الولاء لمن أعطى الورق

حديث: الولاء لمن أعطى الورق

عن عائشة قالت: اشتريت بريرة، فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فقال: «أعتقيها؛ فإن الولاء لمن أعطى الورق». فأعتقتها، فدعاها النبي ﷺ، فخيرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبتُّ عنده، فاختارت نفسها.

صحيح: رواه البخاري في العتق (٢٥٣٦) عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة فذكرته.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة:
الحديث: عن عائشة قالت: اشتريت بريرة، فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فقال: «أعتقيها؛ فإن الولاء لمن أعطى الورق». فأعتقتها، فدعاها النبي ﷺ، فخيرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبتُّ عنده، فاختارت نفسها.
شرح المفردات:
● بريرة: اسم أمة (جارية) كانت مملوكة لعرب من الأنصار.
● اشترط أهلها ولاءها: اشترط سادتها الذين يبيعونها أن تبقى ولاية عتقها (حق ولائها) لهم بعد عتقها.
● الولاء: هو حق خاص للمُعِتق (الذي أعتق العبد) يربطه بالمعتَق، فيكون كالقرابة له في النصرة والميراث إذا مات المعتَق دون وارث.
● الورق: الفضة، أي النقود التي دفعتها عائشة رضي الله عنها ثمناً لشراء بريرة.
● خيرها من زوجها: خيّرها النبي ﷺ بين البقاء مع زوجها أو فراقه، لأنها كانت متزوجة حينما أُعتقت.
● ما ثبت عنده: أي ما بقيت عنده وزوجيته.
شرح الحديث:
1- قصة الشراء والشرط: اشترت السيدة عائشة رضي الله عنها الجارية بريرة من سادتها (أهلها). وعند البيع، اشترط البائعون أن يبقى "حق الولاء" لهم، بمعنى أنهم إذا أعتقوها فيما بعد، أو أعتقتها عائشة، يبقى ارتباطها بهم في الولاء والميراث.
2- حكم النبي ﷺ في الشرط: عندما أخبرت عائشةُ النبيَّ ﷺ بهذا الشرط، حكم عليه بأنه شرط باطل لا يصح، لأنه مخالف لحكم الله. فبيّن ﷺ أن حق الولاء هو حق لا يقبل التجزئة أو الانتقال بالشرط، بل هو حق ثابت لمن دفع ثمن العتق، أي لمن أعطى الفضة (الورق) لشراء الأمة ثم أعتقها. فقال: «أعتقيها؛ فإن الولاء لمن أعطى الورق». أي أن الولاء يكون لكِ أنتِ لأنكِ التي دفعت الثمن وأعتقتها.
3- عتق بريرة وتخييرها: استجابة لأمر النبي ﷺ، أعتقت السيدة عائشةُ بريرةَ. وبمجرد عتقها، أصبحت حرة وانتقل ولاؤها إلى عائشة رضي الله عنها. وهنا حدثت مسألة أخرى: فقد كانت بريرة متزوجة من رجل اسمه مغيث، وكان عبدًا. ومن القواعد الشرعية العظيمة أنه إذا أُعتقت الأمة وكانت تحت عبد، فإنها تُخيَّر بين فسخ النكاح أو البقاء مع زوجها. فدعاها النبي ﷺ وطبّق هذه القاعدة، فخيرها بين البقاء مع زوجها أو الفراق.
4- اختيار بريرة للفراق: اختارت بريرة الحرية والانفصال عن زوجها، معبرة عن ذلك بقولها: «لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده»، أي حتى لو أعطاني زوجي أموالاً طائلة أو هدايا ثمينة، لما بقيت معه. وهذا يدل على قوة رغبتها في التحرر الكامل من كل ما يربطها بماضي العبودية، وربما كان هناك أسباب أخرى في نفسها جعلتها تريد الفراق.
الدروس المستفادة والفقه في الحديث:
1- بطلان الشروط المخالفة للشرع: الحديث أصل عظيم في أن كل شرط في معاملة (بيع، عتق، إلخ) يخالف أحكام الشرع هو شرط باطل وغير نافذ، ولو وافق عليه الطرفان. فشرط البائعين نقل الولاء لهم باطل.
2- حكمة تشريع الولاء: شرع الله الولاء لمن أعتق لحكمة عظيمة، وهي تشجيع العتق وتكريم المعتَق بربطه بمن أحسن إليه حتى بعد عتقه، فيكون له نصير وعشيرة.
3- تخيير الأمة المعتقة تحت عبد: من رحمة الشريعة الإسلامية أنها أعطت المرأة التي تتحرر من العبودية الحق في اختيار مصير علاقتها الزوجية، خاصة إذا كان الزوج لا يزال عبدًا، تفاديًا لأي انتقاص من كرامتها الجديدة كامرأة حرة.
4- حرية الاختيار للمرأة: اختيار بريرة للفراق يدل على أن للمرأة رأيًا وكيانًا واحترامًا في الشريعة الإسلامية، ولها الحق في اختيار ما تراه مناسبًا لها في حياتها الزوجية في مثل هذه الظروف.
5- عدل النبي ﷺ وحكمته: يتجلى في الحديث عدل النبي ﷺ وحكمته في تطبيق أحكام الله بدقة، دون محاباة لأحد، حتى لو كان الشرط من سادة القبيلة، وقراره بتخيير بريرة يظهر رحمته وحرصه على مصلحتها.
6- قبول الواقع وعدم الإكراه: قبل النبي ﷺ اختيار بريرة ولم يجبرها على البقاء مع زوجها الذي كان يحبها كثيرًا (كما في روايات أخرى تبين حزن مغيث على فراقها)، تقديرًا لإرادتها وحريتها.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في العتق (٢٥٣٦) عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة فذكرته.
ورواه في الفرائض (٦٧٥٤) من حديث أبي عوانة، عن منصور به نحوه، وفيه: قال الأسود: «وكان زوجها حرا». وقول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: «رأيته عبدا» أصح. . انتهى.
قال الأعظمي: لأنه رآه، وحضر القصة، وشاهدها، فيترجح قوله على قول من لم يشهدها، والأسود لم يدخل المدينة في عهد النبي ﷺ. كذا في الفتح أيضًا (١٢/ ٤٠).
وفي رواية عند البخاري (٦٧٦٠) من حديث سفيان، عن منصور بإسناده، وفيه: «الولاء لمن أعطى الورق، وولي النعمة».
وقوله: «ولي النعمة» أي أعتق. وفي الحديث دليل على أن الولاء لكل معتق، ذكرا كان، أو أنثى، وهو أمر مجمع عليه.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 31 من أصل 53 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: الولاء لمن أعطى الورق

📜 حديث: الولاء لمن أعطى الورق

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: الولاء لمن أعطى الورق

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: الولاء لمن أعطى الورق

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: الولاء لمن أعطى الورق

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية