حديث: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب الزَّجر عن النَّظر في كتب أهل الكتاب
حسن: رواه البزّار - (كشف الأستار - ١٢٤) -، عن عبد الواحد بن غياث، أنا حمّاد بن زيد، ثنا خالد، حدّثني عامر، ثنا جابر، فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: نَسَخَ عُمَرُ كِتَابًا مِنَ التَّوْرَاةِ بِالعَرَبِيَّةِ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ! أَلَا تَرَى وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، وَاللَّهُ! لَوْ كَانَ مُوسَى بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي».
(رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حسن)
1. شرح المفردات:
● نَسَخَ: كتبه واقتبسه.
● كِتَابًا مِنَ التَّوْرَاةِ: جزءًا أو صحيفة من التوراة، الكتاب الذي أنزله الله على موسى عليه السلام.
● وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا يَتَغَيَّرُ: لم تظهر على وجهه الكريم ﷺ علامات الاستحسان أو الرضا عما يسمع، بل بقي متحفظًا.
● وَيْحَكَ: كلمة تقال للتحذير والإنكار، وتعني هنا: "احذر" أو "وا أسفاه".
● لَنْ يَهْدُوكُمْ: لن يرشدوكم إلى الطريق الصحيح.
● ضَلُّوا: حادوا عن طريق الحق.
● تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ: أن تنكروا شيئًا صحيحًا موجودًا في كتبهم.
● تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ: أن تقبلوا شيئًا كاذبًا أو محرفًا.
● مَا حَلَّ لَهُ: ما جاز له أو ما كان مسموحًا له به.
2. المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بدافع غيرته على الدين ورغبته في المعرفة، كتب نصًا من التوراة باللغة العربية وأتى به إلى النبي ﷺ ليقرأه عليه. فأخذ عمر يقرأ والنبي ﷺ يصغي إليه، لكن لم تظهر على محيّاه الشريف أي علامة ترحيب أو قبول لما يسمع.
لاحظ أحد الأنصار هذا الصمت والتحفظ في تعبيرات وجه النبي ﷺ، فنبه عمر إلى ذلك تحذيرًا له. عندها تدخل النبي ﷺ ووضح الموقف، ناهيًا أصحابه عن سؤال أهل الكتاب (اليهود والنصارى) أو الأخذ عن كتبهم المحرفة. وبيّن سبب هذا النهي، وهو أنهم قد ضلوا عن الدين الصحيح، وأن مخالطتهم والاستعانة بكتبهم تؤدي حتمًا إلى أحد أمرين: إما تكذيب حق، أو تصديق باطل. ثم ختم ﷺ حديثه بتأكيد عظمة شريعته ونسخها لما قبلها، حتى لو كان نبي الله موسى حاضرًا بينهم، لكان فرضًا عليه اتباع النبي محمد ﷺ.
3. الدروس المستفادة والعبر:
1- تحذير شديد من الرجوع إلى كتب أهل الكتاب المحرفة: ينهى النبي ﷺ المسلمين عن الاستعانة بكتب اليهود والنصارى (التوراة والإنجيل الحاليين) في أمور دينهم، لأنها قد حُرِّفت واختلط فيها الحق بالباطل. فالمسلم يستقي عقيدته وشريعته من القرآن والسنة الصحيحة فقط.
2- بيان علة النهي: لا يُنهى عن شيء إلا لضرره. والضرر هنا مزدوج:
* تكذيب الحق: فقد يكون في كتبهم شيء من الحق الذي لم يحرف، فإذا كذبه المسلم لظنه أنه من تحريفهم، يكون قد كذب بحق.
* تصديق الباطل: وهو الأكثر، حيث يصدق المسلم بالأكاذيب والتحريفات التي أدخلوها على كتبهم.
3- نسخ الشرائع السابقة بشريعة الإسلام: الحديث يقرر مبدأً عظيمًا وهو أن شريعة النبي محمد ﷺ ناسخة لكل ما قبلها من شرائع. فما جاء في الكتب السابقة إن وافق القرآن فهو حق نؤمن به، وإن خالفه فهو إما منسوخ أو محرف. وقوله ﷺ: «وَاللَّهُ! لَوْ كَانَ مُوسَى بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي» دليل قاطع على ذلك.
4- فقه الصحابة وحسن أدبهم: نرى حرص الأنصاري على مشاعر النبي ﷺ وتغير أحواله، ونرى سرعة استجابة عمر رضي الله عنهما للتوجيه، مما يدل على حرصهم الشديد على مرضاة الله ورسوله.
5- النية الحسنة لا تُغني عن الاتباع الصحيح: عمر رضي الله عنه فعل ذلك بدافع الخير والرغبة في العلم، لكن الطريقة لم تكن مشروعة، فنبّهه النبي ﷺ إلى الطريق الصحيح. فالعمل يجب أن يكون صحيحًا ومتوافقًا مع الشرع، وليس مجرد نية حسنة
تخريج الحديث
وإسناده حسن، رجاله ثقات غير خالد وهو ابن سعيد بن سلمة المخزوميّ -المشهور بالفأفاء- فهو صدوق.
وتابعه في هذا الحديث مجالد بن سعيد وهو الحديث الآتي: عن جابر بن عبد اللَّه، أن عمر بن الخطّاب، أتى النبيّ ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه على النبيّ ﷺ فغضب وقال: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطّاب! والذي نفسي بيده! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده! لو أن موسى كان حيا، ما وسعه إِلَّا أن يتبعني».
حسن: رواه الإمام أحمد (١٥١٥٦)، وابن أبي شيبة (٢٦٩٤٩)، والبزّار -كشف الأستار- (١٢٤)، كلّهم من طرق عن هشيم بن بشير، أخبرنا مجالد، عن الشعبيّ، عن جابر بن عبد اللَّه فذكره. والسياق لأحمد.
ورواه أحمد (١٤٦٣١)، وأبو يعلى (٢١٣٥) كلاهما من طريق حمّاد بن زيد، عن مجالد به المرفوع فقط.
وإسناده حسن من أجل مجالد بن سعيد فإنه -وإنْ كان لين الحديث- فقد قال ابن مهدي: «حديث مجالد عند الأحداث وأبي أسامة ليس بشيء، ولكن حديث شعبة، وحماد بن زيد، وهشيم وهؤلاء القدماء».
يعني أنه تغير حفظه في آخر عمره، يعني هؤلاء رووا عنه قبل تغيره.
وقال ابن عدي: «له عن الشعبيّ، عن جابر أحاديث صالحة».
قال الأعظمي: وهذا الحديث مما رواه هشيم، وحماد بن زيد، عن مجالد، ومجالد رواه عن الشعبيّ، عن جابر، فالظاهر أنه مستقيم.
وفي معناه ما روي عن أبي الدّرداء قال: جاء عمر بجوامع من التوراة، فقال: يا رسول اللَّه أخذتها من أخ لي من بني زريق، فتغير وجه رسول اللَّه ﷺ، فقال عبد اللَّه بن زيد الذي أري النداء: أمسخ اللَّه عقلك؟ ألا ترى الذي بوجه رسول اللَّه ﷺ؟ فقال عمر: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، فسُرّي عن وجه رسول اللَّه ﷺ، وقال: «والذي نفسي بيده، لو كان موسى بين أظهركم ما وسعه إِلَّا اتباعيّ، ثم لو كان بين أظهركم ثم تبعتموه لضللتم ضلالًا بعيدًا، أنتم حظي من الأمم، وأنا حظكم من الأنبياء».
رواه الطبرانيّ في الكبير - كما في جامع المسانيد والسنن (١١١٧١) عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا منجاب بن الحارث، حدّثنا أبو عامر العقديّ، عن سفيان (هو الثوري)، عن أبي إسحاق، عن أبي حبيبة، عن أبي الدّرداء فذكره.
وقال الهيثميّ في «المجمع» (٣/ ١٧٤): «رواه الطبرانيّ في الكبير، وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسديّ، ولم أر من ترجمه، وبقية رجاله موثقون».
قال الأعظمي: ترجمه ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل (٧/ ١١٩)، وفيه أبو حبيبة هو الطائيّ، لا يُعرف له راو غير أبي إسحاق، ولم أجد من وثقه إِلَّا أن ابن حبان ذكره في ثقاته، ولذا قال الحافظ: «مقبول» أي عند المتابعة، ولم أجد له متابعا. ووقع في مطبوعة مجمع الزوائد «أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي» لكن في مطبوعة جامع المسانيد «أبو عامر العقدي».
فإن كان الأمر كما في جامع المسانيد ففي الرواة عن الثوري: أبو عامر العقدي واسمه عبد الملك بن عمرو البصريّ، وهو ثقة. واللَّه أعلم.
وفي الباب أحاديث أخرى في أسانيدها مقال.
وثبت عن ابن عباس في الصحيح أنه قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول اللَّه ﷺ أحدث تقرؤونه محضا لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب اللَّه، وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند اللَّه ليشتروا به ثمنًا قليلا ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا واللَّه ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الذي أنزل عليكم.
رواه البخاريّ في الاعتصام (٧٣٦٣) عن موسى بن إسماعيل، حدّثنا إبراهيم، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، أن ابن عباس قال: فذكره.
وثبت عن حميد بن عبد الرحمن أيضًا في الصّحيح أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يتحدثون عن أهل الكتاب
وإن كنا -مع ذلك- لنبلو عليه الكذب.
رواه البخاريّ في الاعتصام (٧٣٦١) قال: وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ، أخبرني حميد بن عبد الرحمن فذكره.
يحمل هذا النهي للاهتداء بكتب أهل الكتاب والملل الأخرى، وأمّا النظر فيها للنقد وبيان فسادها فهو مباح، بل قد يكون واجبا على من يتصدى من العلماء الراسخين لبيان تزييف هذه الملل والديانات، وعليه جرى عمل السلف من القرن الأوّل إلى يومنا هذا كما بينت ذلك في كتابي: «دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند».
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 198 من أصل 207 حديثاً له شرح
- 158 بلغوا عني ولو آية ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده...
- 159 من كذب علي متعمدا فليتبوأ بيتا في النار
- 160 من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار
- 161 من لبس الحرير في الدنيا حرمه في الآخرة
- 162 من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من جهنم
- 163 إن كذبا علي ليس ككذب على أحد
- 164 من قال علي ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النار
- 165 مِنْ أفرى الفِرى من قال عليَّ ما لم أقل
- 166 من كذب علي متعمدا ليُضل به الناس فليتبوأ مقعده من...
- 167 من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
- 168 لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا
- 169 من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار
- 170 من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار
- 171 مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به
- 172 كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع
- 173 من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين
- 174 فهو أحد الكاذبين
- 175 احذروا دجالون كذابون يأتونكم بأحاديث لم تسمعوها
- 176 من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب
- 177 الدُّنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه
- 178 من تعلم علما يبتغي به عرض الدنيا لم يجد عرف...
- 179 لا تعلّموا العلم لتُباهوا به العلماء
- 180 فغطى أصحاب رسول الله ﷺ وجوههم لهم خنين
- 181 لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
- 182 مَنْ أَبِي؟ فقال: أبوك حذافة
- 183 سلوني عما شئتم
- 184 ادعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم
- 185 عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعًا وهات
- 186 من سأل عن أمر لم يحرم فحرم من أجل مسألته
- 187 من وجد مع امرأته رجلاً فليقتله
- 188 من خلق الله؟
- 189 إضاعة المال وكثرة السؤال وقيل وقال
- 190 نهي الصحابة عن التكلف في الدين
- 191 ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت...
- 192 إن أكثر منافقي أمتي قراؤها
- 193 أكثر المنافقين في الأمة من قرائها
- 194 إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا
- 195 تستر بينك وبينها بثوب ثم تصلّي بحذائك
- 196 ما تركنا عهد نبيّنا ولا قطعنا أرحامنا
- 197 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ
- 198 لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء
- 199 من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر
- 200 هلك المتنطعون
- 201 يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه
- 202 اللَّهُمَّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع
- 203 عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل وعن ماله...
- 204 يؤتى بالرجل الذي كان يطاع في معصية الله فيقذف في...
- 205 من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه
- 206 مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه
- 207 من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من السنة
معلومات عن حديث: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء
📜 حديث: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








