، من أن تنزل بي عقوبتك العادلة.
* وبك منك: هذه من جوامع الدعاء، أي ألوذ بك يا رب وأتحصن بحماك من غضبك، فأنت الذي لا يُعاذ منك إلا بك.
* أُثني عليك، لا أبلغ كل ما فيك: أي أحمدك وأمجّدك، لكنني أعجز عن الإحاطة بكل أنواع الثناء الذي تستحقه، فكمالك لا يُحصى.
* أخذك شيطانك: أي أغرى شيطانك وأوحى لك بإثارة الوسوسة أو التساؤل.
* أسلم: هنا لا تعني الإسلام الدين، بل تعني الخضوع والانقياد والاستسلام، أي أن شيطانه لم يُسلِم دينًا، ولكن خضع وانقاد لدعوة النبي ﷺ عليه فلم يوسوس له بالشر.

ثانيًا. شرح الحديث:


تخبرنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن موقف حصل لها مع رسول الله ﷺ. فقد استيقظت ليلاً فلم تجد النبي ﷺ بجوارها على الفراش، فبحثت عنه فوجدته في مكان من البيت ساجدًا لله تعالى، وقد أتم هيئة سجوده بخشوع تام.
وفي هذا الموقف، سمعته يدعو بهذا الدعاء العظيم الذي هو من جوامع الكلم، وهو يتعوذ بالله ويطلب حماه:
1- الاستعاذة برضا الله من سخطه: وهذا أعلى أنواع التحصن، فاللجوء إلى رضا الله هو السبيل الوحيد للنجاة من غضبه.
2- الاستعاذة بعفو الله من عقوبته: فيه تفويض الأمر لله، والاعتراف بأن العبد يستحق العقاب، ولكن الله جل جلاله هو واسع المغفرة والعفو.
3- الاستعاذة بالله من الله: هذا أبلغ ما يكون في التوحيد والتفويض، وهو يشبه قوله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي". فهو سبحانه هو الذي يعذب وهو الذي يعفو، والعبيد يلوذون برحمته من عدله.
ثم يختم النبي ﷺ دعاءه بالثناء على الله مع الاعتراف بالقصور عن إدراك كماله تعالى.
فلما انتهى من صلاته ودعائه، وجّه كلامه لعائشة بطريقة تربوية رقيقة، فقال: "يا عائشة أخذك شيطانكِ"، يقصد أن الشيطان قد وسوس لها وأزعجها حتى قامت تبحث عن النبي ﷺ. فردت عليه بحدة الشباب وحسن الظن بالنبي ﷺ قائلة: "أما لك شيطان؟"، بمعنى: هل أنت استثناء من الناس فلا يوسوس لك شيطان؟
فأجابها النبي ﷺ بحقيقة عظيمة: "ما من آدمي إلا له شيطان". أي أن كل إنسان له شيطان موكل به يوسوس له، وهذا من عدل الله وابتلائه للعباد. فاستفهمت مستغربة: "وأنت يا رسول الله؟!". فأجابها: "وأنا، ولكني دعوتُ الله عليه فأسلم". أي أن له شيطانًا مثل كل البشر، لكنه دعا ربه عليه فلم ييأس من رحمة الله، بل جاهد وسأل الله أن يسلّمه منه، فاستجاب الله له فصار شيطانه مسلّماً لا يستطيع إغواءه أو إيذاءه، وإن بقي موجودًا.

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:


1- اجتهاد النبي ﷺ في العبادة: على الرغم من مكانته عند الله وعِظَم منزلته، كان ﷺ أكثر الناس عبادة وقيامًا للليل، مما يدل على أن الطريق إلى الله هو الجد والاجتهاد في الطاعة.
2- أدب الدعاء والمناجاة: الحديث يعلمنا كيف ندعو الله ونثني عليه، وأن نلجأ إليه بجميع أسمائه وصفاته علمنا النبي ﷺ كيف ندعو الله، بأن نستعيذ برضاه من سخطه، وبعفوه من عقوبته. وهذا من أعلى أنواع الدعاء وأبلغه، حيث يظهر افتقار العبد المطلق لربه.
3- كمال خشوع النبي ﷺ في الصلاة: وصف هيئة سجوده يدل على تمام الخشوع وإقبال القلب على الله.
4- حقيقة وجود الشيطان: الحديث يقرر حقيقة وجود الشيطان الموكل بكل إنسان، وأنه دائمًا ما يحاول الوسوسة والإغواء.
5- أن النبي ﷺ بشر: نفى النبي ﷺ عن نفسه صفة العصمة المطلقة من وسوسة الشيطان، مؤكدًا بشريته، ولكنه معصوم من أن يطيعه أو يقع في المعصية.
6- قوة الدعاء واللجوء إلى الله: العلاج من وسوسة الشيطان هو الدعاء والاستعاذة بالله، كما فعل النبي ﷺ حتى أسلم شيطانه (أي انقاد ولم يعد قادرًا على الإغواء).
7- الحكمة في التربية والمعاشرة: رد النبي ﷺ على سؤال عائشة بحكمة وهدوء، معلمًا إياها وأمته من بعدها حقائق الإيمان.

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:


1. هذا الدعاء «أعوذ برضاك من سخطك...» من أذكار السجود المستحبة، فيمكن للمسلم أن يدعو به في سجوده خلال صلاته، وخاصة في قيام الليل.
2. قوله ﷺ: «وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا» دليل على بشريته ﷺ
3- كمال الثناء على الله: قوله ﷺ: «لا أبلغ كل ما فيك» إقرارٌ بعظمة الله وجلاله، وأن ثناء المخلوقين لا يحيط بجميل صفات الخالق سبحانه.
4- حقيقة الشيطان ووسوسته: الحديث يقرر حقيقة أن لكل إنسان شيطانًا يوسوس له ويحاول إغواءه (قابِلٌ للوسوسة)، وهذا يشمل جميع البشر. وهذا يزيل الحيرة والوسواس من قلب المؤمن إذا شعر بذلك، ويعلم أنه أمر طبيعي.
5- الفرق بين النبي وغيره في التعامل مع الوسوسة: الوسوسة تطرق على قلب النبي ﷺ كما تطرق على قلوبنا، لكنه ﷺ لا يُصغي لها ولا يطيعها، بل يدفعها بالدعاء والالتجاء إلى الله. فدعاؤه على شيطانه جعله "يسلم" أي ينقاد ويخضع فلا يستطيع أن يوسوس له بشر. أما شيطاننا، فيوسوس لنا، وعلينا أن نقتدي بالنبي ﷺ في دفع وسوسته بالاستعاذة بالله وذكر الله.
6- الرقة والود في معاشرة الأهل: حوار النبي ﷺ مع عائشة رضي اللهها كان مليئًا بالرقة والتعليم، حيث أجاب على سؤالها بمنتهى اللطف والحكمة، مما يعلم الأزواج كيف يكون الحوار الهادئ والمفيد داخل البيت.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه ابن خزيمة (٦٥٤) ومن طريقه ابن حبان (١٩٣٣)، والحاكم (١/ ٢٢٨) وعنه البيهقي (٢/ ١١٦) كلهم من حديث سعيد بن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثني عمارة بن غزية، قال: سمعتُ أبا النضر يقول: سمعتُ عروة بن الزبير، يقول: قالت عائشة فذكرت الحديث، إلا أن ابن حبان خالفه في قوله: «يا عائشة أخذك شيطانك، فقال: «يا عائشة أَحَرَّبَكِ شيطانُك، أي: أهاجك وأغضبك.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصحَّحه أيضًا ابن حجر في «التلخيص» (١/ ٢٥٦) بعد أن عزاه لابن حبان.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 360 من أصل 1241 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك

  • 📜 حديث: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب