نهى رسول الله عن التلقي وبيع المهاجر للأعرابي

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو يتناول ثلاث مسائل منفصلة، لكل منها حكمها وشرحها. وإليك الشرح المفصل:
### أولاً. شرح المفردات
● التلقي: هو أن يخرج التجار أو الوكلاء إلى الطرقات خارج البلد لاستقبال القوافل القادمة بالبضائع وشراء بضائعهم قبل وصولها إلى السوق.
● أن يبتاع المهاجر للأعرابي: أي أن يكون شخص (المهاجر) وسيطاً في بيع سلعة للأعرابي (القادم من البادية) الذي لا يعرف أسعار السوق الحقيقية، فيشتريها منه بسعر منخفض ثم يبيعها في السوق بسعر أعلى ليأخذ الربح لنفسه.
● أن تشترط المرأة طلاق أختها: أي أن تطلب المرأة من زوجها أو تتعهد معه عند عقد الزواج أن يطلق زوجته الأخرى (أي الضرة) كشرط للزواج بها.

### ثانياً. شرح الحديث وبيان الحكم
#### 1. النهي عن التلقي (تلقي الركبان)
● الشرح: النهي هنا عن أن يخرج تاجر المدينة ليلقى القوافل التجارية القادمة قبل دخولها السوق، فيشتري بضائعهم وهم جاهلون بأسعار السوق في المدينة، فيوهمهم أن السوق كاسد أو أن سعر سلعتهم منخفض، فيشترونها منهم بثمن بخس، ثم يبيعونها في السوق بسعرها الحقيقي مرتفعاً، فيربحون على حساب جهل البائع.
● الحكمة والحكم: هذا النهي من رحمة النبي ﷺ وحكمته؛ لحماية البائعين الغرباء الذين لا يعرفون أحوال السوق من الغبن والظلم. وهو من أجل تحقيق العدالة في المعاملات وإزالة الغش والجهالة. وهذا النهي للتحريم، وإذا حصلت هذه معاملة فهي فسخ أي باطلة، للخيار، فمن وقع عليه الغبن يمكنه فسخ البيع.
#### 2. النهي عن أن يبتاع المهاجر للأعرابي
● الشرح: هذا النهي خاص بحالة "النجش" أو الوساطة السيئة. حيث كان المهاجر (المقيم في المدينة والعالم بأسواقها) يتوسط للأعرابي (القروي أو البدوي الجاهل بأسعار السوق) لبيع سلعته، ولكن بدلاً من أن ينصحه بالسعر العادل، يشتريها منه هو شخصياً بسعر منخفض ليبيعها لاحقاً بسعر أعلى، أو يروج لها في السوق ليرفع سعرها وهو لا ينوي شراءها (وهذا هو النجش المحرم).
● الحكمة والحكم: النهي هنا أيضاً لمنع الغش والاستغلال والاحتكار. والمقصود به أي شخص يكون وسيطاً سيئاً، وليس حكراً على المهاجر والأعرابي. والحكم أنه حرام، وإذا حصل البيع على هذا النحو فله أحكام الغبن الذي يخير فيه المغبون.
#### 3. النهي عن أن تشترط المرأة طلاق أختها
● الشرح: هذا النهي عن شرط فاسد في عقد الزواج. حيث كانت المرأة تشترط على الخاطب أن يطلق زوجته الحالية (التي هي أختها في الإسلام أو ضرتها المستقبلية) كشرط للقبول بالزواج منه. وهذا كان يسمى "الطلاق التعليقي" الفاسد.
● الحكمة والحكم: هذا الشرط باطل ولا يصح، وهو من أعمال الإفساد بين الزوجين، وإيقاع الضرر بالزوجة الأخرى بدون حق، وهو منافٍ للعدل والمروءة والغيرة الشرعية. يقول النبي ﺁ: «لا تُشْرِطْ woman طلاقَ أُخْتِهَا، لِكَيْ يَسَعَ لَهَا فَضْلُهُ، وَلَكِنْ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». أي أن الرزق بيد الله، ولا يحل لها أن تسعى للحصول على نصيب غيرها بالحرام. هذا الشرط باطل حتى لو اتفق عليه الزوجان، وعقد الزواج نفسه صحيح، لكن هذا الشرط بالذات لا ينفذ.

### ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر
1- العدل في المعاملات: الإسلام يحرم كل شكل من أشكال الغش والاستغلال والغبن في البيع والشراء، ويؤكد على الشفافية والمعرفة الكاملة للطرفين.
2- حرمة الاعتداء على حقوق الآخرين: النهي عن شرط طلاق الأخت هو تأكيد على حرمة التسبب في أذى الآخرين والاعتداء على أسرهم واستقرارهم من أجل مصلحة شخصية.
3- إبطال الشروط الفاسدة: ليس كل شرط في العقد صحيحاً، فالشروط التي تخالف مقاصد الشريعة وتضر بالغير أو تنهى عنها الشريعة هي شروط باطلة.
4- النهي عن الوساطة السيئة: يجب على المسلم أن يكون ناصحاً أميناً، لا أن يكون وسيطاً غاشاً يستفيد من جهل الناس وحاجتهم.

### معلومات إضافية
- هذه المسائل الثلاث من جملة الشروط والبيوع الفاسدة التي بينها النبي ﷺ لتحصين المجتمع من الظلم والفساد.
- العلماء يستنبطون من هذه الأحاديث قواعد كبرى مثل: "كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل" و "الغش محرم في جميع المعاملات".
- الحديث يدل على عظمة الشريعة الإسلامية في حفظ الحقوق والمصالح ودرء المفاسد، حتى قبل وقوعها.
وصلى الله على نب