قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن وصف النبي ومدحه في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۖ وَلَا تُسۡـَٔلُ عَنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَحِيمِ ﴾ [البقرة: 119]
في معنى كلمة الحقِّ تثبيتٌ يقضي على شبهات المضلِّلين، ومحاولات الكائدين، وتلبيس الملفِّقين، وفي لفظها صَرامةٌ توحي بالجزم واليقين. أيها الداعية، إذا بلَّغتَ الحقَّ البلاغَ المبين، فلستَ مسؤولًا بعد ذلك عن ضلال الضالِّين، الواردين نارَ الجحيم. |
﴿وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]
إنهم لا يُرضيهم عن رسول الله ﷺ إلا ما لا يجوز وقوعُه منه، وهو أن يكونَ -حاشاه- تابعًا لهم، فلا طمعَ في رضاهم. الكفر ملَّة واحدة، وإن تعدَّدت أشكالها. مَن رامَ الهدايةَ فعليه بكتاب الله تعالى؛ فإن هُدى الله هو الهدى، وكلُّ ما خالفه فبُعدُه عن الهُدى بمقدار مخالفته. تنبيه شديدٌ لأهل العلم الحاملين لحُجَج الله، القائمين ببيان شرائعه، أن يدَعوا مداهنةَ المنحرفين عن الكتاب والسنَّة، المؤثرين لمَحْض الهوى عليهما. |
﴿كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]
بتلاوة القرآن تؤدَّى العبادات، ويُستفاد العلم ومجامع الأخلاق الحميدة، وبه تحصُل كلُّ خيرات الدنيا والآخرة. من حكمة بعث الله تعالى للرسُل أنه يطهِّر بهم أرواحَ الناس من دنَس الجاهليَّة، ورِجس التصوُّرات، ولُوثة الشهَوات. رفع الجهل عن الناس، وتعليمُهم الكتابَ والسنَّة، وظيفةُ خيار الخلق. تفرَّع عن تعليم النبيِّ ﷺ أمَّتَه علومٌ كثيرة شَمِلَت أحكامَ الدنيا وأحوالَ الآخرة، فضلًا عن الأحكام الشرعيَّة. |
﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ﴾ [البقرة: 252]
من أشرف ما يثبِّت الإنسانَ على الحقِّ نظرُه في كتاب ربِّه، وتدبُّر ما فيه من سِيَر السابقين، وسُنن الله في الغابرين، فإن سنَّة الله ماضيةٌ في الخالفين، ولن تجدَ لسنَّة الله تبديلا. ليس كقَصص القرآن قَصصٌ تستحقُّ الإجلالَ والادِّكار؛ كيف لا وفيها من العِبَر الواضحات، ومن الأخبار والعِظات، ما ينطِق بصدق النبوَّة، ويشهد على أنها تنزيلُ الحكيم الخبير؟! |
﴿فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61]
لا يقدِّم الرجُل أبناءه ونساءه على نفسه في باب المُباهَلة الذي هو من مَظانِّ التلف والهلاك إلا وهو على يقينٍ تامٍّ أنه على الحقِّ، وأنهم في مَنجاةٍ من أيِّ مكروه. لولا ثقتُه ﷺ بأنه رسولُ الله لما تحدَّاهم بهَلَكة الكاذب، ولولا معرفتُهم دلائلَ نبوَّته من التوراة والإنجيل لما جَبُنوا عن مُباهلَته. إن المُماريَ في قطعيَّات الشريعة ومُحكَماتها ليستحقُّ أن يُدعى عليه بعقوبةٍ عاجلة تجعله عِبرةً لمَن يعتبر. |
﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ﴾ [آل عمران: 63]
حسبُ الداعية أن يبلِّغَ شرعَ ربِّه كما أمره، ولا تذهب نفسُه حسراتٍ على المُعرضين؛ فإنه لا يُعرض عن الحقِّ إلا فاسدٌ مفسد، والله عليمٌ بالمفسدين. التولِّي عن الحقِّ والإعراضُ عن التوحيد فسادٌ عظيم، وسيجزي الله المفسدين شرَّ الجزاء. |
﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81]
ليس بعد شريعة نبيِّنا ﷺ شريعةٌ تُتَّبع، فإن شريعتَه ناسخةٌ لجميع الشرائع، ودينه خاتمُ الأديان إلى يوم القيامة. مَن انتسب إلى نبيٍّ من الأنبياء وهو يكذِّب بشريعة خاتم الأنبياء فإنه كاذبٌ في دعواه، متَّبع لهواه، والأنبياء كافَّةً بَراءٌ من ضلاله. رتبة نبيِّنا ﷺ أعلى الرُّتَب، فهو أجلُّ البشر قدرًا، وأفضل أنبياء الله منزلة، ودينُه خير الأديان، وشريعتُه خاتمة الشرائع. ما أعظمَها من مكانةٍ لنبيِّنا ﷺ ؛ أن يأخذَ الله العهدَ المؤكَّد على كلِّ نبيٍّ أن يؤمنَ به وينصرَه، ويأخذَ كلُّ نبيٍّ العهدَ على أمَّته بذلك، ويشهدَ عليهم به، ويشهدَ الله على الجميع بذلك! |
﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۗ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [آل عمران: 108]
ليس في آيات الله شائبةُ جَور، فحاشا لله أن يظلمَ عباده، إنما يرتِّب الجزاءَ على العمل؛ ليَحقَّ الحقُّ، ويجريَ العدل. إرادة الظلم منتفيةٌ في حقِّ الله تعالى، فأوامره ونواهيه وثوابه وعقابه، كلُّ ذلك مشتملٌ على الحكمة والرحمة، والعدل والفضل. |
﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]
بعثةُ الرسول إحسانٌ إلى العالمين، ومنَّةٌ خاصَّة للمؤمنين؛ إذ أخرجهم الله بها من الظُّلمات إلى النور، وهداهم إلى الصِّراط المبين. من حكمة الله في إرسال الرسول إلى الناس من جنسهم، أن يرحمَهم ويعطفَ عليهم؛ فيألفونه ويحبُّونه، ويهتدون بهديه. تلاوة آيات الله على عباد الله من وظائف الرسُل التي امتنَّ الله بهم على عباده، ولا ينبغي للداعية أن يجرِّدَ دعوته ومواعظه منها. إن شئت أن تزكِّي نفسك فاتبع أوامر النبي ﷺ، فإن من اتبعه ارتقى وتزكَّى، ومَن عصاه هوى وغَوى. لا حياةَ للناس ولا طُمَأنينةَ دون نبيٍّ يعلِّقهم بربِّهم، ويخرجهم من ضلالهم، ويهديهم للحقِّ. |
﴿ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [آل عمران: 183]
مَن أعرضَ عن الحقِّ واتَّبع هواه وأُقيمَت عليه الحُجَج، فليس أهلًا لأن تمهَّدَ له الأعذار ويجابَ إلى ما أراد؛ فإن ذلك لن يزيدَه إلا تماديًا ومَطلًا، وجدالًا وعِنادًا. إفحام المعاند بما يدَّعيه، وإقامةُ الحُجَّة عليه من فِيه، أسلوبٌ جَدليٌّ ناجح؛ لأن مَن خُوصِم بما يقول لم تبقَ له حُجَّة ولا عذر. تسويغ الجريمة والدفاعُ عن أهلها اشتراكٌ فيها، وإن وقعَت قبل مئات السنين؛ ألا ترى كيف نُسِب القتلُ إلى الأحفاد مع أنَّ القتلةَ هم الأجداد؟! |
﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 184]
أيها الداعيةُ الصادق، لا يَحزُنك تكذيبُ الناس لك؛ فلقد كُذِّب رسلُ الله وهم مرسلون بآياته، مؤيَّدون بمعجزاته، فلك فيهم أسوةٌ وعزاء. تكذيب دعاة الحقِّ وردُّ مقالهم وتسفيه رسالتهم، هو دأبُ أهل الباطل في كلِّ زمان، فلا غرابةَ فيما جَدَّ؛ فإن الآخِر سار على درب الأوَّل. أكثر أهل الباطل لا يردُّون الحقَّ بسبب ضعفٍ في حُجَّته، أو التباسٍ في فهمه، لكنَّه خبثُ النفوس واستكبارها، وخوفُها أن تفقدَ شهواتها ومصالحَ دنياها. |
﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا ﴾ [النساء: 79]
ذكِّر مَن يؤمن بالله إن آلمَتهُ بعضُ أقضيته أنَّ ما أصابه إنما هو من شؤم معاصيه، ومَن يزعم أن الشرَّ حصل بسبب داعي حقٍّ فأعلِن له أن الأقدار كلَّها ليست إلا بيد مُدبِّرها سبحانه. أيها اللائمُ القدَر، المتسخِّطُ على الزمان، اعلم أنك إنما أُتِيتَ من قِبَل نفسك، فأحسِن عملَك إن شئتَ أن يُحسنَ الله شأنَك. تبنَّت المعصية كلَّ مصيبة تحلُّ بالإنسان، حتى لتَخال أن بينهما نسبًا لا ينقطع، وتكادُ تجزم أن وحَلَ المعصية لا يدَعُ في الحياة صَفوًا إلا كدَّرَه، ولا اجتماعَ سعدٍ إلا بعثرَه. ﴿وأرسلناكَ للنَّاسِ رسولًا﴾ جملةٌ تنطِق بالرحمة والشرف؛ فقد رحم الله العالمينَ فأرسل إليهم رسولًا يَهديهم، وشرَّف محمَّدًا عليه الصلاة والسلام فجعله رسولَه إليهم جميعًا. الإقرار بوجود الله يُفضي بالعاقل إلى التصديق بالنبوَّة، فما كان الله ليَدَعَ عبدًا من عباده يتقوَّل عليه، ثم يؤيِّده ويرفع ذكرَه في العالمين. |
﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا ﴾ [النساء: 80]
اسم الجلالة يربِّي في النفس المهابة، واستحضارُه عند الحديث عن الطاعة يرغِّب بها، ويحذِّر من مخالفتها. مهمَّة الرسُل وأتباعهم بَذرُ حَبِّ الهداية في قلوب الناس، وليس عليهم قطفُ ثمارها، فأيُّ أرض أبَت ذلك البَذرَ فحسابُها على بارئها. |
﴿وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا ﴾ [النساء: 113]
سَلِ الله تعالى مقلِّبَ القلوب أن يثبِّتَ قلبك على دينه؛ فإنك ما اهتديتَ إلى الحقِّ إلا بفضله عليك، فلا تأمن على نفسك الحَوْرَ بعد الكَوْر، والضلال بعد الهُدى. إضلال المرء غيرَه عائدٌ على نفسه؛ إذ لا يمكن أن يَضُرَّ مَن هدى الله ممَّن اعتصم بالله تعالى ووحيه، مهما اجتهد في إضلاله وإغوائه. اعتصِم بالكتاب والسنَّة حقَّ الاعتصام تَنجُ من كلِّ ضلال؛ فإن القرآن والسنَّة أصلُ الهداية. لكلِّ مُتباهٍ بعلمه، مُتعالٍ بفهمه، متكبِّرٍ على بني جنسه: اعلم أن كلَّ ما لديك، إنما هو من فضل الله عليك، فبماذا تفخَر؟ وعلامَ تزهو وتبطَر؟! |
﴿لَّٰكِنِ ٱللَّهُ يَشۡهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلۡمِهِۦۖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَشۡهَدُونَۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 166]
الوحيُ لا يفتقر إلى شواهدَ تدلُّ على صحَّته، فقد شهد اللهُ على ذلك وأشهد ملائكتَه، وكلُّ قولٍ هو حقٌّ ما شهد له شرع؛ لأنه الأصلُ الحاكم على كلِّ فَرع. لمَّا كانت الأحكامُ والشرائع نازلةً من عند العليم الخبير، كان كلُّ ما يعارضُها من الرأي سقيمًا مردودًا. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ﴾ [النساء: 170]
أتاك الهُدى ساعيًا إليك، حاملًا معه الخيرَ من الله، فهلَّا استقبلتَه بنحو ما أظهر لك من الاهتمام، واستشعرتَ من ربِّك تلك العنايةَ والإكرام. إن الإيمان خيرٌ كلُّه؛ فهو خيرٌ للمؤمنين في أبدانهم، وخيرٌ لهم في أرواحهم؛ لما يترتَّب عليه في الدنيا من جليل الفوائد، ولما يُثمر في الآخرة من جميل العوائد. بعِلمه تعالى أحاطَ بكفر الكافر، وبحِكمته قضى بكفره، وبعلمه وحكمته أدخله دارَ سخَطه، لا معقِّبَ لحُكمه ولا غالبَ لأمره. |
﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ ﴾ [المائدة: 15]
تخلِّي الإنسان عمَّا يأمر به لقبُه الحسَن أو وصفُه الجميل وصمةٌ تَشِينُه؛ فأهل الكتاب ما كان أحراهم بالعمل به، ومراعاةِ أحكامه، والقيام بما فيه حقَّ القيام! لا ينقطع وهَجُ دين الله جلَّ جلاله، ولا أنوارُ بيانه، فإن أظلمَت غفلةُ العباد ومعاصيهم بعضَ آفاقه قيَّض اللهُ للناس مَن يعيد إلى تلك الآفاقِ ضياءها وسَناءها. كتمان الحقِّ صفةُ ذمٍّ في أهل الكتاب، فمَن كتم العلمَ من العلماء عمَّن يستحقُّه ففيه شَبهٌ باليهود والنصارى، وقد أُمرنا بمخالفتهما. إبداء ضلالاتِ الكافرين والمنافقين وإعلانُها ينبغي أن تُراعى فيه الحكمةُ والتبصُّر في المآلات، فإن أغنى القليلُ عن الكثير فقد تمَّ به البيان. نور الهداية بالقرآن وبإرسال خاتَم الرسُل فضلٌ من الله تعالى، فما أعظمَه من نورٍ عمَّ الثقَلَين، وملأ الخافقَين! نور القرآن نورٌ خالد لا يحتجب، وضياءٌ ساطع لا يأفُل، فكم أنار اللهُ به من بصائرَ فمازَت به طريقَ الحقِّ من طريق الباطل! |
﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةٖ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [المائدة: 19]
إن زمنًا طال على الناس فيه العهدُ بلا أنبياء لَزمنُ فُتور. ألا إن الدين يحتاج إلى ذوي هِمَم، ينفُضون الفتور، وينهَضون لمعالي الأمور. ماء الوحي العَذبُ ما زال يترقرقُ أمام الظامئين، غيرَ أن تقادُمَ عهد الرسالة، والبعدَ عن خير القرون، جعل بعضَ الناس يأوون إلى فيافي الفُتور القاحلة، فمَن يحملُ لأولئك العِطاش ماءَ الوحي النمير؟ قد زُرع النقصانُ في طبائع الإنسان، فهو بين رغبةٍ تَشوقُه، ورهبةٍ تَسوقُه، يبشَّر فيُهرَع، ويحذَّر فيَفزَع، فإن جاءه بشيرٌ نذيرٌ اعتدل حاله. من فقه الدعوة الجمع بين الترغيب والترهيب، وتقديم ما يقتضيه الحال منهما. |
﴿قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ ﴾ [المائدة: 22]
ليكُن يقينُك بالخير فيما يطلبه الشرعُ منك فوقَ ما تظنُّه أنت من سَداد رأيك، وأنَّى للفُهوم البشرية أن تبلغَ كلَّ الحكمة من الأوامر الإلهية؟ عجيبٌ أمرُ أولئك العامَّةِ من يهود، هابوا الجبابرةَ فنَكَصوا عن مواجهتهم، وهم موعودون بالغَلَبة عليهم، ولم يوقِّروا نبيَّهم، ولم ينقادوا لأمره، ولم يثقوا بوعده! الترقيات لا تُنال إلا بتضحيات، فمَن ظنَّ أنه سيقتحم العقَباتِ من غير مشقَّات فمشكوكٌ في عقله، وما نصرُ الحقِّ إلا غايةٌ عليا لا يُوصَل إليها إلا على جسورٍ من الإعياء والتَّعب. |
﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ﴾ [الأنعام: 8]
طلبُ ما لا يمكن حصولُه عادةً متمسَّكٌ واهٍ يلجأ إليه من ألجمَته براهينُ الحق، ولم يجد في بيداءِ الباطل طريقًا تُخرجُه من حَيرته. ليسـت مهمَّـة رسـول الله ﷺ التصـدِّيَ لرغَباتِ الكافرين، وتلبيةَ اقتراحات المُعرضين، التي إن تحقَّقَ بعضُها طلبوا المزيد؛ عِنادًا واستكبارًا، وإنما عليه البلاغُ المبين. |
﴿وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ ﴾ [الأنعام: 9]
مجيءُ الرسولِ إلى البشر من جنسهم وليس من الملائكة رحمةٌ من الله تعالى؛ إذ يحصُل بذلك كمالُ الاقتداء، وتمامُ الاهتداء، فلا عذرَ لمَن كذَّب به، أو قصَّر في اتِّباعه. قال قَتادة: (ما لبَّس قومٌ على أنفسهم إلا لبَّسَ اللهُ عليهم، واللَّبْسُ إنما هو من الناس، قد بيَّن اللهُ للعباد، وبعثَ رسلَه، واتخذ عليهم الحجَّة، وأراهمُ الآيات، وقدَّم إليهم بالوعيد). |
﴿وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ﴾ [الأنعام: 10]
لا تأبَه بالمستهزئين بالحقِّ وأهلِه، فإنَّ عاقبتَهم وَبِيلة. معرفة الداعي إلى الهُدى مَصارعَ المكذِّبين للحقِّ والمستهزئين به تُسلِّيهِ في طريق دعوته، وتحثُّه على الاستمرار في تبليغ رسالته. |
﴿قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ ٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11]
انظري أيتها الأمَّة في حال الأمم السابقة نظرَ تأمُّل واعتبار؛ فإنهم وإن رحلوا فقد خلَّفوا من ورائهم الأخبارَ والآثار، وفيها عِبرةٌ لمَن اعتبَر، وذكرى واعظةٌ لمَن ادَّكر. العِبَر المشاهَدة تَعضُدُ العِبرَ المُتصوَّرة، وقراءة مشاهدِ الحياة بعين البصر والبصيرة من أعظم المواعظ. |
﴿وَهُمۡ يَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَيَنۡـَٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن يُهۡلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 26]
يعـرف أعـداءُ القـرآن تأثـيرَ القرآن في النفوس؛ إذ إنه قد يملكُ بروعته وعظمَته على الإنسان قلبَهُ؛ فلذلك نأوا بأنفسهم عن سماعه، ونهَوا الناسَ عن استماعه. أيظنُّ كارهُ الحقِّ والصادُّ عنه أنه بذلك قد أضرَّ بالقرآن؟! إن الحقيقة التي لم يفقهها أنه إنما ضرَّ نفسَه باستمراره على الضلال والإضلال. |
﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ فَإِنِ ٱسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِيَ نَفَقٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمٗا فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأۡتِيَهُم بِـَٔايَةٖۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ﴾ [الأنعام: 35]
جرت سنَّةُ الله بأن لا اجتماعَ على الهدى، فلو شاء اللهُ لما كان في الدنيا إلا المهتدون، ولكنَّه قدَّر بحكمته أن يكونَ فيها العاصون، ولدعاةِ الحقِّ في هذا عِبرةٌ عند ردِّ دعوتهم. لم يكن رسولُ الله ﷺ ممَّن يجزعُ في مواطن الصبر، فتلك صفةٌ لا تليق إلا بالجاهلين، وما أبعدَ حالَه منهم! ينبغي للداعية أن يتعرَّف على سنن الله تعالى، وأن يحذر من الجهل بها، حتى لا يقع في الحرج ويكلِّف نفسه ما ليس له. |
﴿وَأَنذِرۡ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]
القرآن أبلغُ المواعظِ في الإنذار، وأكثرُ مَن ينتفعُ به مَن يخافُ الحشرَ إلى ربِّه، فما أحسنَ أن يكونَ وسيلةَ الإنذارِ الأولى لدى الداعية! مَن خاف ربَّه لم يتعلَّق بسواه، لا طالبًا نصرَه، ولا سائلًا شفاعتَه، بل انقطع إلى ربِّه وحدَه، متوكِّلًا عليه، فهو الشافعُ والناصر. لا يكفي المرءَ أن يخاف، بل لا بدَّ له من العلم بما يُنجيه؛ ليكونَ خوفُه على بصيرة، يعرفُ معه ما يأتي وما يذَر. |
﴿وَكَذَّبَ بِهِۦ قَوۡمُكَ وَهُوَ ٱلۡحَقُّۚ قُل لَّسۡتُ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ ﴾ [الأنعام: 66]
مهما أصرَّ أهلُ العناد على تكذيب الحقِّ وردِّه، فإن ذلك لا يَنقُصُ من قَدره ولا الثقةِ به؛ إذ تكفيه شهادةُ الله له. يا داعيَ الحقِّ، إذا ردَّ دعوتَك أكثرُ الناس فلا تذهب نفسُك حسَرات؛ فقد ردُّوا دعوةَ مَن هو مؤيَّدٌ بالآيات والمعجزات! أيظنُّ المعرضون أنهم يَغيظون بصدِّهم مَن دعاهم إلى الحقِّ؟ أوَ لا يعلمون أن الداعيَ مكلَّفٌ بإبلاغ الدعوة لا بنتائجها؟ |
﴿لِّكُلِّ نَبَإٖ مُّسۡتَقَرّٞۚ وَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 67]
ما أحوجَ الدعاةَ حين يواجهون شدَّةَ إعراض المدعوِّين وقسوةَ أذاهم إلى الثقة التامَّة بأن للباطل نهايةً وأجلًا! |
﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92]
على مِقـدار منزلة الله في نفسـك يكون حالك مع كتابه، فأعظِم بكتابٍ منزَّلٍ من لدُنْ خالقِك العظيم! فما أجدرَه بالقراءة والعمل، والإجلالِ والتكريم! مَن تدبَّر القرآنَ وعمل به فما أكثرَ ما يجدُ من بركاتِه وفوائده على قلبه وعقلِه، وجسدِه ورُوحه! القرآن أصدقُ مَن يخبِر عن الكتب السابقة، فلا يستطيع أحدٌ أن يقيمَ حُجَّةً ناصعةً على ما فيها بعد هذه الحِقَبِ الزمنيَّة إلا من طريقِ القرآن. بيئة الداعيةِ هي أُولى وِجهاتِ دعوته، ومنها ينطلق إلى ما بعدها في تبليغِ رسالته، فالأقربون أولى بالمعروف. مَن أقرَّ بالآخرة مؤمنًا بها خافَ عاقبتَها، فبحث عن سبيل نجاته فيها، ولن يجدَ أحسنَ من كتاب ربِّه، فإن صدقَ في إقراره فسيؤمن بهذا الكتاب ويتَّبع ما فيه. لله ما أشرفَ قدرَ الصلاة، وما أشدَّ خطرَها! إنها لتُقرَنُ هنا بالإيمان، في حين تُسمَّى بالإيمان حينًا آخر. الإيمان بالآخرة وبما جاء في القرآن يَهدي إلى المحافظة على أعمالِ الشريعة، وأهمُّها الصلاة. |
﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلۡأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158]
رسالة رسولنا محمَّد ﷺ إلى الناس كافَّة، وإن كان للعرب شرفٌ بخروجه منهم، لكنَّ هذا الشرفَ لا يدركُه إلا مَن اتَّبعه حقًّا من العرب أو العجم. كيف يُعبَد غيرُ الله، ويُعصى مَن أرسلَه، والمُلك كلُّه لله وحدَه؛ يحيي ويميت، ويبعثُ العبادَ للحساب؛ من غير شريك ولا نِدٍّ! إن العلم العظيمَ الذي تلقَّاه رسولنا الأميُّ الكريم ﷺ كان من كلمات الله، فهل بعد هذا العلم من علم؟ أميَّةُ نبيِّنا الكريم ﷺ كمال، وأميَّةُ غيره نقص، فمجيئُه بهذا العلم مع أميَّته دليلٌ على نبوَّته. لا يكفي الإيمانُ في القلب ما لم يكن معه اتِّباعٌ عملي، فدلِّل على إيمانك بصحيح اتِّباعك. يا من تطلب الهدايةَ والنجاة، كن متَّبعًا ولا تكن مبتدِعًا. |
﴿أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ ﴾ [الأعراف: 184]
تفكَّر وترَوَّ؛ حتى تعرفَ الأشياء كما هي، فذاك النظرُ طريقٌ لمعرفة الحقيقة. لقد وقف القومُ على سيرة رسول الله ﷺ وقوف الصاحبِ على مسيرة صاحبه الذي يلازمُه، فما لهم عنه مُعرضون وقد تيقَّنوا صدقَه وأمانته؟! قد استبانت حقيقةُ رسول الله ﷺ، فكيف ينسُبه إلى الجنون عاقلون؟ أما يفرِّق المتَّهِمون له بين قول النذير المبين، وهذَيانِ أهل الجنون؟! |
﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188]
اعتراف العبد بعدمِ قدرته على ما ليس من حولِه ولا قوَّته هو من تمامِ عبوديَّته لربِّه. قد يريد الإنسانُ أن يجلبَ لنفسه ما يظنُّه نفعًا، وهو عليه وَبال، كما يظنُّ أنه يدفعُ عن نفسه ما لا يحبُّ، وهو خيرٌ له لو كان يعلم. إن كان رسولُ الله ﷺ لا يعلمُ الغيبَ القريب المتعلِّقَ بمصلحته، فكيف يُسأل عن الساعة التي هي غيبٌ بعيد متعلِّقٌ بشأن الخلق كلِّهم؟! لو صحَّ ادِّعاء مدَّعي الغيب أفكان يصيبُه ما يسوءُه، أو يفوته ما يسعى إليه؟! |
﴿وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔايَةٖ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ مِن رَّبِّيۚ هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 203]
ما كانت الآياتُ لتتنزَّلَ وَفقَ الأهواء والاقتراحات؛ لأن من ينزِّلها عالمٌ بالهدى وبما يُصلح العباد، فما خالفَها مقترِحٌ إلا باينَ ذلك الهُدى. كم في القرآن من بصائرَ تُنير الأحلام، وتُصلِح الاعتقادات، وتهدي لأحسن المعاملات، وتَدلُّ على الخير، وتحذِّرُ من الشر! |
﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]
