حديث: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب الغلول في الصّدقة

عن بريدة، عن النبيّ ﷺ قال: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول».

صحيح: رواه أبو داود (٢٩٤٣)، وصحّحه ابن خزيمة (٢٣٦٩)، والحاكم (١/ ٤٠٦) كلهم من حديث أبي عاصم، عن عبد الوارث بن سعيد، عن حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، فذكره.

عن بريدة، عن النبيّ ﷺ قال: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث بريدة رضي الله عنه الذي رواه أبو داود في سننه، من الأحاديث الجليلة التي تحدد ضوابط التعامل مع المال العام، وتُحذر من الخيانة في الأمانة.

شرح الحديث:


عن بريدة، عن النبيّ ﷺ قال: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول».


1. شرح المفردات:


● استعملناه على عمل: أي وليناه منصبًا من مناصب الدولة أو الوظائف العامة، كالقضاء، أو الإمارة، أو الجباية، أو غير ذلك.
● فرزقناه رزقًا: أي أعطيناه رزقًا (مرتبًا) محدودًا مقابل هذا العمل.
● فما أخذ بعد ذلك: أي أي مال يأخذه超出 هذا الرزق المحدد دون حق شرعي.
● فهو غلول: والغلول هو الخيانة في المال العام وأخذ ما لا يحل أخذه، وهو من الكبائر، وقد سمي بذلك لأنه مأخوذ خلسة وخيانة.


2. شرح الحديث:


يضع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قاعدة ذهبية في التعامل مع المال العام، وهي:
أن من وُلّي منصبًا من قبل ولي الأمر (الحاكم)، وأُعطي راتبًا (رزقًا) مقابل قيامه بهذا العمل، فإنه لا يحل له أن يأخذ أي مال إضافي من هذا المنصب بأي صورة من الصور، سواء كان هدية أو عمولة أو رشوة أو غير ذلك.
فالرزق (المرتب) المحدد هو العوض الشرعي الكافي عن عمله. فإذا أخذ زيادة على ذلك بدون إذن من ولي الأمر، أو بدون حق شرعي واضح، فإن هذه الزيادة تعتبر "غلولًا"، أي خيانة للمسلمين وأكلًا لأموالهم بالباطل.
وهذا يشمل جميع صور الكسب غير المشروع، مثل:
- أخذ الهدايا من الناس بسبب منصبه (وهي في حقيقتها رشاوى).
- الاستئثار بالفوائد أو العمولات.
- تحويل ممتلكات الدولة للاستخدام الشخصي.
- المحاباة في المناقصات أو التعيينات مقابل عوائد مادية.


3. الدروس المستفادة منه:


1- حرمة المال العام وسُدّ ذرائع الفساد: الحديث يؤسس لمبدأ أن المال العام أمانة عظيمة، وأخذه بغير حق من الكبائر التي توعّد الله عليها بالنار، كما في قوله تعالى في سورة آل عمران: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
2- العدل والورع في الولاية: على من يتولى منصبًا أن يتحرى أعلى درجات الورع والعدل، وأن يقتصر على راتبه المحدد، وأن يجعل همه خدمة الناس، لا جمع المال.
3- النهي عن الهدايا للعُمّال: يستفاد من الحديث أيضًا النهي عن إعطاء الهدايا للعُمال والولاة بسبب مناصبهم، لأنها في حقيقتها غلول وخيانة. كما في الحديث الآخر: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ».
4- المسؤولية أمام الله: يذكر الحديث أن المسؤول سيُسأل عن رعيته يوم القيامة، وأن أخذ ما لا يحل له هو خيانة لتلك الأمانة.
5- بناء مجتمع قائم على الثقة والنزاهة: تطبيق هذا المبدأ يؤدي إلى بناء دولة مؤسسات قائمة على النزاهة والشفافية، ويقضي على الرشوة والفساد الإداري.


4. معلومات إضافية مفيدة:


- هذا الحديث أصل من أصول القضاء على الفساد المالي والإداري في الإسلام.
- الفقهاء يستدلون بهذا الحديث على تحريم جميع أشكال الكسب غير المشروع من الوظيفة العامة.
- من أخذ مالًا بهذه الطريقة فعليه التوبة إلى الله ورد المال إلى بيت مال المسلمين إن أمكن معرفة أصحابه، أو التصدق به نيابة عنهم إن تعذر ذلك.
- الحديث يربي في الأمة روح المراقبة لله تعالى في السر والعلن، ويغرس مبدأ أن الوظيفة هي خدمة ومسؤولية، وليست وسيلة للثراء غير المشروع.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (٢٩٤٣)، وصحّحه ابن خزيمة (٢٣٦٩)، والحاكم (١/ ٤٠٦) كلهم من حديث أبي عاصم، عن عبد الوارث بن سعيد، عن حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، فذكره.
وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين».
وأما قول أبي داود: لم يرو حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي ﷺ شيئًا يعني يروي عن عبد الله بن بريدة، عن غير أبيه. فهو ليس على إطلاقه، فقد روى هو في سننه عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، وقد أشار علي بن المديني إلى أنه لم يرو عن أيه مرفوعا شيئًا إلا حرفا واحدا، وكلها عن رجال آخرين، هكذا ذكره الباجي، ولعله قصد به الحديث المذكور.
وفي الباب ما رُوي عن أبي رافع، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهِلِ فَيَتَحَدَّثُ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَنْحِدِر لِلْمَغْرِبِ. قَالَ أَبُو رَافِع: فَبَيْنَمَا النَّبْيُّ ﷺ يُسْرعُ إِلَى الْمَغْرِبِ مَرَرْنَا بَالْبَقِيعِ فَقَالَ: «أُفٍّ لَكَ أُفٍّ لَكَ». قَالَ: فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي ذَرعِي فَاسْتَأْخرتُ وَظَنَنْتُ أنَّهُ يُرْيدُنِي. فَقَالَ: «مَا لَكَ امْشِ». فَقُلْتُ: أَحْذَثْتَ حَدَثًا. قَالَ: «مَا ذَاكَ؟». قُلْتُ: أَفَّفْتَ بِي! قَالَ: «لا وَلَكِنْ هَذَا فُلانٌ بَعَثْتُهُ سَاعِيًا عَلَى بنَي فُلانٍ فَغَلَّ نَمِرةً فَدُرِّعَ الآنَ مِثْلُهَا مِنْ نَارٍ».
رواه النسائي (٨٢٦) عن عمرو بن سوّاد بن الأسود بن عمرو، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: أنبأنا ابن جريج، عن منبوذ، عن الفضل بن عبيدالله، عن أبي رافع، فذكره.
وصححه ابن خزيمة (٢٣٣٧)، وأخرجه الإمام أحمد (٢٧١٩٢) كلاهما من حديث ابن جريج، به، مثله. ومنبوذ هذا رجل من آل أبي رافع لم يوثقه أحدٌ، ولم يذكره ابن حبان في «الثقات» مع أنه روى عنه اثنان ابن جريج، وابن أبي ذئب. وفي التقريب: «مقبول» أي إذا تُوبع، ولم يتابع.
والفضل بن عبيدالله هو ابن أبي رافع، روي عن أبيه، وعن جدّه ولم بوثقه أحدٌ غير ابن حبان؛
ولذا قال فيه الحافظ «مقبول» أيضًا.
وفي الباب أيضًا عن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ، أنّ رسول الله ﷺ بعثه ساعيًا فقال أبوه: لا تخرج حتى تحدث برسول الله ﷺ عهدًا، فلما أراد الخروج أتى رسول الله ﷺ، فقال له رسول الله ﷺ: «يا قيس! لا تأتي يوم القيامة على رقبتك بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها بعار، ولا تكن كأبي رغال». فقال: سعد وما أبو رغال؟ قال: «مصدّق بعثه صالح فوجد رجلًا بالطّائف في غنيمة قرية من المائة شصاص إلّا شاة واحدة، وابن صغير لا م له، فلبن تلك الشاة عيشه، فقال صاحب الغنم: من أنت؟ فقال: أنا رسول رسول الله ﷺ فرحب وقال: هذه غنمي فخذ بما أحببت فنظر إلى الشّاة اللبّون، فقال: هذه. فقال الرّجل: هذا الغلام كما ترى ليس له طعام، ولا شراب غيرها، فقال: إن كنت تحب اللّبن فأنا أحبه، فقال: خذ شاتين مكانها فأبي، فلم يزل يزيده، ويبذل حتى بذل له خمس شياه شصاص مكانها فأبى عليه، فلما رأى ذلك عمد إلى قوسه، فرماه فقتله. فقال: ما ينبغي لأحد أنّ يأتي رسول الله ﷺ بهذا الخبر أحدٌ قبلي فأتي صاحبُ الغنم صالحًا النّبيَّ ﷺ فأخبره، فقال صالِحٌ: اللهم العن أبا رغال، اللهم العن أبا رغال». فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله! اعفُ قيسًا من السِّقاية.
رواه ابن خزيمة (٢٢٧٢)، والحاكم (١/ ٣٩٨ - ٣٩٩)، وعنه البيهقيّ (٤/ ١٥٧) كلّهم من طريق يحيى بن بكير، ثنا اللّيث، حدّثني هشام بن سعد، عن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس، عن عاصم بن عمرو بن قتادة الأنصاريّ، فذكره.
قال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم».
وتعقّبه الذهبيّ فقال: بل منقطع، عاصم لم يدرك قيسًا.
وأمّا أبو رغال، فقيل: رجل من الجاهلية من قوم ثمود، جاء إلى الطّائف خوفًا من العذاب. وقيل: هو الذي بعثه أهل الطائف مع أبرهة يدلّه على الطّريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المُغَمِّس (وهو موضع بين الطائف ومكة) فلما أنزله مات أبو رغال هناك، فرجمت العربُ قبره.
قال جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه ... كرجم الناس قبر أبي رغال
وأمّا ما رُوي عن عبد الله بن أُنيس أنه تذاكر وعمر بن الخطاب يومًا الصدقة، فقال عمر: ألم تسمع رسول الله ﷺ حين يذكر غلول الصّدقة: «أنّه من غلَّ منها بعيرًا أو شاة أُتي به يوم القيامة يحمله؟». قال: فقال عبد الله بن أُنيس: بلي. ففيه رجل مجهول.
رواه ابن ماجه (١٨١٠) عن عمرو بن سوّاد المصريّ، قال: حدّثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ موسي بن جبير حدّثه أنّ عبد الله بن أُنيس حدّثه، فذكره.
ومن هذا الوجه أخرجه أيضًا الإمام أحمد (١٦٠٦٣).
وعبد الله بن أُنيس لم يرو عنه سوي موسي بن جبير، فهو في عداد المجهولين، وإن كان ابن حبان ذكره في الثقات (٥/ ٢٦)، ولذا قال فيه الحافظ: «مقبول».
وقوله: «غلول الصّدقة»الخيانة فيها.
وأمّا الترهيب من الغلول في الغنائم فسيأتي في كتاب الجهاد والسير.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 103 من أصل 379 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول

  • 📜 حديث: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب