تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم يُبيِّن فضلَ الله تعالى وسِعَة رحمته بعباده، ويحدد وقتاً من الأوقات المباركة التي تُفتح فيها أبواب السماء للدعاء.
الراوي:
هو عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، صحابي جليل، كان أصغر وفد ثقيف عندما قدموا إلى النبي ﷺ وأسلموا، واستعمله النبي ﷺ على الطائف بعد إسلامهم.
شرح المفردات:
* تفتح أبواب السماء: يُقصد به فتح أبواب الرحمة والإجابة والقبول من الله تعالى لعباده.
* ينادي مناد: هذا المنادي هو ملك من ملائكة الله تعالى الموكلين بهذا الشأن، بأمر من الله عز وجل.
* هل من داع فيستجاب له: نداء عام لكل من يرفع يديه بالدعاء إلى الله.
* هل من سائل فيعطى: السائل هو طالب الحاجة، سواء كانت مادية أو معنوية.
* هل من مكروب فيفرج عنه: المكروب هو من نزلت به شدة أو هم أو غم.
* زانية تسعى بفرجها: المرأة التي تتاجر بجسدها وتعرض نفسها للفاحشة وتعمل على إشاعة الفساد.
* عشار: هو جابي الضرائب الظالم الذي يأخذ من الناس ما ليس حقاً له، ويشدد عليهم في أخذه، وهو صاحب مظالم.
شرح الحديث:
يخبرنا النبي ﷺ في هذا الحديث عن وقتٍ كريم من أوقات اليوم، وهو منتصف الليل، حيث تفتح فيه أبواب السماء، وتنزل الرحمات الإلهية، ويصعد الدعاء إلى الله تعالى دون حجاب. فينادي ملك من ملائكة الله الكريم نداءً عاماً يغتنمه كل مؤمن، يعلن فيه أن باب الإجابة مفتوح على مصراعيه:
* لمن يدعو الله تعالى ويطلب منه.
* لمن يسأل الله حاجته.
* لمن ابتلي بكرب أو هم أو ضيق يطلب الفرج.
ويؤكد النبي ﷺ أن هذا الوعد عام وشامل، فلا يبقى مسلمٌ صادقٌ يدعو الله في هذا الوقت بدعوة إلا استجاب الله له، وأعطاه سؤاله، أو كشف ضره، أو ادخر له من الخير ما هو أعظم في الآخرة.
ثم استثنى النبي ﷺ صنفين من الناس يحرمون أنفسهم من هذه الرحمة الواسعة بسبب ذنوبهم التي قطعت عنهم طريق القبول:
1- الزانية التي تسعى بفرجها: وهي التي لا تكتفي بفعل الفاحشة في الخفاء، بل تتجرأ عليها وتسعى لإشاعتها والدعوة إليها، فهي قد أغلقَت على نفسها باب الرحمة بإصرارها على المعصية وإعلانها.
2- العشار: وهو صاحب المظالم الذي يعتدي على أموال الناس وحقوقهم، ويأكلها بالباطل. فظلمه للعباد وحبس حقوقهم يحجب دعاءه، ويحرمه من رحمة الله الواسعة.
الدروس المستفادة والعبر:
1- فضيلة وقت منتصف الليل: الحديث يحث على اغتنام هذا الوقت المبارك بالدعاء والمناجاة وقيام الليل، فهو من أفضل أوقات إجابة الدعاء.
2- سعة رحمة الله تعالى: الله سبحانه وتعالى يجيب الدعاء ويغيث المكروب ويعطي السائل، مما يدل على كرمه وجوده ورحمته بعباده.
3- الحث على الدعاء في كل حال: خاصة عند نزول الكرب والهم، والله تعالى قريب مجيب.
4- تحريم الظلم وإيذاء الناس: ذِكر العشار والزانية تحذير شديد من أن الذنوب والمعاصي، وخاصة الظلم وإشاعة الفاحشة، تحجب العبد عن رحمة ربه وتُسكِت لسان دعائه.
5- العدل الإلهي: استثناء هذين الصنفين يدل على عدل الله تعالى، فكما أنهم ظلموا الآخرين أو سعوا في الفساد، حُرموا من الخير العام الذي يعمُّ الناس.
6- أهمية تجنب الكبائر: الحرص على اجتناب الكبائر والمعاصي التي تقطع عن العبد أسباب الخير وتغلق أبواب الرحمة.
معلومات إضافية:
* هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه في سننه، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
* يستحب للمسلم أن يحرص على قيام الليل ولو بقليل، ويدعو الله في جوف الليل وهو وقت السكينة والإنابة.
* ينبغي للمسلم أن يتجنب أكل الحرام وأكل أموال الناس بالباطل، فإنه من أعظم الحواجب عن إجابة الدعاء.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الداعين المستجاب لهم، والمغفور لهم، وأن يعيذنا من الذنوب التي تحرمنا رحمته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.