لا هدًى بعد محمَّدٍ ﷺ إلا هُداه، ولا دينَ مقبولًا عند الله غيرُ الدين الذي جاء به. بعث الله تعالى محمَّدًا ﷺ بالهُدى ودين الحقِّ إلى الناس؛ فبالهُدى يُعرَف الحقُّ، وبدين الحقِّ يُقصَد الخيرُ ويُعمَل به. نصيب المرء من الهُدى بقدر استجابته لمَن أُرسِل به. وعد اللهُ بإظهار هذا الدين على ما سواه من الأديان، ولو كره ذلك الظهورَ مَن عاداه، فماذا نفعَهم ذلك الكُرهُ الذي أورثهم تكذيبَه وحربه؟ لقد ظهر دينُ الإسلام، وخفَتَ أعداؤه. |
﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ﴾ [التوبة: 128]
تشريفٌ للعربِ وتكليفٌ أنْ كان رسولُ الله ﷺ منهم، فتشريفُهم بأن بُعِث من بينهم؛ يفهمون عنه أكثرَ من غيرهم، وتكليفٌ بأن يتحمَّلوا من أمانة التبليغ ما لم يتحمَّله غيرُهم. ما أرحمَ رسولَ الله ﷺ وأرأفَه بأمَّته! يَشُقُّ عليه أن يرى المشقةَ بهم نازلة، ويَحرِصُ على إيصال الخير لهم في كلِّ أوان، فما أحسنَ أن يكون الدُّعاة كذلك! لا ينتفعُ برأفةِ رسول الله ﷺ ورحمتِه إلا مَن آمنَ به، فحينما يهتدي إلى الحقِّ يَظهرُ أثرُ الرأفةِ والرحمة عليه. |
﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]
أيُّها الداعي، إن تولَّى الناسُ عن دعوتك، وأعرضوا عن اتِّباعك، فتوكَّل على ربِّ الناس، فهو الملاذُ والمُلتَجأ. الجهرُ بالحسبلةِ، والتوكُّل على الذي كلُّ الأمرِ له، بقلبٍ حاضرٍ واعٍ، يُطفِئ عن النفسِ لظى الهمِّ والغَم. |
﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَاتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَيۡرِ هَٰذَآ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ قُلۡ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَآيِٕ نَفۡسِيٓۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۖ إِنِّيٓ أَخَافُ إِنۡ عَصَيۡتُ رَبِّي عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ ﴾ [يونس: 15]
إنها لآياتٌ بيِّنات لا خَفاءَ فيها، ولا عيبَ يعتريها، فمن حادَ عنها فباغٍ أو جاحدٌ أو متكبِّر. مَن يُؤمن بالآخرة ولا يزالُ يذكرُها، ويستحضرُ لقاءَ ربِّه ولا يغيبُ عنه، فذاك الذي ينتفعُ بآياتِ مولاه تعالى. أيها الداعيةُ؛ لا تجامِل في سبيل الحقِّ، ولا تستَجِب لمن يطلبون منك تبديل شريعةِ الله وتحريفَها لتُوافقَ أهواءهم. سُننُ رسولِ الله ﷺ كلُّها آتيةٌ بوحي، وهي إذا ثبت وصحَّ إسنادها تَلزمُ لزومَ القرآن. مَن استحضرَ الخوفَ من اللهِ تعالى أبعدَه خوفُه عن معصية ربِّه، وكيف يعصيه مَن يعظِّمه ولا يأمَنُ عقابَه؟! يومُ القيامةِ يومٌ عظيم، لِطُوله وكثرةِ شدائده وفصلِ الأقضية فيه، وصدورِ الأحكام النهائيَّة في عَرَصاته، فما أجدرَ العاقلَ بالخوف منه! |
﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمۡ عَمَلُكُمۡۖ أَنتُم بَرِيٓـُٔونَ مِمَّآ أَعۡمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ﴾ [يونس: 41]
لو أدرك المتعجِّلون والمتنازلون واليائسون دَلالةَ آياتِ البراءة من الكافرين، ما ذهبت أنفسُهم حسَراتٍ على المعاندين، ولأدركوا أن مُهِمَّتَهم لا تتعدَّى مُهِمَّةَ نبيِّهم ﷺ، وهي البلاغ. الثوابت الشرعيَّةُ لا سبيلَ إلى المفاوضة فيها، ولا التوسُّطِ مع الخصوم حولها، إنما هو التصديق بها والإذعان لها. |
﴿وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ ﴾ [يونس: 42]
في إعراضِ المشركين عن بيانِ رسولِ الله ﷺ -وهو أرقى بيانٍ- تسليةٌ لدعاةِ الحقِّ حين لا يُستجاب لهم، فالمانعُ قد يكون عند المتلقِّين، فلا سبيلَ عند ذلك لهدايتهم. |
﴿وَمِنۡهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يُبۡصِرُونَ ﴾ [يونس: 43]
كيف يَصلُ إلى الحقِّ مَن سدَّ على نفسِه طريقَي العلمِ: السَّمعِ والنظر، وأفسدَهما؟! يكفي البصيرَ دليلًا على صدقِ رسول الله ﷺ ما يراه من أخلاقه وهَدْيه وأعمالِه، وحُسنِ ما يدعو إليه. |
﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي شَكّٖ مِّن دِينِي فَلَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِنۡ أَعۡبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُمۡۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [يونس: 104]
إعلان البراءةِ من الكفر والكافرين، والجهرُ بالاستقامة على طريق الحقِّ والدين، من مطالب الإيمان بربِّ العالمين. سبحان الخالقِ القادر، المحيي المميت القاهر، الذي يخلُقُ عبادَه ويتوفَّاهم، ويعذِّبُ من عصى منهم! فمَن عقَلَ هذه الحقائقَ استقامَ على طريق الهدى. انتظامُ الإنسانِ في عِقدٍ اتصفَ بالخير والصلاح شرفٌ له، ولو كان أفضلَ أهله. |
﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ ﴾ [يونس: 108]
سبحانه من إلهٍ يحبُّ صلاحَ عباده، ويدعوهم إلى ما فيه نفعُهم! صنيعَ من يُربِّيهم فيسوسُهم ويدبِّرُ أمورَهم. يا من تعلَمُ أن الهدايةَ هي خيرٌ سيقَ لنفسك، هلَّا عرفتَ فضلَ رسولِ الله ﷺ عليك، وشكرتَ لله الذي أرسلَه إليك؟ |
﴿أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ ﴾ [هود: 2]
مَن عبدَ غيرَ اللهِ تعالى فالآياتُ تُنذِرُه، ومَن لم يعبُد سوى مولاه فإنها تُبشِّرُه. عبـادةُ اللهِ هـــي الغـايةُ، والبشارةُ والنذارة هما الوسيلة، وعـلى الداعي لتلك الغـايةِ العليا أن يُحسنَ استعمالَ تلك الوسيلة. |
﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ ﴾ [هود: 12]
لا ينبغـي للداعيـة أن يصُـدَّه اعتراضُ المعترضين، ولا أن يَضيقَ صدرُه بقَدْحِ القادحين، بل يمضي على طريق الصبر مطمئنًا، وبما عند ربه واثقًا. لا يفهمُ الكافرُ المتعنِّتُ سوى منطقِ القوة، ولا يخضع إلا للمال، وإلا فعلامَ يشترطون في المعجزة أن تكون كنزًا، وفي المُساعدِ أن يكون مَلَكًا؟ أيها الداعيةُ، لا تدع الإنذارَ فإنه رسالتُك، فإن لم تجد في الناس إجابةً فلا تيئَس، فلستَ عليهم رقيبًا ولا حسيبًا. |
﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [هود: 13]
لو اجتمع الشعراءُ والأدباء، والخطباءُ والعلماء، والفلاسفةُ والحكماء، على معارضة القرآن، واستعانوا بمَن أرادوا؛ لما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. ما أكثرَ تُهمَ أهلِ الباطل للحقِّ وأهله! وما أبينَ افتقارَها إلى الأدلَّة التي تشهد لها! |
﴿فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ﴾ [هود: 14]
حُجَج القرآن تقتضي أن ينتقلَ متأمِّلها من الظنِّ إلى العلم، ومن يقينٍ إلى يقينٍ أرسخ منه. إذا كانت الدلائلُ قد تظاهرت على أن هذا القرآن المعجزَ هو من عند الله، فما فيه من التوحيد يُوجبُ على العباد توحيدَ ربهم، وعبادتَه دون مَن سواه. ليكُن مقصِدُ الداعية من إقامة الحُجةِ على الناس بإعجاز القرآن حضَّهم على الإسلام، وترغيبًا لهم في الهداية إلى سُبلِ السلام. |
﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَعَلَيَّ إِجۡرَامِي وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُجۡرِمُونَ ﴾ [هود: 35]
لا يفتري على دِين اللهِ تعالى إلا مجرمٌ، ولا يدَعُ اللهُ المجرمين بلا عقاب، ما لم يتوبوا. لا تَتمُّ الدِّيانةُ إلا بالبراءة من إجرام المجرمين، وما يأتون به من الشرك والإيذاء والموبقات، والصدِّ وسائرِ السيِّئات. |
﴿وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ ﴾ [هود: 101]
لا يعصي العاصي ولا يبغي الباغي إلا ويصيبُ بفعله نفسَه، فمَن أراد أن يحفظَ نفسَه فليُبعدها عن موارد الهلكة. ذهبت الآلهةُ الباطلةُ عن عابديها أحوجَ ما كانوا إليها، فلن ينفعَ التجاءُ من التجأ إلى غير الله تعالى شيئًا عند نزول الشدائد، وإنما يزيدُه ضررًا إلى ضرَره. |
﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [هود: 120]
تدبُّر سِيَر الأنبياء مع أقوامهم، وصبرِهم في دعوتهم، يثبِّت المؤمنَ على طريق الحقِّ، ويقوِّي عزيمتَه على التضحية من أجله. إذا كان الرسولُ الكريم ﷺ يجدُ من أعباء الدعوة ما يحتاج معه إلى التسلية وتثبيتِ الفؤاد وهو الصابرُ المطمئنُّ، فكيف بمَن سواه؟ إذا مررتَ بقصص الأنبياء فلا تجعلها من نصيب عينيك فحسب، بل اجعل معانيَها تتغلغلُ في قلبك؛ كي تثبِّتَه على منهاج السَّداد، فتثبُتَ جوارحُك كلُّها. لا ينتفعُ بالموعظة حقَّ الانتفاع إلا المؤمنُ ذو القلب المطمئنِّ، الذي يأتيه واردُ الموعظة فيتَّعظُ ويتذكَّر. |
﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]
من مزايا هذا الدين أنه يدعو إلى الإيمان به على بصيرة، وبرهانُ ذلك أنه عرضَ نظامَ الكون وما فيه من الإتقان على أنظارِ العقول، وطالبَها بالإمعان فيه لتصلَ إلى اليقين. سبيلُ محمَّد بن عبد الله ﷺ واضحةُ المعالم والغايات، قائمةٌ على أنصعِ البراهين والبيِّنات، فعلى كلِّ داعٍ إلى هذا الدين أن يتَّبعَ سيِّدَ المرسلين، ويقتديَ به على علم وهدى. على من تصدَّر للدعوة أن يدعوَ إلى الله مخلصًا، لا أن يدعوَ إلى نفسه لإيصالها إلى رُتبةِ إعجاب الناس ورضاهم. أيها الداعيةُ، نزِّه اللهَ تعالى عن كلِّ ما لا يليقُ به ممَّا ينسُبه إليه الجاهلون، وابرَأ إلى الله تعالى من جميع ما يفعلُه المشركون. |
﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦٓۗ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]
حين تُغلَقُ القلوبُ بمغاليقِ الإعراض والصدود، ترى أن الآياتِ البيِّنات التي تَهديها لم تَنزل عليها، مع أنها قد وصلت إلى بابها، ولكنها لم تَفتح لها طريقًا. عمل الأنبياءِ وأتباعِهم تبليغُ ما جاء عن الله، والتحذيرُ من مخالفة ذلك، وبيانُ البراهين، لا الإتيان بها وَفقَ أهواء الناس. لولا أن الناسَ لا تَصلُح حياتُهم إلا بدعاة، ما اختصَّ سبحانه كلَّ قوم بهُداة. |
﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ ﴾ [الرعد: 27]
ما لم يكن القلبُ مُقبلًا على الآيات التي أنزلها الله له فلن يهتدي، وكيف يصل إليه الهدى وهو لم يسعَ إليه، ولم يتحرَّك نحوَه! |
﴿كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30]
تلاوةُ رسولِ اللهِ القرآنَ على أمته من مقاصدِ رسالته، فمَن لم يجعل هدى القرآن أصلًا من أصول دعوته، فما أبعدَه عن كتاب ربه وهدي رسوله الكريم! سبحانَ ربِّنا الحليمِ على مَن عصاه! إنهم ليكفرون به، ويقابلون إحسانَه إليهم بالإساءة، وهو مع ذلك يرحمُهم ويُمهِلهم! صلَّى الله وسلَّم على مَن أقرَّ بالتوحيد لربِّه، وسعى في إبطال كفر الجاحد وشركِه، وبيَّن أن التوكُّل كلَّه على الله، وأن المتابَ إليه لا إلى أحدٍ سواه. |
﴿وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَۖ وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن يُنكِرُ بَعۡضَهُۥۚ قُلۡ إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَلَآ أُشۡرِكَ بِهِۦٓۚ إِلَيۡهِ أَدۡعُواْ وَإِلَيۡهِ مَـَٔابِ ﴾ [الرعد: 36]
حُقَّ لأهل الكتاب المؤمنين أن يفرحوا بالقرآن الكريم، ويتَّسعوا سرورًا؛ لموافقته للحقِّ، ومجيئه بالصدق، ولنوره العظيم، وخيره الكريم. الذين تهتزُّ نفوسُهم بصدقٍ فرحًا وسرورًا بالهدى ووسائله يُبرهنون بذلك عن صدقِ إيمانهم. كم في القرآنِ من الآياتِ الحِسان الباهرات ما لا يسَعُ أحدًا إنكارُها حتى المُغرِقين في تحزُّبهم للباطل! أرضِ مولاك، وليكُن رضاه وحدَه مُبتغاك، ولا تبحث عن رضا الناس في سخَطه؛ فمَرَدُّك ومعادُك إليه سبحانه لا إليهم. |
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ ﴾ [الرعد: 38]
مَن شرَّفه اللهُ تعالى بوَلايته، ورفعةِ رُتبته لديه لا يقدَحُ فيما نالَه مباشرةُ أحكامِ البشرية من الأهل والولد. طلبُ الزهدِ بتركِ النكاح وأحوالِ العيش المباحة، والإعراضُ عما تدعو إليه الفطرة، ليس من سُنن الأنبياء، ولا هَديِ الأولياءِ الأتقياء. إنما الرسُل بشر، فما جاؤوا به من الآيات والحقائق، والمعجزات والخوارق، فهو من عند الله تعالى، والعاقل يتَّبع الحقَّ ولا يطلب من أحدٍ ما ليس له. |
﴿وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ ﴾ [الرعد: 40]
حين يَدِبُّ الفسادُ في أمة فلا بدَّ من أن يأتيَ يومٌ وتُنقَصُ من قوتها وثرائِها وقدْرها، وتُحصَرُ في رُقعةٍ ضيقةٍ من الأرض. لقد جرت سنَّةُ الله الماضيةُ في التمكين لعباد الله الصالحين، فمَن ذا الذي يستطيعُ أن يرُدَّ حكمَ اللهِ النافذ، أو يُبطلَ وعدَه الحق؟! لا يستبطِئ مستبطئٌ نزولَ العقوبةِ بالكافرين، فإن لهم عند الله أمَدًا هم بالغوه، وسيُنزلُه بهم من غير تأخيرٍ ولا إبطاء، فإنه سريعُ المجازاة. |
﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ ﴾ [الرعد: 43]
يا صاحبَ الحقِّ لا تكترث لما يقول أعداؤك فيك، من نزع صفاتِ الثناء، وإلصاقِ التُّهَم التي أنت منها بَراء، بل يكفيك أن الله راضٍ عنك. أهل العلم محلٌّ للثقة وقولِ الحقيقة، فعليهم ألا يهبطوا عن هذه الرتبة العلِيَّة، بكتمان الحقِّ والشهادة بخلافه. ما أجلَّه من تناسبٍ بين مطلعِ السورة الذي يبدأُ بإثبات الرسالة، وختامِها الذي ينتهي بإنكارِ الكفارِ لها! |
﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]
القرآن الكريم كتابُ النور الذي أنقذ الحائرين في أمواج الظلمات، وأنار لهم طريقَ الهداية إلى ربِّ السماوات. طرق الجهلِ والكفر كثيرة، وطريقُ العلم والإيمان واحدة، فالحقُّ واحد والباطلُ متعدِّد. كيف لا يكون الصراطُ آمنًا، وإلى السعادةِ موصلًا، وقد تكفَّل ذو العزَّة والجلال به، وحمِدَ سالكيه، ووعدهم بحسنِ العاقبة؟ القـرآن كتـابُ الله العزيـز الحميـد، فأنَّى لشخصٍ أن يغلِبَ كتابَ العزيز بحُجَّة؟ وأنَّى لأحدٍ أن يَشقى إذا ما اتَّخذ كتابَ الحميد مَحَجَّة؟ |
﴿وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ ﴾ [الحجر: 89]
لا يُصدِّقُ بعضَ كتابِ الله دون بعض إلا سائرٌ على نهج مَن حلَّ بهم العذابُ ولم يعتبر. |
﴿فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ﴾ [الحجر: 94]
يا سائرًا على الطريق المستقيم وسهامُ الأذيَّة مسدَّدةٌ إليه من كلِّ جانب؛ اصدَع بالحقِّ واصبِر عليه، فقد أصاب نبيَّك ومَن معه ما لم يُصِبك، وإن الله ناصرٌ المتَّقين، ومذيقٌ الكافرين عاقبةَ أفعالهم. |
﴿يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2]
سورةُ النِّعم هذه تبدأ بأجلِّ النِّعم، وهو التعريف بـ (لا إله إلا الله)، فلا نعمةَ أعظمُ من التوحيد. سبحان مَن يغيث بالوحي العباد، لتنهلَ منه القلوبُ التوحيد، فتَحيا به النفوسُ والعقول والضمائر، كما تحيا بالغيث البلاد! |
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]
هنيئًا لقومٍ ائتمنهم الله تعالى على وحيه، وأمر الناسَ بالرجوع إليهم وسؤالهم، فكانوا كما أحبَّ ربُّهم، فنالوا منه التعديلَ والتزكية، والأجرَ والمثوبة. الرجال أقدرُ من النساء على الاضطلاع بأعباء النبوَّة، وصعودِ منابر البلاغ، ومواجهةِ المخالفين؛ فلذلك كانت الرسالةُ فيهم. الجاهل القادر على معرفة الحقِّ لا يُعذَر بترك السؤال، فما الظنُّ بمَن يعلم الحقَّ ويتَّبع الجهل؟! |
﴿بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]
لم يبعث الله نبيًّا إلا بآية تبيِّن صدقَه، وتقوم بها الحجَّة؛ وذلك لكمال عدله سبحانه ورحمته، وإحسانه وحكمته، ومحبَّته للعذر وإقامته للحجَّة. لا غَناء عن السنَّة النبوية، فهي أعلى ما يبيَّن به القرآنُ الكريم، ويُعلَم به مرادُ الله. كم وجَّه الكتاب والسنَّة العبادَ إلى إجالة الفكر في الآيات الشرعيَّة والكونيَّة للاعتبار بها، والاستدلال على الحقِّ من خلالها! |
﴿وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [النحل: 64]
إذا مسَّ الأمَّةَ الاختلافُ فعلاجُه الرجوعُ إلى دواء الوحي، ففيه الشفاءُ والرشد، فمَن تركه إلى غيره فلا شفاءَ له. العمل بالقرآن هدًى ورحمة، وتركُه ضلالٌ ولعنة، فأهلُ الإيمان مَهديُّون مرحومون لعملهم به، وأهلُ الضلال بعيدون عن ذلك لتركهم له. |
﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ﴾ [النحل: 82]
على الداعية أن يسعى إلى أن يكونَ بلاغُه مبينًا، فيستعملَ من الوسائل والآلات ما يوصله إلى ذلك، وعندئذٍ يكونُ معذورًا عند تولِّي المدعوِّين عنه. |
﴿وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]
لمَّا كان رسولُ كلِّ أمَّة هو أكثرَ أمَّته اطِّلاعًا على أعمالها، وأشدَّهم عليها شفقة، كان من عدل الله تعالى ولطفه أن جعله عليهم شاهدًا. كم في كتاب الله تعالى من ذخائرَ وكنوز، في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارَين وكلِّ ما يحتاجُ إليه العباد، قد بُيِّنت فيه أتمَّ تبيين، بألفاظٍ واضحةٍ ومعانٍ جليلة. قال مسروقٌ: (ما نسألُ أصحابَ محمَّدٍ ﷺ عن شيءٍ إلا عِلمُه في القرآن، إلا أنَّ عِلمَنا يَقصُر عنه). شريعة الله تعالى كاملة، ولا حاجةَ إلى طلبِ الزيادةِ عليها، أو النقصانِ منها. ينتفع المسلم بهُدى الله ورحمته وبُشراه بمقدارِ تمكُّنه من إسلامه واتِّباعه واستجابته. |
﴿وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ ﴾ [النحل: 103]
محاولة إسقاط هيبة النَّصِّ القرآني في نفوس الناس قديمةٌ قِدمَ الرسالة، فكم مرَّ على التاريخ من أشباه هؤلاء، وبقيت مكانةُ القرآنِ في النفوس كما هي! كيف يمكن لدى العقلاء لأعجميٍّ أن يأتيَ بمثل كتابٍ عربيٍّ قد عجَز أربابُ الفصاحة والبلاغة والبيان عن معارضته؟! |
﴿وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا ﴾ [الإسراء: 46]
الحرمان كلُّ الحرمان أن تُحرمَ القلوب لذَّةَ المعرفة بكتاب الله وأُنسَ القرب منه، فاستعذ بالله أن يُختمَ على قلبك. على المسلم أن يجلوَ مرآةَ قلبه من كلِّ قَتَر، لتبدوَ دلائلُ الآيات عليها واضحة، فيَحصُل له الفهم والاعتبار. إذا أردتَّ اختبارَ إيمانك فانظر كيف قلبُك عند تلقِّي الآيات والحديثِ عنها، أتجد شوقًا لسماعها أم نفورًا؟ |
﴿نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا ﴾ [الإسراء: 47]
ما لم يكن السماعُ لطلب الحقِّ، فهو سماعٌ لا ينفع، بل تقومُ على صاحبه به الحجَّة. لولا أن المشركين وجدوا في القرآن ما ليس لبشرٍ أن يأتيَ بمثله ما نسبوا قائلَه إلى السحر، ولكنَّهم أدركوا تميُّزَه وتفوُّقَه. |
﴿وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ﴾ [الإسراء: 105]
بالحقِّ نزل القرآن من السماء، وبالحقِّ وصل إلى الناس عن خير الأنبياء، حتى قام عليه الصلاة والسلام بتبشير مَن أطاعه بالجنَّة، وإنذار مَن عصاه بالنار، فما أحسنَ ما نزل! وما أجملَ ما بلَّغ رسول الله وفعل! |
﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ﴾ [الكهف: 110]
أعظمُ مزيَّةٍ للرسول ﷺ هي بعثته بالوحي والرِّسالة، وأعظم الوحي كلمةُ التوحيد، فمَن حقَّق التوحيد فقد كمُلت له أعلى مراتب البشرية للرسُل وعلى رأسهم محمد ﷺ. مَن آمن أنه قادم على أعظم لقاء وأهيبه، وهو لقاؤه بربه؛ فليُعدَّ للقائه عملًا صالحًا، وقلبًا موحدًا، لا الأمانيَّ والغرور. لا يقبلُ اللهُ من العمل إلا ما كان موافقًا لسنَّة نبيه ﷺ، ومرادًا به وجهُ الله الكريم، وما سوى ذلك فلا يرتضيه ولا يحبه، ولا يوصل إليه، ولا يثيب عليه. |
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمٗا لُّدّٗا ﴾ [مريم: 97]
بشائرُ القرآن تدعو المؤمنَ إلى أن يجِدَّ في سيره إلى الله، كما أن إنذاراته تنبه كلَّ غافل ألا يقع في منحدرات الخطيئة السحيقة. |
﴿لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 3]
النفوس الفارغة تلهو في أخطر المواقف، وتهزُل في مواطن الجد؛ إذا أتاها ذكرٌ من ربها استقبلته لاعبة، فلا وقارَ ولا تقديس. إذا أدمنَت القلوب ما هي عليه من الفساد، وسارت الأنفس في طريق الهزؤ واللعب؛ لن تنتفع بالعظات ولو تجدَّدت، ولن تتعظ بالذكرى وإن تعددت. استحضر قلبك، عند سماع الوحي، وتدبَّر آياته، فقد ذمَّ الله تعالى أقوامًا لم ينتفعوا به؛ إذ كانت قلوبهم لاهية عنه. لو سمع أتباعُ أهل الضلال ممن فيهم قليل من خير ما يحيكه أئمتهم من مكائد ومؤامرات عن الحقِّ وأهله ظلمًا وعدوانًا؛ لعرفوا خبثهم وانفضوا عنهم، فلأجل هذا أسرُّوا ذلك الجور والعدوان. لا ينفكُّ أهلُ الباطل يعترضون على الحقِّ بما ليس فيه معترَض، ويحتجون عليه بما ليس بحجة. فيا لَله العجب من قوم رأوا ما أعجزهم من مجيء القرآن، فلم يجوِّزوا أن يكون عن الله، وجزموا بأنه سحر المبطلين، وتلبيس المفسدين! |
﴿قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴾ [الأنبياء: 4]
لا يضرُّك أن تجهل ما الذي يُحاك لك من مكر وكيد، إذا كنت واثقًا بأن العليم الحكيم سبحانه وتعالى هو مَن يدافع عنك. سبحان مَن يسمع كل شيء، ويعلم كل شيء من القول وغيره، فهو يسمع سر أعدائه، ويُبطل مكرهم، ويسمع ما ينسُبه إليه خلقه من حق أو باطل، فيعامل كلًّا بما يستحق! |
﴿بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ ﴾ [الأنبياء: 5]
الآية تصويرٌ لمقدار ما أصاب المشككين من الحَيرة، وصورة لشاهد الزور إذا شعر بحرج موقفه كيف يتقلَّب يمينًا وشِمالًا، وكيف تتفرَّق به السُّبل في تصحيح افترائه، وذلك محال. كيف يطلبُ مشركو قريش آياتٍ على صدق رسول الله ﷺ من جنس ما كذَّب به الأوَّلون، وهم يكذِّبون بما هو أبلغ من تلك الآيات؟! |
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]
أين عقولُ المقترحين بأن يكون الرسول إليهم من الملائكة لا من البشر، وهم يعلمون في تاريخ مَن قبلهم أن الله لا يرسل إلا بشرًا؟! وهل تقتضي الحكمة إلا ذلك؟! المعروف بالجهل لا يُسأل، ولا يحق له أن يصدِّر نفسه للسؤال، بل ذلك لأهل العلم الموثوق بعلمهم وعدالتهم. |
﴿وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 16]
لو أراد الله من خلق السماء والأرض اللعب ما خلق جنة ولا نارًا، ولا جعل موتًا ولا بعثًا ولا حسابًا، ولو أراد اللهوَ ما اتخذه من هذه الدنيا التي لا تزن عنده جناحَ بعوضة، تعالى الله عمَّا يصفه الظالمون علوًّا كبيرًا. ما أسرعَ ما يمحق الحقُّ الباطلَ إذا ورد عليه! فحججُ الحقِّ لا تواجِه باطلًا إلا أردته وصرعته، ولا تُوضع على برهان للباطل إلا قطعته. ويل لمَن يصف اللهَ تعالى بما لا يليق به، ويتجرأ على نسبة شيء إلى ربه، لا تصِح نسبته إليه! فالكلمة في وصف الله أو أفعاله، والإضافة إليه بغير علم عظيمةُ الخطر. |
﴿لَوۡ أَرَدۡنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوٗا لَّٱتَّخَذۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَٰعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 17]
لو أراد الله من خلق السماء والأرض اللعب ما خلق جنة ولا نارًا، ولا جعل موتًا ولا بعثًا ولا حسابًا، ولو أراد اللهوَ ما اتخذه من هذه الدنيا التي لا تزن عنده جناحَ بعوضة، تعالى الله عمَّا يصفه الظالمون علوًّا كبيرًا. ما أسرعَ ما يمحق الحقُّ الباطلَ إذا ورد عليه! فحججُ الحقِّ لا تواجِه باطلًا إلا أردته وصرعته، ولا تُوضع على برهان للباطل إلا قطعته. ويل لمَن يصف اللهَ تعالى بما لا يليق به، ويتجرأ على نسبة شيء إلى ربه، لا تصِح نسبته إليه! فالكلمة في وصف الله أو أفعاله، والإضافة إليه بغير علم عظيمةُ الخطر. |
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]
ما أعظمَ هذه التزكيةَ وأعلى هذا التكريم من رب العالمين لرسوله الأمين عليه الصلاة والسلام! فما من أحدٍ من المكلفين إلا أصابته هذه الرحمة العامة. |
﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَا۠ لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ﴾ [الحج: 49]
مَن واجهَ دعوةَ الرسل بالتكذيب والاستهزاء واستعجال العذاب فهو إلى الإنذار أحوج منه إلى التبشير، ففي الإنذار ترهيبٌ يحجُز عن الاستمرار في الإصرار على تلك الخطايا. ليس بين الأنبياء وأقوامهم صراعاتٌ شخصية ليطلبوا النكاية بهم، ولا مصالح دنيوية ليتزلفوا إليهم، وإنما هم مبلِّغون ومنذِرون، فمَن آمن من قومهم فلنفسه، ومَن كفر فعليها. رزقُ الله الكريم الذي وعد به عباده المؤمنين وافرٌ، فما أسعد مَن ناله، وحقق في ظله آماله! |
﴿أَمۡ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢۚ بَلۡ جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ ﴾ [المؤمنون: 70]
عندما يَغشى القلوبَ ظلامُ رَين الباطل لا يمكنها قَبول فجر الحق، ومن ثَم تتهم الحق وحامله إليها بما تعرف كذبَها فيما تقول. مَن أراد الحقَّ فليغسل قلبَه من أدران كرهه من حسد أو حقد، فبعض المعرضين عن الحقِّ يمنعهم منه كرههم له، لا جهلهم به فالمانع لديهم قلبيٌّ إراديٌّ لا عقليٌّ علميّ. |
﴿وَإِنَّكَ لَتَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﴾ [المؤمنون: 73]
الأنبياء أنصح الخلق للخلق، فقد أرشدوهم إلى الصراط المستقيم الذي به نجاتهم في حاضرهم ومآلهم، دون أن يطمعوا في جاههم أو مالهم، فثواب الله عندهم أعظم من ذلك. في الخروج عن منهج الرسل الكرام ضياعٌ في المجاهل المُهلكة، والمسالك الوعْرة، فمَن أراد الوصول إلى المقصِد المأمول، فأقرب طريق إليه هو صراط الله المستقيم. |
﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]
ما أعظمَ بركاتِه سبحانه وتعالى، وما أوسعها وأكملَها وأكثرها! وما أسعدَ مَن يتدبَّر كتابه بها، وأقربه منها! إذا أردتَّ أن تعرفَ عظمة القرآن الكريم وبركته وقدْره وجلاله فاعرِف عظمةَ قائله ومُنزله وحافظه سبحانه وتعالى. القرآن العزيز يفرِّق بين الحقِّ والباطل، والهدى والضلال، ومناهج البشر وعهودهم، فما أهدى مَن اتَّبع هذا الكتابَ العظيم، في هذا التميُّز القويم! |
﴿وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 7]
المعاندون للحقِّ يبحثون عن حُجَّة تصرِفهم عن الحق، فهم يُعرِضون عنه لكون الرسول بشرًا، ولو جاءهم ملَكًا لقالوا هلَّا كان مثلَنا بشرًا لنقتديَ به! مَن ظنَّ أن النبوَّة لا يمكن أن تكونَ لبشر فقد جهل قيمةَ الإنسان وكرامته عند الله تعالى. |
﴿أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا ﴾ [الفرقان: 8]
ليس من شرط الهداية أن يكونَ داعيها غنيًّا، ولو كان كذلك لتبعَه بعض الناس من أجل غناه، لا من أجل هداه. لو كان الغنى محمودًا لذاته لاختاره الله لجميع خِيرة خلقه، فسلموا به من نبز أعدائهم لهم بفقده. |
﴿ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَٰلَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا ﴾ [الفرقان: 9]
يا صاحب الحق؛ إذا رأيت خصمك المبطل متخرِّصًا في حديثه، متناقضًا في حُججه، فليزدك ذلك طُمَأنينة إلى صحَّة طريقك وسلامة منهجك. |
﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا ﴾ [الفرقان: 10]
قضى الله بحكمته أن يكونَ إقبال الناس على الحقِّ مَبنيًّا على النظر والاستدلال، لا على ما يُلهي المشاعرَ والخيال بأنواع التشغيب والجدال. لو كانت الجنَّات والقصور خيرًا لرسول الله لأعطاها له، لكنَّ تكليفه بالنبوَّة ورعايته وهدايته، وتوفيقه لحلاوة مناجاته، والانشغال بطاعاته هي الخير الذي خصَّه الله به. |
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ﴾ [الفرقان: 56]
كان العلاء بن زياد يذكر النار، فقال له رجل: لِمَ تقنِّط الناس؟ فقال: إنكم تحبون أن تُبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم! وإنما بعث الله محمدًا ﷺ مبشرًا بالجنة لمَن أطاعه، ومنذرًا بالنار مَن عصاه. |
﴿قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا ﴾ [الفرقان: 57]
لا ينبغي أن ينظر الداعية إلى ما في أيدي الناس؛ فإن ذلك يفتح عليه باب القيل والقال. |
﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193]
الوحي روح القلوب وحياتها، وغذاء الأرواح ومادتها، وحملتُه إلى المكلفين أرواح كذلك لحملهم إياه. |
﴿عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 194]
نزل القرآن على القلب أشرفِ الأعضاء؛ ليستنهضَ بقيَّة الجوارح للتدبُّر والعمل، فمَن لم يحضرُ قلبه عند التلاوة أو السماع فلن ينتفعَ بالقرآن حقًّا. |
﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِيِّ إِذۡ قَضَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ﴾ [القصص: 44]
القرآن الكريم يثبت لرسول الله محمَّد عليه الصلاة والسلام صدقَ رسالته؛ إذ كيف يأتي بتفاصيل وحي الله لموسى عليه السلام وهو لم يحضُر مكانه، ولم يشهد زمانه؟ |
﴿وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ ﴾ [القصص: 45]
ما كان أشدَّ الحاجة إلى بعثة محمَّد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، حينما تطاول على الناس قبل زمانه العمر، وتمادى عليهم الأمد، فتغيَّرت الشرائع والأحكام، ونُسي الحلال والحرام! لم يكن رسول الله ﷺ في تلك البُقعة من الأرض ساعةَ الحدث، حتى أتى بتلك التفاصيل الصحيحة الدقيقة، ولكنَّه تنزيلُ العليم الخبير عليه. |
﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 46]
نزول الآيات بالإخبار عمَّن سبق مظهرٌ من مظاهر رحمة الله بهذه الأمَّة؛ لتسلكَ طريقَ الرشاد الموصل إلى النجاة، وتَحيدَ عن طريق التكذيب الذي يهلك سالكه، كما أهلك مَن قبله. لقد كانت قريشٌ والعرب أحوجَ الناس إلى الرسالة؛ إذ لم يسبق لهم تشريع، وكان نظامهم مختلًّا غير مَشوب بشريعة معصومة. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ﴾ [القصص: 85]
ما أحسنَ التطمينَ من الربِّ الكريم لرسوله الأمين بأنه سيعود إلى مكةَ بعدما أُخرج منها! ليشيرَ بذلك إلى نصره وعلوِّ دينه حين يتحقَّق وعده الذي وعده. إذا ما أدَّى داعي الحقِّ رسالة ربِّه وبيَّنها أتمَّ البيان وأوضحَه، فلم يرَ ممَّن دعاه إلا التماديَ في العِناد والمراء فلا أحسنَ من المتاركة على تفويض أمر الاهتداء والضلال إلى الله تعالى. |
﴿وَمَا كُنتَ تَرۡجُوٓاْ أَن يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبُ إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرٗا لِّلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [القصص: 86]
ما في القرآن من أوامرَ ونواهٍ وحكمٍ وعِبَر هي مظهرٌ من مظاهر رحمة الله بخلقه؛ لأنها تدعوهم إلى رضوانه والبعد عن معصيته. رحم الله رسوله بإنزال القرآن عليه؛ لأنه به أيَّده وأظهر حُجَّته، وبيَّن عجز مَن خاصمه وكذَّبه. من شُكر الله تعالى على نعمة هذا القرآن أن يعملَ المؤمن بما فيه، وألا يكونَ مُعينًا ولا ناصرًا لمَن يعاديه. |
﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَيۡكَۖ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ﴾ [القصص: 87]
على الداعي المؤمن أن يعلم أن طريق الدعوة إلى الحق محفوف بالصادين عنه، فلا يهُولنَّه ذلك، وليمض في تبليغ رسالة ربه التي ائتمنه عليها، فإن الله ناصره. |
﴿وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدۡ كَذَّبَ أُمَمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡۖ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ﴾ [العنكبوت: 18]
من كذَّب محمَّدًا عليه الصلاة والسلام فما هو بأولِ مَن كذَّب رسوله؛ فقد سبق المكذِّبَ مكذِّبون، فحلَّ بهم سخَط الله وعقابه، وعلى سَننهم تكون عقوبة مَن وافقهم في التكذيب. ليس على الرسول حسابُ قومه، وإنما عليه إيصالُ البلاغ المبين إليهم، فعلى مَن ورث الأنبياء في البلاغ أن يُبلِّغَ رسالتهم كما بلَّغوها، بنصاعتها وتمامها، من غير نقص ولا إخفاء ولا تغيير. مَن نظر في دين الله تعالى بعين التأمَّل وجده واضحًا بلا غموض، جليًّا بلا خفاء؛ لأن من مهمَّات الرسول البلاغَ المبين، وقد فعل عليه الصلاة والسلام. |
﴿فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ ﴾ [الروم: 52]
ما أشبهَ المعرضين عن سماع الوحي والانتفاع به والتأثُّر بما فيه بالأموات! حيثُ لا حياةَ للقلب، ولا إدراك للحقِّ، ولا إحساسَ بالنعمة، ولا خوفَ من النقمة. كيف يسمع الحقَّ مَن أصمَّ أذنيه عنه، فإذا زاد إلى ذلك الإدبارَ عنه وعدم الإصغاء إليه، فكيف سيكون حاله؟ |
﴿وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ ﴾ [الروم: 53]
حين تتعطَّل قنوات استقبال الحقِّ فأنى للمرء أن يهتديَ؛ إلا أن يشاء الله؟! |
﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ﴾ [الأحزاب: 40]
لمَّا نفى الله عن النبيِّ ﷺ تلك الأبوَّة، نوَّه بأن له قدرًا عاليًا، وهو شرف الرسالة والنبوَّة، بل إنه خاتم الأنبياء، وسيِّد المرسلين. بمحمد عليه الصلاة والسلام خُتمت النبوة؛ لأن الشرع الذي جاء به قد اشتمل على مصالح الناس في كل زمان وكل مكان، فما من فضيلة إلا جلَّاها، ولا مكرمة إلا أحياها. يعلم الله تعالى ما يصلح للبشرية وما يُصلحها، فيقضي للعباد بما فيه صلاحُهم من النظُم والشرائع والقوانين، وَفقَ رحمته وتخيُّره للمؤمنين. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ﴾ [الأحزاب: 45]
الداعية الناجح هو مَن يقدِّم البِشارةَ على النِّذارة، والترغيبَ على الترهيب، ما لم يستدعِ المقام خلاف ذلك. |
﴿وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا ﴾ [الأحزاب: 46]
على الداعية أن يعرِّفَ الناسَ اللهَ تعالى، وأسماءه الحسنى وصفاته العليا، ويدعوهم إليه وحده، لا إلى حظوظ نفسه ومصالح دنياه. ينبغي أن تكونَ الدعوة بإذن الله تعالى وبأمره، بلا ابتداع ولا نقصان عمَّا يرضاه. ما كان الناس قبل بعثة النبيِّ ﷺ إلا في ظُلمة حالكة، فلمَّا جاء الدنيا أضاءها وأنارها. |
﴿وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا ﴾ [الأحزاب: 48]
لا خيرَ للمؤمنين في طاعة الكافرين والمنافقين، فقد تكرَّر في السورة النهيُ عن ذلك مرَّتين، فليذكر المؤمن ذلك. الإعراض عمَّن يؤذي هو في غاية المشقَّة على النفس، لكن مَن استحضر الدواء وهو التوكل على الله تعالى هان ذلك عليه. |
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28]
إرسال الله تعالى رسوله ﷺ إلى الناس كافَّة يعني أن رسالته تصلُح لهم أينما كانوا، وفي أيِّ زمان وجدوا. يا دُعاة الحق، إن ما تحملونه من العلم والهدى هو للناس كافَّة، فاعملوا على إبلاغه قدرَ استطاعتكم، واجتهدوا في إيصاله لكلِّ الناس يعظُم ثوابكم. الجهل بما جاءت به النبوة من أعظم الآفات التي عدلت بأهلها عن طريق النجاة. |
﴿۞ قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ ﴾ [سبأ: 46]
مَن أراد الوصول إلى الحقِّ فليخلص له النيَّة، وليَصدُق فيه القصد، وليجتنَّب الهوى وحظَّ النفس والشيطان، فإن فعل ذلك فاز بالهدى. لو جُليت مرآةُ الفكر من غبار التقليد والكبر لاتضحت عليها صورة الحقيقة، فشهدت لمن تفكر بأن محمدًا ﷺ أصدق البشر وأعقلهم، وآمنهم وأنصحهم. لا تبادر إلى الحكم على الأشياء بحكم الجمِّ الغفير، بل زنها بميزان التفكير، فتخرجَ برأي قد مخضَه العقل، وأحكمته الرويَّة، فتعتنقه عن قناعة لا تهزُّها رياح العواطف أو المواقف. |
﴿قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٞ ﴾ [سبأ: 47]
يا مَن تعمل بما كلَّفك الله إيَّاه، اصبر حتى تنال أجرك ممَّن تعمل له، دون أن تنتظرَ من الناس شيئًا، فالعاقل لا يدَع عظيم فضل الربِّ ابتغاء ما بيد العباد. إن الله تعالى شاهدٌ بما عليه رسوله ﷺ من الحقِّ، وما عليه المشركون من الباطل، وسيؤيِّد نبيَّه الكريم ﷺ بالغلبة والنصر، وسيُلحق بأعدائه الهزيمة والقهر. |
﴿قُلۡ إِن ضَلَلۡتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفۡسِيۖ وَإِنِ ٱهۡتَدَيۡتُ فَبِمَا يُوحِيٓ إِلَيَّ رَبِّيٓۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٞ قَرِيبٞ ﴾ [سبأ: 50]
يعلِّمنا القرآن الردَّ بالرفق والنزاهة والحكمة، وتركَ ردِّ الشتيمة بمثلها. كلُّ ما هو وَبالٌ على النفس وضارٌّ بها فهو بسببها ومنها؛ لأنها الأمَّارة بالسوء، وكلُّ ما هو لها ممَّا ينفعها فبهداية ربِّها وتوفيقه إيَّاها. إذا كان هديُ المصطفى ﷺ إنما يحصُل بالوحي فما حجَّة مَن يرجو الهدايةَ بالآراء المختلفة والأقوال المضطربة؟ إن الله تعالى سميعٌ ما يقول عباده من الحقِّ والباطل، قريبٌ منهم، لا يخفى عنه من أقوالهم وأعمالهم شيء، وعلى ذلك يجازيهم عن علم. |
﴿وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ ﴾ [فاطر: 22]
كيف يستوي مؤمنٌ حيُّ الفكر والقلب والوِجدان، وكافرٌ ميت الفكر والفؤاد وسائرِ الأركان؟ إن المعرضين عن الحقِّ، المعاندين لدعوته، إن كانوا أحياءَ الأبدان، فإن قلوبهم فيها ميتةٌ لا حياة فيها، فكيف يصل صوتُ الحقِّ إلى مَن قد مات؟! |
﴿إِنۡ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 23]
قلوب الخلق بيد الخالق، فلن يستطيعَ منذرٌ هدايةَ ما ضلَّ منها، وإنما عليه أن يُسمعَها الحقَّ فقط. |
﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ ﴾ [فاطر: 24]
إن الحقَّ أمر عظيم، مَن حمله كان جزاؤه أن يبشَّر، ومَن تركه كان جزاؤه أن ينذَر، فلذلك كان التبشير والإنذار في حقيقته جزاءً. اقتضت رحمة الله تعالى بعباده ألا تخلوَ أمَّة منهم من نذير يحذِّرها عاقبةَ كفرها وضلالها. |
﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ ﴾ [فاطر: 25]
ما أعظمَ مقامَ رسول الله ﷺ عند ربِّه، وهو يبعد الغمَّ عنه! فإنه يُسلِّيه حين أعرض عن دعوته معرضون، بأن مَن قبله من الرسُل قد جرى لهم مثلُ ذلك. سبحان مَن قلوبُ العباد بيده! فقد جاءت لأقوامٍ معجزاتٌ مادِّية محسوسة، وآيات وبراهينُ عقليَّة مقنعة، ومع ذلك لم يؤمن أكثرهم! |
﴿ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [فاطر: 26]
من رحمة الله تعالى بعباده أنه يذكِّرهم بما أحلَّه بأهل نقمته؛ حتى يحذرَ من سلوك طريقهم الذي يؤول بسالكه إلى مآلهم. |
﴿وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ هُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِۦ لَخَبِيرُۢ بَصِيرٞ ﴾ [فاطر: 31]
القرآن الكريم هو الحقُّ الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه. إن هذا القرآن مصدِّقٌ لما في الكتب السابقة من الحقِّ، وموافقٌ لها فيما جاءت به من عند الله، فمَن كان مؤمنًا بتلك الكتب حقًّا فيلزمه الإيمانُ بهذا الكتاب العظيم. إن القرآن الكريم هو الحقُّ، وما فيه هو الحق؛ لأنه نزل من عند الله الخبير بعباده، العليم بمصالحهم. |
﴿إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ﴾ [يس: 3]
لو لم يكن لرسالة النبيِّ ﷺ دليلٌ ولا شاهدٌ إلا هذا القرآن، لكفى به دليلًا وشاهدًا على صدق الرسالة والرسول. |
﴿عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﴾ [يس: 4]
كتاب الله الحكيم دليلٌ على الصِّراط القويم، فما قبس المرء من ضيائه إلا وجد الاستقامةَ في عِبَره ومواعظه، وفي حِكَمه وأحكامه. طبيعة شريعة الإسلام السدادُ والاستقامة، فلا عِوَج فيها ولا انحناء، ولا انحراف ولا التواء، الحقُّ فيها واضحٌ وضوح الشمس في كبِد السماء. |
﴿تَنزِيلَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ [يس: 5]
أنزل الله القرآن رحمةً للعالمين، وبلاغًا إلى الحقِّ المبين، وحماه بعزَّته من التغيير، ومن كلِّ عبثٍ أو تبديل. |
﴿لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ ﴾ [يس: 6]
كثيرًا ما تحتاج القلوب المستغرقة في الغفلة إلى هِزَّة توقظها من سُباتها، وليس كالنذُر موقظٌ لها، ومن هنا كان نبيُّنا ﷺ مبشِّرًا ونذيرا. على الدعاة أن يتنبَّهوا في دعوتهم إلى سلوك سبيل الإنذار والتحذير، مع التبشير لا التنفير، فإنَّ النفوس إذا طال عليها الأمد نسيَت. |
﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مُنذِرٞۖ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ﴾ [ص: 65]
ليس عليكم أيُّها الدعاةُ هدايةُ الناس، ولكنَّ الله يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم، فاجتهدوا بالدعوة، وتسلَّحوا بالصبر، ودَعوا النتائج للواحد القهَّار. إن القهَّار لغيره على ما يريد، ومقدِّر الأقدار وَفْقَ ما يشاء، هو وحدَه المستحقُّ للتعظيم والعبادة، ولا ينبغي أن يُشرَكَ معه سواه. |
﴿إِن يُوحَىٰٓ إِلَيَّ إِلَّآ أَنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ ﴾ [ص: 70]
على المُعرضين عن النبأ العظيم أن يتدبَّروا بيانه المُبين عن صدقه بما أخبر به عن المغيَّبات؛ فإنما هو وحيٌ من الله فيه النِّذارة لهم، فليتعقَّلوا وليرجِعوا عن غَيِّهم وإعراضهم. لمَّا كان القرآن يهدي للتي هي أحسن من السبُل الموصلة إلى الفلاح، كان نبأ عظيمًا جديرًا بالاهتمام، ولكن ما أقلَّ المقبلين عليه والمنتفعين به! |
﴿قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]
ليحرِص الدعاة على الترفُّع عمَّا في أيدي الناس، ومخاطبتهم بمنطق الفِطرة القريب، من غير تكلُّف ولا تصنُّع. لعلَّ من أشنع التكلُّف أن يخوضَ المرء فيما لا علم له به، ومن هنا قال أبو موسى الأشعريُّ رضي الله عنه: (مَن علِم علمًا فليُعلِّمه، ولا يقولنَّ ما ليس له به علم؛ فيكونَ من المتكلِّفين). |
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلۡحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ﴾ [غافر: 78]
أرسل الله من الرسُل جمًّا غَفيرًا؛ أمروا بالمعروف ونهَوا عن المنكر، وصبروا على تكذيب أقوامهم وإيذائهم، وما أحسنَ أن يقتديَ بصبرهم المصلحون المخلصون! الرسُل عليهم الصلاة والسلام يدعون إلى ربِّهم، ويبلِّغون رسالته كما أراد منهم، وهو وحدَه الذي يؤيِّدهم بالمعجزات، والآيات الباهرات، التي يأتون بها أقوامهم، وليس في وُسع رسولٍ منهم أن يأتيَ بمعجزةٍ أرادها قومه منه؛ إلا بإذن الله تعالى. لا بدَّ من لحظةٍ فارقة يُقضى فيها بالحقِّ؛ فيعزُّ أهل التقوى والإيمان، ويذلُّ أهل الشرك والعصيان، أعاذنا الله من الخزي والخُسران. مهما ربح المبطلون في الدنيا من أعراضها، وتعزَّزوا على المؤمنين بسلطانهم وقوَّتهم فيها، فإن الخسارة الحقيقيَّة التي لا ربحَ بعدها تنتظرهم يوم القيامة بين يدَي الملك العظيم سبحانه وتعالى. |
﴿وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7]
إنزال القرآن على العرب بلغتهم فيه توجيهٌ للدعاة إلى ضرورة مخاطبة الناس بما يَعقِلون، وتبليغهم من الحقِّ ما يفهمون ويعون. على الداعي إلى الله أن يبدأ في الدعوة بأرضه التي يعيش فيها ما أمكنه ذلك، ثمَّ ينتقل عنها إلى ما حولها، وهكذا دعا رسولنا عليه الصلاة والسلام. |
﴿۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ ﴾ [الشورى: 51]
لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، يوحي من أمره ما شاء وكيف شاء، والعاقل مَن آمن بالوحي وعمل به، من غير أن يُجادلَ فيه أو يُماحك. إن العليَّ بذاته وأسمائه وصفاته لا يوحي لعباده إلا ما فيه سموُّهم وعلوُّهم، وإن الحكيم لا يشرِّع لخلقه إلا ما فيه نفعُهم وربحهم. |
﴿فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِيٓ أُوحِيَ إِلَيۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﴾ [الزخرف: 43]
الاستمساك بالوحي واتِّباعه هو مِعراجُ الوصول إلى خيرَي الدنيا والآخرة، ومَن كان كذلك فليطمئنَّ؛ فإنه على الطريق الراشد، والدرب القويم. إنْ علِمَ المؤمنُ وأيقنَ بأن هذا الصراطَ مستقيمٌ لا اعوجاج فيه، أورثه ذلك طُمَأنينةً وراحةً يواجه بها عوائق هذا الطريق. |
﴿وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الزخرف: 88]
يتبرَّأ المؤمن ممَّن عادى اللهَ وحارب دينه، فينصرف عنهم بعد أن بذل وُسعه، وأدَّى ما عليه في سبيل إيضاح الحقِّ لهم. |
﴿فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 89]
الصَّفْح هو العُدَّة التي لا بدَّ أن يحملَها الدعاة إلى الله، فإنهم سيواجهون في هذا الطريق ما تضيق به صدورُهم. في هذا وعيدٌ لمَن تنكَّب طريق الحقِّ، فإنه سيُعاين الحقائقَ يوم القيامة، لكنه يومئذٍ لن ينتفعَ بمعرفة علم أو إدراك حقيقة. |
﴿ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]
وضع الله المنهاجَ الذي اختاره لعباده، فأنزل أحكامه على رسوله ﷺ، لتَصلُح به حياة العباد، ويَسعَدوا به يوم المعاد، فيا فوز مَن اتَّبع ما اختاره الله له، ويا خسارة مَن أعرض عن ذلك. لا يمكن للمرء أن يَحصُلَ على الهداية إن كان بعيدًا عن الطريق الذي ارتضاه الله عزَّ وجلَّ، فأيُّ انحراف عنها فيه مَهلكة وشقاء. هناك طريقان؛ طريقُ الهدى، وطريق الهوى، فمَن حادَ عن شريعة ربِّه هلك في دروب الهوى والشهوات. مَن خالف الشريعةَ فقد انسلخ من كلِّ علم ومعرفة، فإن اتِّباع الهوى دليلٌ على جهل الإنسان بالمَقصِد الذي خُلق من أجله. |
﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ ﴾ [الأحقاف: 9]
كلُّ دعوات الأنبياء والرسُل من مِشكاة واحدة، والمؤمن يؤمن بهم كلِّهم، لا يفرِّق بين أحد منهم، فقد حملوا همَّ الدعوة، وأوصلوا رسالة ربِّهم للناس. يمضي الرسولُ في دعوته، مؤتمرًا بأوامر الله، غيرَ آبهٍ بما يقوله المعرضون، واثقًا بربِّه، مستسلمًا لإرادته، مطيعًا لتوجيهه، يضع خُطاه حيث قادها الله. |
﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ ﴾ [محمد: 2]
هيَّج ذكرُ النبيِّ ﷺ شوقَ المحبِّين له، المتمنِّين لرؤيته، فدفعهم ذلك الشوق إلى التمسُّك بنهجه والثبات على سُنَّته. لا يطمئنُّ قلب المرء، ولا يَحسُن حاله ما لم يَصلُح باله، فصلاح البال فيه استقامةُ الشعور، واطمئنانُ القلب، والتنعُّم في هذه الحياة. |
﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ﴾ [الفتح: 8]
ثلاثة أشياء بُعث لأجلها رسولُ الله: الشهادةُ على أمَّته بالبلاغ، وتبشير مَن أطاعه بكلِّ خير في الدنيا والآخرة، وإنذار مَن عصاه بكلِّ شرٍّ في دنياه وأخراه. فعلى الداعي إلى الله أن يبلِّغَ الناس البلاغ المبين، ويبشِّرَ الطائعين بالخير ترغيبا، وينذر المستمرِّين في العصيان ترهيبا. |
﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا ﴾ [الفتح: 28]
لا يستوي المسيرُ إلى الله إلا بكمال العلم والعمل، فعلمٌ بلا عملٍ يغُرُّ صاحبه، وعملٌ بلا علمٍ يُردي صاحبه. لو بحثتَ في مناهج الدنيا كلِّها فلن تجد منهجًا يسامي ما بُعث به النبيُّ ﷺ، فيقتضي ذلك أن يَسلُكه الناس ويلتزموه. ما من امرئ يتجرَّد من أهوائه، وينفكُّ عن معتقداته، فينظر في هذا الدين إلا أحبَّه؛ فإنه دينٌ يخاطب فِطرةَ الإنسان وطبعَه. |
﴿مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا ﴾ [الفتح: 29]
خلَّد الله ذكرَ الصحابة ورفع شأنهم؛ لأنهم ناصروا دينه، وآزروا نبيَّه ﷺ، فحقَّت لهم الرفعة، ووجب لهم الثناء. المنهج المستقيم في الولاء والبراء يتمثل بالشِّدَّة على الكافرين، والرحمة بالمؤمنين، فمَن عكسَ القضيَّة فقد خالف ما كان عليه الرسول وأصحابه. جمع الله لهؤلاء المؤمنين بين الشدَّة والرحمة؛ إيماءً إلى أصالة آرائهم وحكمة عقولهم، وأنهم يتصرَّفون في أخلاقهم وأعمالهم تصرُّفَ الحكمة والرُّشد، فلا تغلِب على نفوسهم مَحمَدةٌ دون أخرى، ولا يندفعون إلى العمل بالجِبِلَّة وعدم الرؤية. مَن انقطع إلى الله وصله الله، ومَن أراد صِلةً بمولاه فليلزم الصلاة، فهي مفتاح كلِّ خير، وأصل كلِّ سعادة. لم يكن يَشغَلهم عن ربِّهم بَهرَجُ هذه الدنيا، ولم يكونوا يسعَون لتحصيل زخارفها، بل أسمى غاياتهم رضوان ربِّهم. قال الإمام مالك: (مَن أصبح في قلبه غَيظٌ على أحد من أصحاب رسول الله ﷺ فقد أصابته الآية). لئن سبق السابقون بنصرة النبيِّ والوقوف معه، إن للاحقين بابًا يدركونهم منه إذا أحبُّوهم وقاموا بما قاموا به، والمرء مع مَن أحبَّ. |
﴿فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ﴾ [الذاريات: 50]
قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما: (فِرُّوا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم، فِرُّوا منه إليه، واعملوا بطاعته). ومن الفِرار إليه الفرارُ إلى وحيه وكتابه؛ تلاوةً وتدبُّرًا وعملًا. السعيد من فرَّ إلى الله بالإقبال على طاعته وشُكرانِه، والشقيُّ من فرَّ من الله بمعصيته وكُفرانِه. |
﴿فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ ﴾ [الطور: 29]
امضِ في سبيلك؛ مُستمسكًا بشرع الله معتزًّا به داعيًا إليه، ولا تعبأ بما يفتريه أعداء الأمَّة من التُّهَم الملفَّقة، والأكاذيب المنمَّقة. |
﴿أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ ﴾ [الطور: 30]
لئن كان الفجَّار المكذِّبون يترقَّبون هلاكَ الدعاة والمصلحين؛ إن الدعاة ليترقَّبون كذلك أن يحلَّ بالمكذِّبين وَعيدُ الله وتهديدُه، وشتَّان بين ترقُّب وترقُّب! |
﴿قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ ﴾ [الطور: 31]
لئن كان الفجَّار المكذِّبون يترقَّبون هلاكَ الدعاة والمصلحين؛ إن الدعاة ليترقَّبون كذلك أن يحلَّ بالمكذِّبين وَعيدُ الله وتهديدُه، وشتَّان بين ترقُّب وترقُّب! |
﴿وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ ﴾ [النجم: 1]
حتى النجومُ المرتفعةُ تهوي وتسقط، وتذهب وتضمحل، ويبقى وجهُ ربِّك ذو الجلال والإكرام. |
﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ ﴾ [النجم: 2]
إن الله يُدافع عن أوليائه وأهل طاعته، فاثبُت أيها المسلمُ على الحقِّ وامضِ في دعوتك، ولا تخشَ في الله لومةَ لائم. |
﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ﴾ [النجم: 3]
إذا ما جاهدَ المسلم نفسَه، وأخضع للحقِّ قلبَه، لم يصدُر في شيء من أقواله وأفعاله إلا عمَّا يحبُّه المولى ويرضى. |
﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ﴾ [النجم: 4]
مَن أطاعَ هواه، أضاعَ هُداه، فإمَّا اتِّباعُ الهدى، وإمَّا السقوطُ في الرَّدى. ما القرآنُ والسنَّة إلا وحيُ السماء لأهل الأرض؛ فيا لضلال مَن حادَ عنهما؛ اغترارًا بعقله وهوى نفسه! |
﴿عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ ﴾ [النجم: 5]
على قَدر أهل العزم تأتي العزائمُ، فلا ترضَ إلا أن تكونَ قويًّا في دينك، أمينًا في دعوتك، ذا عزيمة وهمَّة. |
﴿ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ ﴾ [النجم: 6]
على قَدر أهل العزم تأتي العزائمُ، فلا ترضَ إلا أن تكونَ قويًّا في دينك، أمينًا في دعوتك، ذا عزيمة وهمَّة. |
﴿لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ ﴾ [النجم: 18]
آياتُ الله أكبرُ من تكذيب المكذِّبين، وجَحد الجاحدين، وهي أظهرُ من أن تخطئَها العيونُ المبصرة، والقلوبُ المتبصِّرة، ولكن ما الحيلةُ في مَن عميَ فؤادُه؟! |
﴿هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦٓ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ﴾ [الحديد: 9]
ما أعظمَ رأفةَ الله بعباده ورحمتَه بهم! فقد أرسل إليهم من الأدلَّة ما يهديهم بها إلى سعادة دنياهم وآخرتهم، فله الحمدُ على واسع فضله. يؤتى الإنسانُ من البصيرة، وتُشرق نفسُه بأنوار الإيمان بمقدار ما يتدبَّرُ من آيات ربِّه، وما يتبصَّرُ بهداياتها، والعمل بها. |
﴿وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ﴾ [الصف: 6]
الحكمةُ في الدعوة تقتضي خطابَ المدعوِّين بما يستميلُ قلوبَهم ويستجلبُ نفوسَهم للحقِّ. كما أن ملَّة الكفر واحدة، فإن دعَوات أهل الحقِّ سواء؛ يوافق الخلَفُ منهم السَّلَف، ويصدِّق بعضُهم بعضًا. خصَّ الله خاتمَ أنبيائه بخصائصَ لم يؤتِها أحدًا من خَلقه، فاستحقَّ أن يكونَ محمَّدًا اسمًا ومعنًى؛ إذ هو أحمدُ الأخلاق والفِعال، محمودُ الشمائل والخِلال. سنَّة المعاندين للحقِّ واحدةٌ في تكذيب الأنبياء ووَصْم المصلحين، وعلى الدعاة الاستعدادُ لكلِّ تكذيب، والصبرُ على عقَبات الطريق. |
﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ﴾ [الصف: 9]
لقد أنجز الله عزَّ وجلَّ وعدَه؛ إذ لم يبقَ دينٌ من الأديانِ إلا وهو مغلوبٌ بدين الإسلام. تبقى قلوبُ المؤمنين الواثقين بوعد الله مطمئنَّه، مهما طال ليلُ الأمَّه، وازدادتِ المِحَن والغُمَّه. كيدوا أيها الكفَّارُ ما شئتم أن تكيدوا، أمَّا نحن فيقينُنا بما جاءنا عن رسولنا ﷺ لا يَشوبُه شكٌّ: «ليَبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ الليلُ والنهار، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليل، عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ وأهلَه، وذلًّا يذلُّ اللهُ به الكفرَ». |
﴿وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ [الجمعة: 3]
هذه الأمَّة موصولةُ الحلَقات، ممتدَّةٌ في شِعاب الأرض وفي شِعاب الزمان، تحمل الأمانةَ الكبرى، وتقوم على دين الله، خلَفًا عن سلَف. فضلُ الله برسالة محمَّد ﷺ شَمِلَ القرونَ السابقة واللاحقة، من الأوَّلين والآخرين. |
﴿إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]
ما أكثرَ المنافقين الذين يندسُّون في صفوف المؤمنين؛ ليُفسدوا بينهم، ويفتُّوا في عَضُدهم، ويشتِّتوا شملهم، فلنكن منهم على حذَر. ليس بعد شهادة الله شهادة، وقد شهد الحقُّ سبحانه للمنافقين بالكذب، فإيَّاكم وإحسانَ الظنِّ بهِم؛ لئلَّا تُؤتَوا من قِبَلهِم. ثلاثة مؤكِّدات في هذه الآية يأخذ بعضُها برقاب بعض؛ تحذيرًا من الله ربِّ العالمين، لعباده المؤمنين، من خطر النفاق والمنافقين. |
﴿أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا ﴾ [الطلاق: 10]
العقل السليمُ يوقن أن الذي أهلك القرونَ السابقة بكُفرهم وتكذيبهم يُهلك مَن بعدهم كما أهلكهم؛ لاشتراكهم بالفعل القبيح. إنما سُمِّي القرآن ذكرًا لما تضمَّنه من تذكير الناس بما هم عنه غافلون من التوحيد والتكليف، ولما فيه من وعدٍ لمَن تمسَّك به بالرِّفعة والشرف المُنيف! ما قيمةُ العقل الراجح إن لم يحجُز صاحبَه عن المحرَّمات والمنكرات، ولم يهدِه إلى المبرَّات والصالحات؟ شتَّانَ بين نور الوحي والعلم الذي جاء به النبيُّ ﷺ، وظلام الجهل والضَّلال، وشتَّان بين نورٍ في القلب يَهدي صاحبَه إلى الحقِّ، وظلامٍ يُعميه عن أوضح الحقائق وأظهر المسلَّمات. بطَلَ العذرُ والاعتذار مع قيام الحُجَّة على الخَلق؛ بإرسال كتاب مبيِّن للحلال والحرام، وللأمر والنهي، فهل من مدَّكر؟! لا تستصغر أيَّ عمل صالح مهما ضَؤُل، فلا تدري أيَّ عملك يكون لك نورًا تمشي به في الدنيا، وتجتاز به الصِّراطَ في الآخرة. من إكرام الله تعالى لأهل طاعته أنه ينعِّمهم في دار الخلود مع أحبابهم من ذرِّياتهم وإخوانهم، لتتمَّ لهم السعادةُ والسرور. |
﴿رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا ﴾ [الطلاق: 11]
العقل السليمُ يوقن أن الذي أهلك القرونَ السابقة بكُفرهم وتكذيبهم يُهلك مَن بعدهم كما أهلكهم؛ لاشتراكهم بالفعل القبيح. إنما سُمِّي القرآن ذكرًا لما تضمَّنه من تذكير الناس بما هم عنه غافلون من التوحيد والتكليف، ولما فيه من وعدٍ لمَن تمسَّك به بالرِّفعة والشرف المُنيف! ما قيمةُ العقل الراجح إن لم يحجُز صاحبَه عن المحرَّمات والمنكرات، ولم يهدِه إلى المبرَّات والصالحات؟ شتَّانَ بين نور الوحي والعلم الذي جاء به النبيُّ ﷺ، وظلام الجهل والضَّلال، وشتَّان بين نورٍ في القلب يَهدي صاحبَه إلى الحقِّ، وظلامٍ يُعميه عن أوضح الحقائق وأظهر المسلَّمات. بطَلَ العذرُ والاعتذار مع قيام الحُجَّة على الخَلق؛ بإرسال كتاب مبيِّن للحلال والحرام، وللأمر والنهي، فهل من مدَّكر؟! لا تستصغر أيَّ عمل صالح مهما ضَؤُل، فلا تدري أيَّ عملك يكون لك نورًا تمشي به في الدنيا، وتجتاز به الصِّراطَ في الآخرة. من إكرام الله تعالى لأهل طاعته أنه ينعِّمهم في دار الخلود مع أحبابهم من ذرِّياتهم وإخوانهم، لتتمَّ لهم السعادةُ والسرور. |
﴿قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡعِلۡمُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ﴾ [الملك: 26]
اختصَّ الله ذاتَه العليَّة بعلم الساعة، وإن إيمان العبد بذلك يُريحه من متاهات الظنون، فلا يصدِّق مَن يدَّعي العلمَ بنهاية العالم، ويدرك أنه كذَّاب أَشِر! لو شاء الله أن يُطلعَنا على موعد القيامة لأطلعَنا، ولكنَّه غيَّبه عنَّا لحكم جليلة؛ فلنبقَ دائمًا على أُهبة الاستعداد لذلك اليوم العظيم. |
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ﴾ [القلم: 4]
سُئلت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها عن خُلق رسول الله ﷺ، فقالت: (كان خُلُقه القرآن) أي: بما تضمَّنه من حثٍّ على المحاسن وتنفيرٍ من المساوي. كان نبيُّنا ﷺ مهتديًا بهدي الله تعالى؛ بتنزيه علمه عن الجهل، وجُوده عن البخل، وعدله عن الظُّلم، وحِلمه عن الطَّيش، وما أحرانا أن نهتديَ بهديه. |
﴿أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ ﴾ [القلم: 47]
تنزيهُ الدعوة عن مكاسب الدنيا وأطماعها العاجلة ضمانٌ لنجاحها، وتحقيق مآربها. ما قولك فيمَن يُنكر غيبَ السماء ويطعُن به، ثم ينسِجُ من أهوائه وأوهامه وأساطير الأوَّلين غيبًا يركن إليه؟! |
﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [القلم: 52]
دعوتنا دعوةٌ عالميَّة، وهذا يقتضي منَّا اتِّباعَ أرقى وسائل الحكمة في الدعوة، مع مراعاة تبايُن الشعوب واختلاف ألسنتها وثقافاتها. كيف يوصَف بالجنون من أُرسل بهذا الذِّكر الكامل والشريعة المحكَمة التي لا يحتملُ عِبءَ تبليغها إلا مَن كان أعقلَ الناس وأرجحَهم رأيًا؟ لكنَّه العِناد الذي يحمل صاحبَه على قول المتناقضات. |
﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ رَسُولٗا شَٰهِدًا عَلَيۡكُمۡ كَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ رَسُولٗا ﴾ [المزمل: 15]
في يوم القيامة يشهد رسولُ الله ﷺ للمؤمنين بالإيمان، ويشهد على الكفَّار بالعصيان، فكيف تحبُّ أن تكونَ شهادتُه فيك؟ لنا فيمَن مضى عِظةٌ وعبرة؛ فكلُّ مَن كذَّب نبيَّه ولم يستجب لدعوته ونُصحِه استحقَّ سخطَ الله وعذابَه، ﴿وما ربُّك بظلَّامٍ للعَبيد﴾ . |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1]
في نداء المرء ومخاطبته بحسَب الحالة المتلبِّس بها تلطُّفٌ وتحبُّب، فما أحسنَ أن نتلطَّفَ مع أهلينا، ونتحبَّبَ إلى إخواننا بما يسرُّهم من خطاب! |
﴿قُمۡ فَأَنذِرۡ ﴾ [المدثر: 2]
إذا علمتَ أيها المسلمُ أن هذه الآيةَ من أوَّل ما نزل من القرآن، أدركتَ أهميَّةَ الدعوة إلى الله، فهلَّا شمَّرت عن ساعد الدأَبِ في الدعوة بحالك ومقالك! |
﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا ﴾ [النازعات: 45]
مِن عمل الأنبياء والمرسلين التذكيرُ بالآخرة، وما أحرانا أن ننسجَ على نولهم ونقتفيَ آثارهم. |
﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]
الصِّلة بين الدِّين والعلم وثيقةٌ جدًّا، كيف لا وأوَّل آيةٍ أُنزلت على سيِّد الأنام تدعو إلى القراءة والعلم؟ افتُتحَت السورة بالأمر بالقراءة باسم الله، وخُتمت بالأمر بالسُّجود؛ لأنَّ القراءة مفتاحٌ للوصول إلى العلم بالله وعبادته. |
﴿خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 2]
إن الذي خلقك من عَلَقةٍ صغيرة، ثم كمَّلك صورةً وخِلقة، هو الذي يأمرُك أن تقرأَ لتكتملَ عقلًا وعلمًا. |
﴿ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ﴾ [العلق: 3]
ذكرُ الكرم الربَّانيِّ إشارةٌ لطالب العلم أنَّ الله سيُعينه ويذلِّل له العقَباتِ في طريق التعلُّم، وما عليه إلا أن ينطلقَ، وسيُفاجأ بعد ذلك بروعة النتائج. إذا وضعتَ القلمَ على القِرطاس فنتجَ منهما أصنافُ العلوم، فتأمَّل مَن الذي أجرى المعانيَ على قلبك، وأجرى العباراتِ الدالَّةَ عليها على لسانك وبنانك؟! |
﴿ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ﴾ [العلق: 4]
ذكرُ الكرم الربَّانيِّ إشارةٌ لطالب العلم أنَّ الله سيُعينه ويذلِّل له العقَباتِ في طريق التعلُّم، وما عليه إلا أن ينطلقَ، وسيُفاجأ بعد ذلك بروعة النتائج. إذا وضعتَ القلمَ على القِرطاس فنتجَ منهما أصنافُ العلوم، فتأمَّل مَن الذي أجرى المعانيَ على قلبك، وأجرى العباراتِ الدالَّةَ عليها على لسانك وبنانك؟! |
﴿عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ ﴾ [العلق: 5]
ذكرُ الكرم الربَّانيِّ إشارةٌ لطالب العلم أنَّ الله سيُعينه ويذلِّل له العقَباتِ في طريق التعلُّم، وما عليه إلا أن ينطلقَ، وسيُفاجأ بعد ذلك بروعة النتائج. إذا وضعتَ القلمَ على القِرطاس فنتجَ منهما أصنافُ العلوم، فتأمَّل مَن الذي أجرى المعانيَ على قلبك، وأجرى العباراتِ الدالَّةَ عليها على لسانك وبنانك؟! |
﴿رَسُولٞ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَةٗ ﴾ [البينة: 2]
هذا رسولكم أيها المسلمون، جعله الله حُجَّةً واضحةً على العالمين، فحذارِ أن تحيدوا عن صراطِه، فإنكم أولى الناس به وبرسالتِه. حريٌّ بنا أن نُقبلَ على كتاب ربِّنا تلاوةً وفهمًا وتدبُّرًا وحفظًا، فهو كتابٌ عظيم طهَّره الله من الكذب والباطل، ومن التحريف والتبديل. |
﴿فِيهَا كُتُبٞ قَيِّمَةٞ ﴾ [البينة: 3]
من تطهير الله لكتابه أن جعله أخبارًا صادقة، وأحكامًا عادلة، وحُجَجًا بيِّنات، وآياتٍ واضحات، فيا خُسرَ من اتَّخذَ هذا القرآنَ مهجورًا! |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
المجادلة بالتي هي أحسن عقاب اليهود الصحة النفسية الحض على الصلاة في وقتها ضرب الأمثال الرجاء بالله المجتمع تناقل الاشاعات مقابلة السيئة بالحسنة حكم الامتناع عن الشهادة
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Thursday, November 21, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب