حديث: لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب التشديد في الدين
حسن: رواه أحمد (١٧٣٢٠، ١٧٤٠٧)، والطبراني في الكبير (١٧/ ٣٢٨)، وأبو يعلى (١٧٣٩)، والحاكم (٢/ ٢٦)، والبيهقي (٥/ ٣٥٥)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (٢/ ٥٠٩) كلهم من طرف عن بكر بن عمرو المعافري، عن شعيب بن زرعة المعافري أنه سمع عقبة بن عامر يقول فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحذرنا من خطر عظيم وشر مستطير. وإليك الشرح المفصل له:
الحديث بلفظه:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: إن رسول اللَّه ﷺ يقول: «لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها». قالوا: وما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: «الدَّين».
(رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حسن)
1. شرح المفردات:
* لا تخيفوا: النهي عن إدخال الخوف والرعب والقلق على الشيء.
* أنفسكم: تشير إلى الذات، أي لا تجعلوا أنفسكم في حالة خوف بعد أن كانت في طمأنينة.
* بعد أمنها: بعد أن كانت آمنة مطمئنة، خالية من الهموم والمخاوف.
* الدَّين: هو المال الذي يلتزم به الإنسان لأدائه إلى غيره.
2. شرح الحديث:
كأن النبي صلى الله عليه وسلم يصور لنا حالة الإنسان التي خلقها الله عليها، وهي حالة الأمن والطمأنينة والسلام النفسي. ثم يأتي التحذير النبوي: لا تقتلعوا أنفسكم من هذه الحالة الجميلة لتلقوا بها في بحر من الخوف والقلق والترقب، وذلك عن طريق الاستدانة بغير حاجة ضرورية أو دون ضمانات القضاء.
فالاستدانة – خاصة إذا كانت فوق الطاقة أو بدون خطة للسداد – هي بمثابة إخافة للنفس، حيث:
* يخاف المدين من مطالبة الدائن له في أي وقت.
* يخاف من العجز عن السداد في موعده.
* يخاف على سمعته وتتأثر مكانته الاجتماعية.
* يخاف من التبعات في الآخرة إذا كان في ذمته حق للعباد، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ» (رواه مسلم).
فالدين همّ بالليل ومذلة بالنهار. فهو يُذهب بهجة الحياة ويحول الأمن إلى خوف، والطمأنينة إلى قلق.
3. الدروس المستفادة والعبر:
1- تحذير شديد من التهاون في الديون: الحديث يضع الدين في إطار التخويف، مما يدل على خطورته وجسامة آثاره على النفس والمجتمع.
2- الحث على القناعة والعفاف: أفضل علاج للدين هو القناعة بما قسم الله تعالى وعدم التكلف في متطلبات الحياة فوق الحاجة والاستطاعة.
3- الفرق بين الدين الضروري والدين الترفيهي: ليس كل دين مذموم. فالدين للحاجة الضرورية أو لضرورة عارضة (كعلاج أو قوت أساسي) أمرٌ قد تضطر إليه النفوس. الذي ينكره الحديث هو الدين الذي يُدخل صاحبه في دوامة الخوف والقلق بلا داعٍ ضروري، كالدين من أجل الكماليات والترف أو المباهاة.
4- المسؤولية تجاه حقوق العباد: يذكرنا الحديث بأن حقوق العباد مبنية على المشاحة (المطالبة)، فلا تغفر إلا بأدائها أو مسامحة صاحبها. وهذا يوجب الخوف والحيطة.
5- الحفاظ على السلامة النفسية: الإسلام دين الفطرة، وهو يحرص على سلامة نفس المسلم وطمأنينته، وينهى عن كل ما يعكر صفو هذه الطمأنينة، ومن أبرزها الديون.
4. معلومات إضافية مفيدة:
* من كمال نصح النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ من الدين في دعائه، فكان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ» (رواه أبو داود).
* من أدب الإسلام في الدين: إذا أدى الإنسان دينه، فذلك من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ». قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: «المُتَكَبِّرُونَ». (رواه الترمذي وحسنه)، ولكن من أفضل الأعمال إخلاص الدين، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» (رواه الترمذي وحسنه).
نسأل الله أن يقينا شر الديون، وأن يعيننا على أداء حقوق العباد، وأن يحفظنا من إخافة أنفسنا بعد أمنها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تخريج الحديث
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد».
وإسناده حسن من أجل شعيب بن زرعة المعافري، روى عنه جمعٌ، وذكره ابن حبان ذكره في «الثقات» (٤/ ٣٥٦)، ولم أجدْ من تكلم فيه، وهو من رجال «التعجيل».
وفي الباب ما روي عن أبي موسى الأشعري عن رسول اللَّه ﷺ أنه قال: «إن أعظم الذنوب عند اللَّه أن يلقاه بها عبد -بعد الكبائر التي نهى اللَّه عنها- أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء».
رواه أبو داود (٣٣٤٢) عن سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، حدثني سعيد بن أبي أيوب، أنه سمع أبا عبد اللَّه القرشي يقول: سمعت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري يقول: عن أبيه فذكره.
ورواه الإمام أحمد (١٩٤٩٥) من وجه آخر عن سعيد بن أبي أيوب قال: سمعت رجلا من قريش يقال له أبو عبد اللَّه كان يجالس جعفر بن ربيعة قال: سمعت أبا بردة الأشعري يحدث عن أبيه فذكره.
وأبو عبد اللَّه القرشي، وقيل: بالتصغير، مصري «مقبول». أي عند المتابعة.
وفي الباب ما روي عن ابن عباس قال: قدمت عبر المدينة، فاشترى النبي ﷺ منها، فربح أواقي، فقسمها في أرامل بني عبد المطلب، وقال: «لا أشتري شيئًا ليس عندي ثمنه».
رواه أبو داود (٣٣٤٤)، وأحمد (٢٠٩٣)، والحاكم (٢/ ٢٤)، والبيهقي (٥/ ٣٥٦) كلهم من طرق عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره. واللّفظ لأحمد.
ولفظ أبي داود: اشترى من عير تبيعا، وليس عنده ثمنه، فأربح فيه، فباعه، فتصدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب، وقال: «لا أشتري بعدها شيئًا إلا وعندي ثمنه».
وإسناده ضعيف من أجل شريك، وهو ابن عبد اللَّه القاضي، سيء الحفظ. وسماك في روايته عن عكرمة مضطرب.
وأما الحاكم فقال: «قد احتج البخاري بعكرمة، واحتج مسلم بسماك وشريك. والحديث صحيح، ولم يخرجاه».
والصحيح أن البخاري لم يحتج بعكرمة في رواية سماك عنه، كما أن مسلما لم يحتج بسماك عن عكرمة، وكذلك شريك، وإنما أخرج له في المتابعات.
وقد بوب البخاري بقوله: «باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه، أو ليس بحضرته». وفيه إشارة إلى تضعيف حديث ابن عباس.
قال الحافظ في «الفتح»: «فهو جائز، وكأنه يشير إلى ضعف ما جاء عن ابن عباس مرفوعا، وقال: تفرّد به شريك، عن سماك، واختلف في وصله وإرساله».
قوله: «العير» بكسر العين، وسكون الياء: الإبل التي تحمل المتاع.
وقوله: «تبيعا» الذي يتبع أمه في المرعى.
وروي أيضًا عن سمرة قال: خطبنا رسول اللَّه ﷺ، فقال: «هاهنا أحد من بني فلان». فلم يجبه أحد، ثم قال: «هاهنا أحد من بني فلان». فلم يجبه أحد، ثم قال: «هاهنا أحد من بني فلان». فقام رجل، فقال: أنا يا رسول اللَّه. فقال: «ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟ أما إني لم أنوه بكم إلا خيرا، إن صاحبكم مأسور بدينه». فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء. إلا أنه منقطع.
رواه أبو داود (٣٣٤١)، والنسائي (٤٦٨٥)، وأحمد (٢٠٢٣١)، والحاكم (٢/ ٢٦) كلهم من طريق سعيد بن مسروق، عن الشعبي، عن سمعان (وهو ابن مشنج)، عن سمرة فذكره.
ورواه أبو داود الطيالسي (٩٣٢) عن شعبة، قال: أخبرني فراس، قال: سمعت الشعبي، قال: سمعت سمرة بن جندب، يقول: فذكره.
وكذلك رواه أحمد (٢٠١٢٤)، والحاكم، وغيرهما، ولم يذكروا بينهما سمعان.
قال البخاري في «التاريخ الكبير»: «لا نعلم لسمعان سماعا من سمرة، ولا للشعبي سماعا من سمعان».
قال الأعظمي: وكذلك قول الشعبي في رواية أبي داود الطيالسي: سمعت سمرة غلط. قال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (٦/ ٣٢٣): «حديث شعبة عن فراس، عن الشعبي، سمعت سمرة غلط، بينهما سمعان بن مشنج».
وفي «العلل» (٥٥٠) قال ابن أبي حاتم: «سمعت أبي يقول: هكذا رواه أبو داود الطيالسي وعمرو بن مرزوق، عن شعبة، عن فراس، عن الشعبي، قال: سمعت سمرة. والشعبي لم يسمع من سمرة».
قال الأعظمي: الخطأ فيه من فراس وهو ابن يحيى الهماني، فإنه كان يخطئ.
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 202 من أصل 506 حديثاً له شرح
- 177 من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق
- 178 من أحيا أرضا ميتة فهي له
- 179 من أحاط حائطا على أرض فهي له
- 180 ستَرونَ بَعدي أَثَرَةً فَاصبِروا حَتّى تَلقَوني
- 181 كنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي
- 182 أعطني نعلك فقال انتعل ظل الناقة
- 183 ما يحمى من الأراك ما لم تبلغه أخفاف الإبل
- 184 لا حمى في الأراك
- 185 أعطى النبي المعادن القبلية جلسيّها وغوريّها
- 186 «إن الله لا يقدس أمة لا يعطون الضعيف منهم حقه»
- 187 من أهل ذي المروة؟
- 188 معنى لا حمى إلا لله ولرسوله
- 189 لا حمى إلا لله ولرسوله
- 190 شرح لا حمى إلا لله ولرسوله
- 191 من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط
- 192 تقاضى دينا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما
- 193 الصلح جائز بين المسلمين
- 194 خيركم من أعتق عند الموت
- 195 خاصم الزبير عند رسول الله ﷺ في شراج الحرة التي...
- 196 اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك
- 197 اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم
- 198 من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة...
- 199 نفس المؤمن معلقة ما كان عليه دين
- 200 من بريء من ثلاث دخل الجنة
- 201 من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته
- 202 لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها
- 203 الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال ويكفر الخطايا إلا الدين
- 204 يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين
- 205 رسول الله ﷺ يمشي في النخل ويبارك في ثمرها.
- 206 أخوك محتبس بدينه فاقض عنه
- 207 لو كان عندي أحد ذهبا
- 208 ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا تمضي علي ثالثة...
- 209 من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه
- 210 من أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه أعانه الله
- 211 إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن...
- 212 أعطوه فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء
- 213 أعطاه وسقا فقال: نصف وسق لك ونصف وسق لك من...
- 214 أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء
- 215 قضاني ديني وزادني النبي ﷺ
- 216 جزاء السلف الوفاء والحمد
- 217 خير الناس خيرهم قضاء
- 218 ابتاع رسول الله ﷺ من أعرابي جزورا بوسق من تمر...
- 219 من طلب حقا فليطلب في عفاف واف أو غير واف
- 220 خذ حقك في عفاف واف، أو غير وافٍ
- 221 مطل الغني ظلم ووجوب متابعة المليء
- 222 قضاء دين الشهيد ببركة دعاء النبي ﷺ
- 223 بعته إياه فأعطاني ثمنه
- 224 كفى بالله شهيدًا وكفيلًا
- 225 تاجر يداين الناس فيقول لفتيانه: تجاوزوا عنه
- 226 من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة
معلومات عن حديث: لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها
📜 حديث: لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








