حديث: كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب وجوب النّفقة على الأهل والعيال ومن يملك قوتهم

عن خيثمة قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ: أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ».

صحيح: رواه مسلم في الزّكاة (٩٩٦) عن سعيد بن محمد الجرميّ، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكنانيّ، عن أبيه، عن طلحة بن مصرف، عن خيثمة، فذكره.

عن خيثمة قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ: أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل في طياته درساً بليغاً في حقوق العباد، خاصة من هم تحت ولايتنا ورعايتنا. وإليك الشرح المفصل له:

أولاً. شرح المفردات:


● قهرمان: هو الخازن أو المتصرف في الأمور المالية والاقتصادية لصاحب البيت، أي المدير أو المسؤول.
● الرقيق: هم الخدم والعبيد والإماء الذين تحت ولاية الإنسان، ويمكن تعميم المعنى في زماننا ليشمل كل من يعمل تحت إمرتك ويتقاضى منك أجراً.
● قوتهم: هو ما يقيم أودهم من الطعام والشراب والكساء، أي حاجاتهم الأساسية الضرورية للحياة.
● يحبس: يمنع ويحرم ويمنع من حقه.
● عمن يملك قوته: أي عن الشخص الذي يكون توفير الطعام والشراب والكساء له واجباً عليك، فهو تحت رعايتك ومسؤوليتك.

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:


يخبر الصحابي الجليل خيثمة عن موقف عملي حدث مع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، حيث كان جالساً معه فدخل عليه مسؤول بيته (القهرمان)، فسأله عبد الله بن عمرو سؤالاً مباشراً ومهماً: "هل أعطيت الخدم والعبيد حصتهم من الطعام والرزق؟".
فأجاب المسؤول: "لا".
فما كان من عبد الله بن عمرو إلا أن أمره على الفور بالذهاب وإعطائهم حقوقهم، ثم علَّق على هذا الموقف بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ".
فمعنى الحديث النبوي الشريف: أنَّه يكفي لإثم الإنسان وعظيم ذنبه أن يمتنع عن إعطاء من هو تحت رعايته (كخدمه أو عياله أو عماله) حقوقهم الأساسية من طعام وشراب وكساء، وهو قادر على ذلك. فهو إثم عظيم وكفى به إثماً.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- حرمة ظلم من تحت اليد: الحديث يؤكد على تحريم الظلم بشكل عام، وتحديداً ظلم من هم تحت ولاية الإنسان ومسؤوليته، فهم أمانة في عنقه.
2- المسؤولية تجاه الرعية: يوضح الحديث أن من أعظم صور الظلم منع الحقوق الأساسية للعمال والخدم وأفراد الأسرة. وهذا يتسع ليشمل كل صاحب مسؤولية: الأب في أسرته، وصاحب العمل في موظفيه، والحاكم في رعيته.
3- الإسراع في أداء الحقوق: نلاحظ من فعل عبد الله بن عمرو أنه لم ينتظر بل أمر بإعطاء الحق فوراً. وهذا يدل على وجوب المبادرة إلى إعطاء الناس حقوقهم دون مماطلة أو تأخير.
4- منهج الصحابة في تطبيق السنة: الموقف يعطينا صورة عملية لكيفية تطبيق الصحابة رضي الله عنهم لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في حياتهم اليومية، حتى في أصغر الأمور.
5- الجزاء من جنس العمل: كما أن منع الحقوق إثم عظيم، فإن إعطاءها باب عظيم من أبواب الأجر والعتق من النار، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ».

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:


● الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، مما يدل على صحته وقوته.
● العبرة بعموم اللفظ:雖然 الحديث ورد في سياق "الرقيق" (العبيد)، إلا أن العلماء يستنبطون منه حكماً عاماً يشمل كل من هو تحت ولاية الإنسان ومسؤوليته، كالزوجة والأولاد والموظفين والعمال. فالقاعدة الفقهية: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".
● الحديث من أسباب سلامة المجتمع: عندما يؤدي كل إنسان الحقوق الواجبة عليه لمن تحت يده، يتحقق العدل والأمان، وتسود روح المحبة والطمأنينة، ويقِل الظلم والعدوان.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على أداء الحقوق إلى أهلها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في الزّكاة (٩٩٦) عن سعيد بن محمد الجرميّ، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكنانيّ، عن أبيه، عن طلحة بن مصرف، عن خيثمة، فذكره.
قوله: «قهرمان» القهرمان: هو أمين الملك ووكيله الخاص بتدبير دخله وخرجه، وهي كلمة فارسية معربة. انظر: المعجم الوسيط (٢/ ٧٦٤).
وذكر الحاكم (٤/ ٥٠٠) قصة القهرمان في سياق آخر، فقال: «قدم عليه قهرمان من الشّام، وقد بقيت ليلتان من رمضان، فقال له عبد الله: هل تركت عند أهلي ما يكفيهم؟ قال: قد تركتُ عندهم نفقة. فقال عبد الله: عزمتُ عليك لما رجعت، فتركت لهم ما يكفيهم، فإني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «كفى بالمرأ إثما أن يضيِّع من يعول».
رواه من طريق عبد الرزّاق -وهو في مصنفه (٢٠٨١٠) - عن معمر، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر الخيوانيّ، عن عبد الله بن عمرو، فذكره.
تنبيه: وقع تحريف في إسناد الحاكم فصحَّحه.
قال الحاكم: «صحيح على شرط الشّيخين».
وهذا وهم منه فإنَّ وهب بن جابر الخيوانيّ -بفتح الخاء- وسكون الياء ليس من رجال أحدهما، ثمّ هو مختلف فيه، فوثقه ابن معين والعجليّ وابن حبَّان، وروى عنه كما سيأتي.
وقال ابن المديني والنسائي: «مجهول». وقال الذّهبيّ: «لا يكاد يعرف، تفرّد عنه أبو إسحاق». وفي التقريب: «مقبول، إِلَّا أنه لم يتابع فهو لين الحديث عند الحافظ.
ثمّ سياق القصة يختلف، فالذي في صحيح مسلم أنه سأله عن قوت رقيقه، وهنا سأله عن قوت أهله، وفي مسند الإمام أحمد (٦٨٤٢) سأله عن قوت أهله هو، ولفظه: إنَّ مولى لعبد الله بن عمرو قال له: إنِّي أريد أن أقيم هذا الشّهر هاهنا ببيت المقدس؟ فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإنِّي سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «كفى بالمرأة إثما أن يُضيّع من يقوت».
رواه عن محمد بن جعفر، حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت وهب بن جابر يقول (فذكره).
ثمّ رواه أبو داود (١٦٩٢)، وأحمد (٦٤٩٥)، والبيهقيّ (٩/ ٢٠)، وصحّحه ابن حبَّان (٤٢٤٠)، والحاكم (١/ ٤١٥) كلّهم من حديث الثوريّ، ثنا أبو إسحاق، عن وهب بن جابر الخيوانيّ، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله ﷺ: «كفى بالمرأ إثما أن يُضيّع من يقوت». قال الحاكم: «وهب من كبار تابعي الكوفة».
وهذه الأسانيد كلّها تدور على أبي إسحاق عن وهب بن جابر، وأبو إسحاق هو السَّبيعيّ وهو مختلط ومدلِّس، إِلَّا أن سفيان الثوريّ روى عنه قبل الاختلاط، كما أنه صرَّح بالتحديث في إحدى الروايات.
وأمّا وهب بن جابر، فهو «مقبول» حيث يتابع، ولم أجد من تابعه على هذا السِّياق، فإذا ثبت فالظاهر من اختلاف لفظ الحديث أنه روي بالمعنى، فإنَّ لفظ «أن يحبس عمن يملك قوته» يختلف عن لفظ «أن يضيع من يعول أو يقوت».
وفي الباب أيضًا ما رُوي عن ابن عمر، عن النَّبِيّ ﷺ أنه قال: «كفى بالمرأ إثمًا أن يضيّع من يقوت».
رواه الطبرانيّ في الكبير (١٢/ ٣٨٢) من طريق إسماعيل بن عَيَّاش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، فذكره.
وإسماعيل بن عَيَّاش يخطئ في روايته عن غير الشّاميين، وهذا عن المدنيين، فلعلّه وهم فجعله من مسند عبد الله بن عمر.
وفي الباب أيضًا ما رُوي عن الحسن البصريّ مرفوعًا: «إنَّ الله سائل كلّ راع عمّا استرعاه:
أحفظ أم ضيَّع، حتّى يسأل الرّجلَ عن أهل بيته».
رواه ابن حبَّان في صحيحه (٤٤٩٣) وهو مرسل.
وبقية أحاديث الرعاية، والإمام مسؤول عن رعيته ستأتي في مواضعها.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 258 من أصل 379 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته

  • 📜 حديث: كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب