نهي النبي عن خاتم الذهب والحرير والإستبرق والديباج

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه، وفيه يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم جملة من المحرمات على الرجال من أمور اللباس والفراش والآنية، تنزيهاً لهم وتشريفاً، وتمييزاً لهم عن النساء، وعن عادات الكفار والمترفين.

---

أولاً. شرح المفردات:

● خاتم الذهب أو حلقة الذهب: المقصود بهما لبس الذهب للرجال، سواء كان خاتماً أو أي حلقة مصنوعة منه.
● الحرير: هو النسيج الرقيق الفاخر الذي يُصنع من دودة القز.
● الإستبرق: هو الحرير الغليظ السميك، الذي فيه بريق ولمعان.
● الديباج: هو نوع فاخر من الحرير، often ما يكون منسوجاً بخيوط الذهب أو الفضة، أو هو الحرير المطرز.
● الميثرة الحمراء: هي وسادة أو وطاء (فراش صغير) يُجعل على الرحل للراكب، وكانت تصنع من الحرير أو الجلد المصبوغ باللون الأحمر القاني، وهو زينة وفخر.
● القسي: جمع قَسّوة، وهي البُرد (كساء) الذي فيه خطوط أو أعلام من الحرير.
● آنية الفضة: هي الأوعية والأواني التي تُصنع من الفضة، كالأكواب والصحون وغيرها.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبر الصحابي البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن هذه الأمور السبعة، والتي تدخل في باب الزينة والترف، وجعلها محرمة عليهم تحريماً قاطعاً، وذلك للأسباب التالية:
1- خاتم (أو حلقة) الذهب: يحرم على الرجال لبس الذهب بأي شكل كان، سواء خاتماً أو ساعة أو سلسلة، وهذا بالإجماع. أما النساء فحلال لهن ذلك. والحكمة من تحريمه على الرجال: أنه زينة women، والتشبه بهن محرم، وكذلك لأنه من مظاهر الترف والتأنق المذموم في الرجال.
2. و3. و4- الحرير، والإستبرق، والديباج: يحرم على الرجال لبس هذه الأنسجة الفاخرة إذا كانت خالصة (أي مصنوعة من الحرير فقط). وأما إذا كانت ممزوجة بغيره (كالقطن أو الصوف) بنسبة قليلة من الحرير، ففيها خلاف بين العلماء، والأحوط تركها. والحكمة من التحريم: أنها تليق بالنساء، وتُذهب بالخشونة والرجولة التي يجب أن يتحلى بها الرجل، كما أنها من مظاهر الترف والبطر.
5- الميثرة الحمراء: النهي عنها لسببين: الأول: أنها كانت تصنع من الحرير المحرم. الثاني: أن اللون الأحمر القاني كان لون شعار وعظمة لدى بعض الأمم غير المسلمة، فنهى عنه لئلا يُتشبه بهم.
6- القسي: وهي الأكسية المخططة بالحرير، النهي عنها لاشتمالها على الحرير المحرم، ولأنها من زينة أهل الكبر والترف.
7- آنية الفضة: يحرم على الرجل والمرأة على السواء الأكل والشرب في أواني الفضة (والذهب من باب أولى)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة). والحكمة: الإسراف والتبذير، والتشبه بالطغاة والمترفين، وحسمًا لأسباب الكبر والخيلاء.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- تمييز الرجال عن النساء: من حكمة الشريعة الإسلامية أنها فرقت بين الرجال والwomen في اللباس والزينة، فحرمت على الرجل ما أباحته للمرأة، حفظاً للفطرة وتمييزاً للأدوار.
2- الترفع عن مظاهر الترف والبذخ: الإسلام يربي أتباعه على القناعة والخشونة والاستعداد للجهاد، وينهاهم عن الترف المذموم الذي يورث الضعف والخور.
3- تحريم التشبه بأعداء الله: النهي عن الميثرة الحمراء يدل على تحريم التشبه بالكفار في عاداتهم وشعاراتهم.
4- تحريم الإسراف والتبذير: النهي عن آنية الذهب والفضة يدل على تحريم إضاعة المال في الكماليات والزخارف غير المفيدة.
5- سمو الأخلاق الإسلامية: هذه المحرمات تربي في المسلم العزة والكرامة، وتبعد عنه مظاهر الميوعة والضعف.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هناك استثناءات من تحريم الحرير للرجال لأسباب طبية، كحكة الجلد أو وجود أكلة، لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للزبير وعبدالرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة كانت بهما.
- يجوز للرجال استخدام الحرير في غير اللبس، كالستائر أو الوسائد، إن لم يكن فيه إسراف.
- إذا كان الثوب مشتملاً على نسبة يسيرة من الحرير (كـ 5% أو أقل) للتقوية، فذهب كثير من المعاصرين إلى الجواز، ولكن الأولى تركها احتياطاً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.