من صلى على الجنازة وتبعها كان له قيراطان مثل أحد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم فيه فضل عظيم لمن قام بتشييع الجنازة واتباعها حتى تدفن، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً مستعيناً بالله تعالى، معتمداً على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

أولاً. شرح المفردات:

● خباب صاحب المقصورة: خباب هذا هو مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان مؤذناً. والمقصورة هي حجرة أو مكان مرتفع في المسجد كان يؤذن منه.
● قيراط: القيراط هنا هو جزء من الأجر، وليس المقصود به القيراط المعروف في الميزان، بل هو تمثيل لعظمة الأجر وجزاله.
● مثل أُحُد: جبل أحد في المدينة المنورة، وهو جبل عظيم ضخم. فتشبيه الأجر بهذا الجبل هو للتفخيم والتعظيم، ليدل على عظمة هذا الأجر وجلالته.
● الحصباء: هي الحصى الصغيرة التي كانت في أرض المسجد.
● فرطنا: أي فاتنا وضيعنا من الأجر الشيء الكثير.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحدثنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان جالساً مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فجاءه خباب وأخبره أن أبا هريرة رضي الله عنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عظيماً لمن يتبع الجنائز.
والحديث يبين درجتين من الأجر:
1- الدرجة الكاملة (قيراطان مثل أُحُدٍ لكل قيراط): وهي لمن كمل تشييع الجنازة، فخرج معها من بيتها، وصلى عليها صلاة الجنازة، ثم تبعها ووقف عند القبر حتى يتم دفنها وتواري التراب.
2- الدرجة الثانية (قيراط مثل أُحُد): وهي لمن صلى على الجنازة ثم انصرف ولم يتبعها إلى القبر.
فلما سمع ابن عمر هذا الخبر – مع حرصه الشديد على اتباع السنة وتثبيت النقل – أراد أن يتثبت ويتأكد، فأرسل خباباً ليسأل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي من أعلم الناس بسنن النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله. وفي أثناء انتظاره للجواب، كان يقلب حصاة في يده دليلاً على التأثر والاهتمام بالخبر وانتظار مصدقه.
فلما عاد الرسول (خباب) وأخبره أن عائشة صدقت أبا هريرة في روايته، غضب ابن عمر على نفسه غضباً لله، وندم على ما فاته من الخير، فضرب الحصى بالأرض وقال: "لقد فرطنا في قراريط كثيرة"، أي فاتنا أجر عظيم بسبب تقصيرنا في اتباع الجنائز كاملاً.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظمة أجر تشييع الجنازة: الحديث يبين فضل عظيم لمن يخرج مع الجنازة ويصلي عليها ويشيعها حتى تدفن. وهذا الأجر العظيم يدل على عظمة هذا العمل وجلالته عند الله تعالى، فهو من حقوق المسلم على أخيه المسلم.
2- التثبت في نقل العلم: موقف ابن عمر رضي الله عنه درس عظيم في التثبت والتريث في قبول الأخبار، حتى ولو كانت من ثقة مثل أبي هريرة. فأرسل إلى عائشة ليستوثق، وهذا من أدب طالب العلم والورع في الدين.
3- الندم على فوات الخير: استجابة ابن عمر بعد التثبت تدل على همة السلف الصالح وحرصهم على الخير، وندمهم على ما فاتهم منه. فلم يقل "الحمد لله الذي عرفنا الآن"، بل ندم على ما مضى من تقصير.
4- فضل الصبر على المصيبة والوقوف مع أهل الميت: تشييع الجنازة مواساة لأهل الميت وتذكير بالآخرة، وهو سبب لحصول هذا الأجر العظيم.
5- مكانة أم المؤمنين عائشة: حيث كانت مرجعاً للصحابة في علم السنة والحديث، لعلمها الواسع وحفظها ودقة روياتها.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
- قال العلماء: القيراطان للمتبع حتى الدفن، والقيراط للمصلي فقط. والقيراط هو جزء من الأجر، وشبهه بجبل أحد للتفخيم والتعظيم، وليس المقصود الحساب بمقدار الجبل، فالله أعلم بحقيقة الأجر، ولكنه تمثيل لعظمته.
- يستحب للإنسان أن يحافظ على تشييع الجنائز، ولا يتخلف عنها إلا لعذر، لينال هذا الأجر العظيم.
أسأل الله تعالى أن يعيننا على طاعته، وأن يوفقنا للعمل بما علمنا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.