حديث: من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء من الوعيد للعالم الذي لا يعمل بعلمه، وإن كان علمه ينتفع به غيره

عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «مررتُ ليلة أُسري بي على قومٍ تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، قال: قلت: من هؤلاء؟ قالوا: خطباء من أهل الدُّنيا ممّن كانوا يأمرون النّاس بالبر، وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون».

صحيح: رواه أحمد (١٢٢١١) عن وكيع، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس، فذكر الحديث.

عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «مررتُ ليلة أُسري بي على قومٍ تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، قال: قلت: من هؤلاء؟ قالوا: خطباء من أهل الدُّنيا ممّن كانوا يأمرون النّاس بالبر، وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين. هذا الحديث العظيم الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يروي لنا مشهداً من مشاهد الرحلة العظيمة، رحلة الإسراء والمعراج، التي كشف الله فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم عن بعض مشاهد الغيب وعذاب القبر.

شرح المفردات:
* «تُقرض شفاههم»: تُقطع شفاههم. والقَرْض هو القطع.
* «مقاريض»: جمع مِقْرَض، وهي آلة تشبه المقص الكبير تستخدم لقطع الجلود وغيرها، وهنا هي من نار.
* «خطباء»: جمع خَطِيب، وهم الذين يخطبون في الناس ويتكلمون أمامهم بالمواعظ والأمر بالمعروف.
* «يأمرون النّاس بالبر»: البر هنا يشمل كل أنواع الخير والطاعة والتقوى.
* «وينسون أنفسهم»: يتركون أنفسهم ولا يفعلون ما يأمرون غيرهم به، أي لا يطبقون ما يعظون به.
* «وهم يتلون الكتاب»: وهذا زيادة في بيان شناعة فعلهم، فهم ليسوا جهلةً، بل يقرؤون القرآن ويعلمون ما فيه من الوعيد الشديد على هذا التناقض.

المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثناء رحلة الإسراء والمعراج مر على قوم يعذبون في قبورهم عذاباً شديداً، حيث كانت تُقطع شفاههم بمقاطع من نار. فلما سأل عن حالهم وهوية هؤلاء المعذبين هذا العذاب الأليم، أخبره جبريل عليه السلام أنهم خطباء وعُّظاء من أهل الدنيا، كانوا يَؤُمون الناس في الخير، ويخطبون في المساجد والمجالس آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، وداعين إلى البر والتقوى، ولكنهم في نفس الوقت كانوا يخالفون أعمالهم أقوالهم، فلا يطبقون على أنفسهم ما يأمرون به غيرهم، مع أنهم يقرؤون القرآن ويعلمون تحذيره من هذا السلوك المنافق.

الدروس المستفادة والعبر:
1- خطر النفاق العملي: الحديث يصور أشد أنواع النفاق خطراً، وهو أن يقول الإنسان ما لا يفعل. وهو ما ذمه الله تعالى في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3]. وهذا العذاب خاص بمن كان ديدنه ذلك، وليس من يقع منه ذلك occasionally على سبيل الزلة والخطأ ثم يتوب.
2- التحذير من علماء السوء والوعاظ المرتزقة: الحديث تحذير صريح لكل من يتصدى للدعوة إلى الله ووعظ الناس، أن يكون أول المستجيبين لما يدعو إليه. فالعلماء والدعاة هم القدوة، وإذا خانوا الأمانة كان عذابهم أشد، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
3- الشفاه وآلة الكلام: نلاحظ أن العذاب كان في الشفاه خاصة، وهي آلة الكلام التي كانوا يستخدمونها في الأمر بالبر وهم لا يفعلونه. وهذا مناسبة العذاب للذنب، وهو نمط نراه في كثير من عذاب الآخرة.
4- التذكير بالمسؤولية: يذكرنا الحديث بمسؤولية الكلمة، وخاصةً الكلمة التي تتصدى للدعوة إلى الخير. فصاحبها يحاسب عليها أشد الحساب إذا لم يلتزم بها.
5- الجدية في العمل بالإسلام: الإسلام ليس شعارات ترفع أو كلمات تقال، بل هو منهج حياة يتطلب صدقاً مع الله تعالى ثم مع النفس، بأن يطابق الإنسان قوله فعله، وعمله نيته.
6- العدل الإلهي: المشهد يدل على عدل الله المطلق، فها هم من كانوا يرتدون عباءة الدين ويخطبون على المنابر يعذبون لأنهم خانوا الأمانة، بينما قد يكون عامة الناس الذين استمعوا لهم ونفذوا ممن نجا. لا ينفع إلا العمل الصالح الخالص.

خاتمة:
هذا الحديث من الأحاديث التي تُهزّ القلب هزاً، especially لمن له صلة بالدعوة والتعليم والخطابة. فهو ناقوس خطر يذكرنا بأن أول طريق إلى الله هو الاستقامة والصدق مع النفس، وأنه لا يمكن أن نُصلح غيرنا بأمر نغفله عن أنفسنا. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على أنفسنا، ويجعلنا ممن يقولون الحق ويعملون به.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (١٢٢١١) عن وكيع، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس، فذكر الحديث.
وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف علي بن زيد، وهو ابن جُدعان، لكنّه متابع.
فرواه أبو يعلى (٤٠٦٩) من طريق معتمر بن سليمان.
وأبو نعيم في الحلية (٨/ ١٧٢) من طريق ابن المبارك كلاهما عن سليمان التيميّ، عن أنس، والإسنادان صحيحان. ورواه ابن حبان (٥٣) من وجه آخر عن أنس، وصحّحه.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 205 من أصل 207 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه

  • 📜 حديث: من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب