نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها

حديث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها

عن بُريدة بن حصيب قال: قال رسول الله ﷺ: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتُكم عن النبيذ إِلَّا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلِّها، ولا تشربوا مسكرًا».

صحيح: رواه مسلم في الأضاحي (٣٧: ١٩٧٧) من طريق محمد بن فضيل، عن أبي سنان ضرار بن مُرّة، عن محارب بن دثار، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما ندرس ونفهم من سنة نبيه ﷺ.
هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، هو من جوامع كلم النبي ﷺ، وفيه بيان لحكمة التشريع الإسلامي ومرونته، حيث ينسخ النبي ﷺ بعض الأحكام التي كانت مؤقتة لحكمة عظيمة.

أولاً. شرح المفردات:

● نهيتكم عن زيارة القبور: أي حرمت عليكم الذهاب إلى القبور.
● لحوم الأضاحي: لحوم الهدايا والذبائح التي تذبح في أيام العيد.
● فوق ثلاث: أي أن تأكلوا منها وتتمتعوا بها أكثر من ثلاثة أيام.
● فأمسكوا ما بدا لكم: أي فاحتفظوا بها وادخروها بقدر ما تشاؤون.
● النبيذ: هنا يقصد به عصير العنب أو التمر الذي يُتخذ للشرب قبل أن يصير مسكراً.
● في سقاء: أي في وعاء من الجلد.
● الأسقية: جمع سقاء، وهي كل الأوعية التي تُحفظ فيها السوائل.
● مسكراً: كل شراب خمر العقل وذهب به.

ثانياً. شرح الحديث:

يحتوي هذا الحديث على ثلاثة أحكام كانت محرمة ثم نُسخت وأبيحت، وبيان الحكمة من ذلك:
1- زيارة القبور:
● النهي الأول: كان النبي ﷺ في بداية الإسلام نهى عن زيارة القبور؛ لأن المسلمين كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وكانوا يقعون في الشرك والبدع عند القبور، من نداء الأموات والاستغاثة بهم، فنهى عن زيارتهم سداً لذريعة الشرك.
● الإباحة لاحقاً: عندما قويت عقيدة المسلمين وتَحقَّق التوحيد في قلوبهم، أباح النبي ﷺ زيارة القبور بل حث عليها، لما فيها من تذكر الآخرة والاعتبار، والترحم على الموتى والدعاء لهم.
2- ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث:
● النهي الأول: في عام الفتح، نهى النبي ﷺ عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام؛ لأن المسلمين كانوا في حاجة، والفقراء كثيرون، فكان النهي لكي يتصدقوا بها على المحتاجين ولا يبخسوا حقهم.
● الإباحة لاحقاً: عندما كثر الخير وزالت تلك الحاجة، أباح ﷺ ادخار اللحوم بقدر ما يشاء الناس، فقال: "فأمسكوا ما بدا لكم".
3- إناء النبيذ:
● النهي الأول: نهى النبي ﷺ عن صنع النبيذ إلا في السقاء (الوعاء الجلدي)؛ لأن الأوعية الأخرى كالظروف (الآنية المصنوعة من الطين) والنقير (أوعية من الخشب) كانت تسرع في تخمر العصير وتحوله إلى خمر.
● الإباحة لاحقاً: عندما علم الصحابة رضي الله عنهم أن العبرة ليست بنوع الإناء، ولكن بمنع حدوث الإسكار بأي طريقة، أباح ﷺ صنع النبيذ في جميع الأوعية بشرط ألا يصل إلى درجة الإسكار، فقال: "فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكراً".

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- مرونة الشريعة الإسلامية: الشريعة الإسلامية تضع الأحكام وفق مصالح الناس، وتتغير بتغير الزمان والمكان والحال، ما دامت المصلحة قائمة.
2- حكمة النبي ﷺ في التدرج في التشريع: حيث كان ينهى عن شيء لحكمة، ثم يبيحه عندما تزول علة النهي، وهذا من رحمة الله بالأمة.
3- تحريم المسكرات قاطع لا يتغير: النهي عن شرب المسكرات نهي قطعي ثابت، لم ينسخ ولم يتغير، لأنه مفسدة للعقل والدين والبدن والمجتمع.
4- زيارة القبور سنة مشروعة: لأجل الاعتبار والاتعاظ، والدعاء للأموات والترحم عليهم، ولكن مع التحذير من البدع والشركيات التي قد تقع عندها.
5- التيسير على الأمة: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل بالتحريم، والشريعة جاءت لتخفيف العبادة على الناس، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تبين نسخ الأحكام في الشريعة الإسلامية، وهو دليل على أن بعض الأحكام الشرعية قد تنسخ بحكم آخر لظروف معينة.
- الحديث يدل على عظمة النبي ﷺ وصدقه، حيث يصرح بالنهي السابق ثم يبين الحكم الجديد، وهذا من أخلاقه العظيمة في الصراحة والوضوح.
- يستفاد من الحديث أهمية فهم النصوص في سياقها، وعدم أخذ جزء من الحديث دون الآخر، لأن الحكم النهائي هو ما انتهى إليه الأمر.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يفقهنا في ديننا، ويبصرنا في سنة نبينا ﷺ.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في الأضاحي (٣٧: ١٩٧٧) من طريق محمد بن فضيل، عن أبي سنان ضرار بن مُرّة، عن محارب بن دثار، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 73 من أصل 81 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها

📜 حديث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية