نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وأجر الكاهن وكسب الحجام

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإني أسعد بتوضيح هذا الحديث النبوي الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، والذي ينهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أربعة أنواع من الكسب الخبيث المحرم. وإليك الشرح الوافي:

---

الحديث:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وأجر الكاهن، وكسب الحجام."

---

1. شرح المفردات:

● نهى: أي حَرَّمَ وأمر بالترك.
● ثمن الكلب: الثمن هو المال المُعطَى في البيع، والمراد هنا: المال الذي يُأخَذ مقابل بيع الكلب.
● مهر البغي: المهر هو المال الذي يُدفع للمرأة في الزواج، والبغي هي الزانية، فالمقصود: المال الذي تأخذه الزانية مقابل فعل الفاحشة.
● أجر الكاهن: الأجر هو العوض أو المال المُعطَى مقابل خدمة، والكاهن هو الذي يدعي معرفة الغيب أو يتعاطى السحر والعرافة.
● كسب الحجام: الكسب هو ما يحصل عليه الإنسان من مال، والحجام هو الذي يمتص الدم الفاسد من الجسم بالشرط أو بالمحاجم.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث جمع فيه أربعة أنواع من المكاسب المحرمة التي لا يحل لأحد أن يأكلها أو يتعامل بها، وذلك لخبثها وضررها على الفرد والمجتمع.
● نهى عن ثمن الكلب:
- الكلب في الأصل ليس من الحيوانات التي يُباح بيعها عند جمهور العلماء، إلا ما استثني منه ككلب الصيد أو الحراسة أو الماشية، لكن الثمن هنا يشمل بيع الكلب مطلقًا إذا كان غير معفو عنه، أو إذا كان البيع لأجل الترفيه أو القمار (كبيع كلب القمار). والنهي هنا لأن ثمنه خبيث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثمن الكلب خبيث" (رواه مسلم). وهذا يدل على تحريم الاتجار بالكلاب إلا فيما أباحه الشارع.
● ومهر البغي:
- المقصود المال الذي تأخذه المرأة مقابل الزنا، وهو حرام بالإجماع لأنه عوض عن معصية وفاحشة. والزنا من الكبائر، فلا يجوز أن يكون وسيلة لكسب المال، بل يجب على المرء أن يتوب من هذا الفعل ويبتعد عن كل ما يؤدي إليه.
● وأجر الكاهن:
- الكاهن هو الذي يدعي علم الغيب، أو يتعاطى السحر والعرافة، وهو من الكهانة المحرمة التي فيها ادعاء مشاركة الله في علمه، قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]. فأخذ المال مقابل هذه الدعاوى الباطلة حرام، لأنه مال اكتسب بالباطل والكذب والشرك.
● وكسب الحجام:
- اختلف العلماء في المراد بـ "كسب الحجام"، والأظهر – والله أعلم – أن النهي هنا منسوخ أو خاص بحالة معينة، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره (رواه البخاري)، مما يدل على إباحة أجر الحجامة في الأصل. فالقول الراجح أن النهي هنا كان في أول الإسلام ثم نُسخ، أو أن النهي عن كسب الحجام إذا كان يعمل بالربا أو بطرق محرمة، أو إذا كان يختلط بكسب خبيث. وعلى كل حال، فالأصل في أجر الحجامة الحل إذا كانت بالطريقة المشروعة.

---

3. الدروس المستفادة منه:

- تحريم الكسب الخبيث الذي يكون عن طريق المحرمات أو الضرر بالآخرين.
- التأكيد على طهارة المال وأن المسلم يجب أن يتحرى الحلال في مكاسبه.
- النهي عن الانشغال بالكلاب إلا لما أباحه الشرع، كالصيد والحراسة.
- تحريم كل ما يتعلق بالزنا والفساد الأخلاقي، ومن ذلك المال المكتسب منه.
- التحذير من الكهانة والسحر والدجل، وأنها من الأمور التي توقع في الشرك والضلال.
- أهمية مراجعة الأحاديث وفهمها في ضوء النصوص الأخرى، كما في حالة كسب الحجام، لئلا يُفهم النهي على إطلاقه.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه البخاري (2237) ومسلم (1568) وغيرهما.
- بعض العلماء قالوا: إن النهي عن كسب الحجام منسوخ بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجره.
- الكسب الحرام يؤدي إلى عدم بركة المال، وإلى العقوبة في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: "أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به" (رواه الطبراني وهو حسن).
- على المسلم أن يتحرى الحلال في مطعمه وملبسه وكسبه، ليكون عبادته مقبولة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" (رواه الطبراني).
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته، وأن يرزقنا الحلال الطيب، ويبعدنا عن الحرام والخبيث. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.