حديث: الأيم أولى بأمرها واليتيمة تستأمر في نفسها

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب أن اليتيمة لا تنكح إلا بإذنها

عن ابن عباس أن رسول اللَّه ﷺ قال: «الأيم أولى بأمرها، واليتيمة تُستأمر في نفسها، وإذنها صماتها».

حسن: رواه النسائي (٣٢٦٢) عن أحمد بن سعيد الرباطي، قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثني أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان، عن عبد اللَّه بن الفضل بن عباس بن ربيعة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس فذكره.

عن ابن عباس أن رسول اللَّه ﷺ قال: «الأيم أولى بأمرها، واليتيمة تُستأمر في نفسها، وإذنها صماتها».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيره من أئمة الحديث، هو من الأحاديث العظيمة التي تحدد ضوابط شرعية في مسألة الزواج وحقوق المرأة، خاصة في حالتي الأيم واليتيمة. وإليك الشرح الوافي للحديث:

الحديث:


عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «الأَيِّمُ أَوْلَى بِأَمْرِهَا، وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا».


1. شرح المفردات:


● الأيم: هي المرأة التي لا زوج لها، سواء كانت بكراً لم تتزوج من قبل، أو ثيباً (مطلقة أو أرملة). وقيل: الأيم خاصة تطلق على الثيب، ولكن في هذا الحديث تحمل معنى أعم.
● أولى بأمرها: أي أنها صاحبة القرار في نفسها، ولا يحتاج تزويجها إلى إذن الولي بالمعنى المطلق، بل هي التي تختار وتقرر.
● اليتيمة: هي الصغيرة التي مات أبوها وهي دون البلوغ.
● تُستأمر في نفسها: أي يُسأل عن رأيها ويُستشار في تزويجها، ولا يُزوجها وليها دون رضاها.
● إذنها صماتها: أي أن سكوتها مع الحياء وعدم الاعتراض يعتبر دليلاً على رضاها وموافقتها.


2. شرح الحديث:


هذا الحديث الشريف يبين حكمين شرعيين مهمين يتعلقان بتزويج المرأة:
أولاً: حق الأيم في التصرف في أمر زواجها:
- المقصود بـ "الأيم أولى بأمرها" أن المرأة التي لا زوج لها (بكراً أو ثيباً) هي صاحبة القرار الرئيسي في قبول أو رفض الزواج، ولا يجوز إجبارها على الزواج بمن لا تريد.
- وهذا لا يعني إلغاء دور الولي، بل إن للولي حق الإشراف والمشورة، ولكن القرار النهائي يعود إليها، خاصة إذا كانت راشدة عاقلة.
- وقد جاء هذا مؤكداً لحديث: «لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا البكر حتى تُستأذن» (متفق عليه).
ثانياً: حق اليتيمة في الاستئذان والاعتبار بسكوتها دليلاً على الرضا:
- اليتيمة هنا هي القاصر التي مات أبوها، وهي تحت ولاية غيره (كالجد أو العم أو الأخ).
- يجب على وليها أن يستأمرها ويستشيرها فيمن يريد تزويجها، ولا يجوز له تزويجها دون معرفة رأيها.
- وإذنها الذي هو "صماتها" يعني أن سكوتها - مع عدم إبداء الاعتراض - يُعتبر دليلاً على موافقتها، وذلك بسبب حيائها غالباً، خاصة إذا كانت بكراً.
- وهذا من رحمة الشريعة ومراعاتها للطبيعة النفسية للمرأة، حيث قد تعجز عن التصريح بالموافقة لحيائها، فيكفي السكوت دليلاً على الرضا.


3. الدروس المستفادة منه:


● احترام إرادة المرأة في الزواج: الشريعة الإسلامية أعطت المرأة الحق في قبول أو رفض الزواج، وجعلت رضاها شرطاً لصحة العقد.
● الرفق بالمرأة واليتيمة: الحديث يظهر عناية الإسلام بالضعفاء، وخاصة اليتيمات، حيث أمر باستئذانهن ومراعاة مشاعرهن.
● مراعاة الطبيعة الفطرية: اعتبار السكوت إذناً من اليتيمة يدل على فهم عميق للنفس البشرية وطبائع الناس، خاصة فيما يتعلق بالحياء الذي هو من الإيمان.
● التفريق بين البالغة وغير البالغة: الحديث يفرق بين المرأة الراشدة (الأيم) التي لها القرار الكامل، واليتيمة التي تحتاج إلى استئذان ولكن يعتبر سكوتها رضا.


4. معلومات إضافية مفيدة:


- هذا الحديث أصل في باب النكاح، وقد عمل به الفقهاء في المذاهب الأربعة، حيث اشترطوا رضا المرأة في النكاح، وألا يجبرها وليها على من لا تريد.
- بعض الفقهاء قيد ذلك بأن يكون الزوج كفؤاً، فإن كان غير كفؤ فللولي الاعتراض حتى لو وافقت.
- الحديث يدل على أن الإسلام سبق في منح المرأة حقوقها واحترام إرادتها، منذ أكثر من 1400 عام.
- يستدل بهذا الحديث على بطلان نكاج الإجبار، وهو ما أجمع عليه العلماء.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه النسائي (٣٢٦٢) عن أحمد بن سعيد الرباطي، قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثني أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان، عن عبد اللَّه بن الفضل بن عباس بن ربيعة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس فذكره.
ورواه أيضًا أحمد (٢٣٦٥) وابن أبي شيبة (٤/ ١٣٦) والدارقطني (٣/ ٢٣٨ - ٢٣٩) كلهم من حديث ابن إسحاق. وإسناده حسن من أجل ابن إسحاق.
قال الدارقطني: تابعه سعيد بن سلمة عن صالح بن كيسان وخالفهما معمر، فأسقط منه رجلا، وخالفهما أيضًا في متنه، فأتى بلفظ آخر وهم فيه، لأن كل من رواه عن عبد اللَّه بن الفضل، وكل من رواه عن نافع بن جبير مع عبد اللَّه بن الفضل خالفوا معمرًا. واتفاقهم على خلافه دليل على وهمه. ثم رواه من حديث سعيد بن سلمة بن أبي الحسام بالإسناد الذي سبق ذكره ولفظه مثله.
وأما ما أشار إليه من مخالفة معمرٍ ابنَ إسحاق وسعيدَ بن سلمة فهو ما رواه عبد الرزاق (١٠٢٩٩) ومن طريقه أبو داود (٢١٠٠) والنسائي (٣٢٦٣) والدارقطني عن معمر، عن صالح بن كيسان، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، فصمتها إقرارها».
وصحّحه ابن حبان (٤٠٨٩) ورواه من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر، قال: حدثني صالح بن كيسان، عن نافع بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث.
ثم قال الدارقطني: والذي قبله أصح في الإسناد والمتن، لأن صالحًا لم يسمعه من نافع بن جبير، وإنما سمعه من عبد اللَّه بن الفضل عنه، اتفق على ذلك ابن إسحاق وسعيد بن سلمة، عن
صالح. قال: سمعت النيسابوري (وهو أبو بكر النيسابوري شيخه) يقول: الذي عندي أن معمرًا أخطأ فيه. انتهى.
قال الأعظمي: قول الدارقطني يتضمن أمرين:
أحدهما: الاختلاف في الإسناد فهو كما قال.
والثاني: الاختلاف في المتن فقوله: «ليس للولي مع الثيب أمرٌ» ظن أنه مخالف للأصل الثابت: «لا نكاح إلا بولي» ولكن يمكن تأويله: بأن الولي لا ينفرد بأمر الثيّب دون رضاها واختيارها، لأن لها الخيار في بضعها، والرضا بما يعقد عليها، وليس فيه نفي لولاية الولي على النكاح. واليتيمة بمعنى البكر اليتيمة. وفي صحيح مسلم كما سبق «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» من حديث مالك، عن عبد اللَّه بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس.
اليتيمة: المراد بها هنا التي مات أبوها وهي صغيرة.
فإذا بلغت فلها الخيار في إجازة النكاح أو فسخه وهو قول بعض التابعين.
ونظرا لكون الخيار لا يجوز في النكاح فذهب كثير من أهل العلم إلى أن نكاح اليتيمة لا يجوز حتى تبلغ، فتستأمر فإن سكتت فهو رضاها.
وهو قول سفيان الثوري والشافعي وغيرهما من أهل العلم. وقال أحمد وإسحاق: إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزُوجت، فرضيت فالنكاح صحيح، ولا خيار لها إذا أدركت. ذكره الترمذي (٣/ ٤٠٩) باختصار.
وقوله: تُستأمر اليتيمة في نفسها: أي أنها لا يُعقد عليها النكاح حتى تبلغ ليكون لها الإذن أو المنع.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 84 من أصل 360 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: الأيم أولى بأمرها واليتيمة تستأمر في نفسها

  • 📜 حديث: الأيم أولى بأمرها واليتيمة تستأمر في نفسها

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: الأيم أولى بأمرها واليتيمة تستأمر في نفسها

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: الأيم أولى بأمرها واليتيمة تستأمر في نفسها

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: الأيم أولى بأمرها واليتيمة تستأمر في نفسها

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب