حديث: بعير له رغاء
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب الغلول في الصّدقة
صحيح: رواه البزّار -كشف الأستار (٨٩٨) - عن سعيد بن يحيى بن سعيد الأمويّ، ثنا أبي، ثنا يحيى بن سعيد الأنصاريّ، عن نافع، عن ابن عمر، فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم، رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وصححه الألباني. وهو يحمل معنى تربوياً وأخلاقياً عظيماً.
أولاً. شرح المفردات:
● بَعَثَ: أرسل.
● مُصَدِّقًا: جابياً للزكاة، يجمعها من أهلها ويوزعها على مستحقيها. وكان يسمى في ذلك الوقت "المصدق" لأنه كان يصدق الناس في إخبارهم عن أموالهم.
● إِيَّاكَ: احذر، وهي أسلوب تحذير قوي.
● رَغَاء: صوت الإبل (مثل ثغاء الشاة، أو نقيق الضفدع).
● أَعْفَاهُ: أعفاه من المهمة، أي لم يبعثه لجمع الزكاة.
ثانياً. شرح الحديث:
يخبرنا الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث سعد بن عبادة – وهو من أكابر الصحابة وسيد الخزرج – ليكون جابياً للزكاة (مصدقاً).
فخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً ووعظاً قائلاً: "إياك يا سعد! أن تجيء يوم القيامة ببعير له رغاء". أي: احذر كل الحذر أن تأتي يوم القيامة وتحاسب على بعير من أموال الزكاة لم تؤدِّ حقه، بل اغتصبته أو أخذته بغير حق، فذلك البعير سيشهد عليك يوم القيامة ويصرخ (يرغو) بين يدي الله تعالى مطالباً بحقوقه.
ففهم سعد رضي الله عنه عمق المعنى وخطورة المسؤولية، وخشي على نفسه من عظم الأمانة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "لا أجده، ولا أجيء به". أي: لا أطيق حمل هذه الأمانة العظيمة، ولا أستطيع أن أتحمل المسؤولية وأضمن أن أؤديها على الوجه المطلوب الذي يرضي الله تعالى، وأخاف أن آتي يوم القيامة بمثل هذا البعير.
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منه هذه الورعة العظيمة، والخوف من الله، والحرص على سلامة دينه، "فأعفاه" من هذه المهمة، ولم يبعثه.
ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:
1- عظم أمانة المال العام: الحديث يوضح الخطورة الشديدة لمن يتولى أموال المسلمين من الزكاة والصدقات والضرائب وغيرها، وأنه سيحاسب عليها أشد الحساب يوم القيامة. فهي أمانة في عنقه، وليس مجرد وظيفة دنيوية.
2- خوف السلف من التبعة: يبين لنا الموقف مدى خوف الصحابة رضي الله عنهم من تحمل المسؤوليات، لا كسلاً أو تقصيراً، بل خوفاً من أن يقصروا في حق الله وحق عباده. فسعد بن عبادة لم يرفض تكليف النبي صلى الله عليه وسلم، بل أبدى خشيته من عدم القدرة على تأديته كاملاً.
3- ورع القائد وعدله: موقف النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف يكون القائد الحكيم، الذي يراعي مشاعر أصحابه ويقدر مخاوفهم الدينية، ولم يجبره على تولي المهمة بل أعفاه احتراماً لورعه وخوفه.
4- شهادة الجوارح يوم القيامة: من أعظم ما نستفيده أن الله تعالى سيحاسب الإنسان على كل صغيرة وكبيرة، حتى أن الحيوانات والجمادات ستشهد عليه بما ظلمها أو اغتصب حقها، كما قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا).
5- الحذر من مواطن الشبهة: على المسلم أن يبتعد عن المواضع التي يخشى فيها على دينه، ولا يقدم عليها إلا إذا كان واثقاً من قدرته على أداء الأمانة على الوجه الأكمل.
رابعاً. معلومات إضافية:
- هذا الحديث من أدلة وجوب الورع وترك ما يريبك إلى ما لا يريبك.
- وهو أيضاً من أدلة عظم منصب الجباية (جمع الأموال العامة) وأنه ليس منصباً للاستئثار والاستغلال، بل هو منصب أمانة ومسؤولية.
- ينبغي للمسلم أن يتذكر هذا الموقف كلما همَّ بتولي مسؤولية تتعلق بحقوق الناس، فيستخير الله ويستشير، ويحرص على أن يكون أميناً قوياً لا يخاف في الله لومة لائم.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الأمناء على أموال المسلمين، وأن يقينا وإياكم شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تخريج الحديث
قال الهيثميّ في «المجمع» (٣/ ٨٦): «رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح».
وصحّحه ابن حبان (٣٢٧٠)، والحاكم (١/ ٣٩٩) كلاهما من هذا الوجه.
قال البزّار: لا نعلم رواه هكذا إلّا يحيى الأمويّ.
قال الأعظمي: لا يضرّ تفرّده فإنّ يحيى الأمويّ هو ابن سعيد بن أبان الأمويّ وثقه ابن معين وأبو داود وغيرهما وله ما يشهده لأصل القصّة.
وجعله الحاكم شاهدًا لحديث أبي رغال، وقال: «صحيح على شرط الشيخين».
قال الأعظمي: وحديث أبي رغال فيه انقطاع كما قال الذهبي وهو الآتي بعد قليل.
هذا هو الصحيح من حديث ابن عمر في بعث سعد بن عبادة مصدّقًا.
وأما ما رواه سعيد بن المسيب، عن سعد بن عبادة، أنّ رسول الله ﷺ قال له: «قم على صدقة بني فلان، وانظر لا تأتي يوم القيامة ببكر تحمله على عاتقك، أو على كاهلك له رغاء يوم القيامة». قال: يا رسول الله! اصرفها عني فصرفها عنه. ففيه انقطاع.
رواه الإمام أحمد (٢٢٤٦١)، والبزّار -كشف الأستار (٨٩٧) -، والطبراني في الكبير (٥٣٦٣) كلّهم من حديث سليمان بن المغيرة، حدّثنا حميد بن هلال، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن عبادة، فذكره.
قال البزّار: «لا نعلمه عن سعد إلّا من هذا الوجه، وإسناده حسن».
قال الأعظمي: لا بل فيه انقطاع؛ فإنّ سعيد بن المسيب لم يدرك سعد بن عبادة. انظر «المجمع» (٣/ ٨٥).
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 101 من أصل 379 حديثاً له شرح
- 76 أدّ زكاة الذهب فليس بكنز
- 77 أخرجوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض
- 78 العشر فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا
- 79 فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالسانية نصف العشر
- 80 بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ الْعُشْرَ
- 81 أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر
- 82 لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب...
- 83 من أدى عشور نحله فليحم له الوادي
- 84 غزوة تبوك وخبر المرأة في حَدِيقَتِهَا
- 85 رسول الله يفتح خيبر ويشترط له الأرض وكل صفراء وبيضاء
- 86 خَرَصَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ
- 87 بعث النبي ﷺ أبا حثمة خارصًا فزاد عليه
- 88 ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
- 89 لا يحل في البر والتمر زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق
- 90 ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة
- 91 نصاب زكاة الزروع والثمار خمسة أوسق
- 92 نهي النبي عن الجعرور ولون الحبيق في الصدقة
- 93 لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها
- 94 اعلموا أن الله غني عن صدقاتكم
- 95 كان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع...
- 96 العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله
- 97 أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى...
- 98 من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره
- 99 انطلق أبا مسعود ولا ألفينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك...
- 100 اتق الله لا تأت يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء
- 101 بعير له رغاء
- 102 أنا ممسك بحجزكم عن النار وأنتم تهافتون فيها
- 103 من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك...
- 104 كتاب من رسول الله لا يُتَعَدَّى علينا في صدقاتنا
- 105 المعتدي في الصدقة كمانعها
- 106 اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب
- 107 أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي
- 108 ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان
- 109 أرضوا مصدقيكم إذا أتاكم المصدق فليصدر عنكم وهو عنكم راض
- 110 إذا جاءكم المصدق فلا يصدر إلا وهو راض
- 111 من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة وخادما ومسكنا
- 112 إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق
- 113 صاحب المكس في النار
- 114 تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد
- 115 رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق
- 116 لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن ورجل...
- 117 لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن ورجل...
- 118 لا حسد إلا في اثنتين
- 119 ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه
- 120 لو كان عندي أحد ذهبًا أحببت أن لا يأتي ثلاث
- 121 ما يسُرُّني أنَّ عندي مثل أُحُدٍ هذا ذهبا
- 122 ما ظن محمد ﷺ لو لقى الله وهذه عنده
- 123 ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في...
- 124 قد سمعت ما قلت فيه وإني أرى أن تجعلها في...
- 125 من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب
معلومات عن حديث: بعير له رغاء
📜 حديث: بعير له رغاء
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: بعير له رغاء
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: بعير له رغاء
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: بعير له رغاء
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








