اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها

حديث: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها

عن جابر بن عبد اللَّه، أن رجلًا أتى رسول اللَّه ﷺ فقال: «إن لي جارية هي خادمنا وسانيتُنا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل؟ فقال: «اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدّر لها«فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت؟ فقال: «قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدّر لها».

صحيح: رواه مسلم في النكاح (١٤٣٩) عن أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، حدثنا زهير، أخبرنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من صحيح مسلم، يحمل مسألة فقهية مهمة تتعلق بجانب من جوانب الحياة الزوجية، مع توجيه نبوي كريم في التعامل مع القَدَر.

أولاً. شرح المفردات:

● سانيتنا: أي التي تسقي الماء لنا، من السَّقْي.
● أطوف عليها: أي أجامعها (الوطء).
● أكره أن تحمل: أي أخشى أو أتخوف من حدوث الحمل لها.
● اعزل عنها: العزل هو أن يجامع الرجل زوجته أو جاريته ثم يُنزِى ماءه خارج الرحم بعد الجماع، بقصد منع الحمل.
● ما قدّر لها: أي ما كتبه الله وقضاه في اللوح المحفوظ من رزقٍ وعمرٍ وأولاد.

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في أمر جاريته (أمته التي يملكها)، وكانت هذه الجارية تقوم على خدمتهم وسقيهم الماء. وكان الرجل يطؤها (يجامعها) ولكنه كان يخشى أن تحمل منه، ربما خشية المسؤولية أو تكاليف النفقة أو لأي سبب آخر.
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم جواباً فيه تيسير وتخفيف، فقال: «اعزل عنها إن شئت». وهذا إشارة إلى جواز العزل، أي منع نزول المني في الرحم بقصد منع الحمل، إذا كان هناك حاجة أو مصلحة.
ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الجواب بحكمة عظيمة تذكر العبد بقدرة الله تعالى وسعة علمه، فقال: «فإنه سيأتيها ما قدّر لها». أي أن الحمل والرزق والأولاد كلها أمور مقدرة من الله تعالى، لا تتوقف على مجرد فعل الإنسان أو تركه. فلو قُدِّر لهذا المرأة أن تحمل، فستحمل ولو بعزل، ولو لم يُقدر لها ذلك فلن تحمل ولو لم يعزل.
وبعد فترة، عاد الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن جاريته قد حملت على الرغم من فعله للعزل. فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم مؤكداً الحكمة السابقة ومذكراً إياه بقدر الله: «قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدّر لها». أي أن ما حدث هو تحقيق لما أخبرك به سابقاً من أن الأمور كلها بيد الله وتقديره.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- جواز العزل: ذهب جمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) إلى جواز العزل إذا كان بإذن الزوجة (في حالة الزوجة الحرة) لما فيه من حق لها في الاستمتاع والنسل. أما في حق الجارية (الأمة) فيجوز بغير إذنها لأن حق السيد فيها أوسع. والجواز مشروط بعدم وجود ضرر.
2- الإيمان بالقضاء والقدر: الحديث درس عميق في الإيمان بقدر الله النافذ، وأن الأرزاق والآجال والأولاد مقدرة لا تتقدم ولا تتأخر عن وقتها المعلوم عند الله. فمهما احتاط الإنسان، فإن ما كتبه الله سيقع.
3- التيسير ورفع الحرج: جاء جواب النبي صلى الله عليه وسلم مُيَسِّراً وغير مُنَكِّر على الرجل رغبته في منع الحمل، مما يدل على مراعاة الشريعة للظروف والأحوال المختلفة للناس.
4- التذكير بحكمة الله: كان رد النبي صلى الله عليه وسلم تذكيراً للرجل – وللأمة كلها – بأن المشيئة البشرية محدودة، والمشيئة الإلهية هي النافذة. وهذا يزرع في القلب التوكل على الله والرضا بقضائه.
5- الفصل بين الأحكام الشرية والتقدير الإلهي: الشرع أباح للعبد الأخذ بالأسباب (كالعزل)، ولكن عليه أن يتذكر أن النتيجة النهائية هي بيد الله تعالى وحده. فلا ينبغي أن يغتر بعمله أو يحزن إذا لم تحصل النتيجة كما أراد.

رابعاً. معلومات إضافية:

- العزل هو أحد وسائل منع الحمل القديمة والمعروفة.
- الفقهاء اختلفوا في حكمه على عدة أقوال (منها الكراهة، والجواز المطلق، والجواز بشرط)، ولكن القول بالجواز (مع الشروط) هو الراجح لقوة أدلته، وهذا الحديث من أقواها.
- المقصود بـ "ما قدّر لها" في الحديث هو الحمل والولد، وهو من الرزق الذي كتبه الله تعالى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في النكاح (١٤٣٩) عن أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، حدثنا زهير، أخبرنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه فذكره.
وفي رواية»إن ذلك لن يمنع شيئًا أراده اللَّه«قال: فجاء الرجل فقال: يا رسول اللَّه، إن الجارية التي كنت ذكرتها لك حملت. فقال رسول اللَّه ﷺ: «أنا عبد اللَّه ورسوله».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 181 من أصل 360 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها

📜 حديث: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية