مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه

حديث: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه

عن أبي تميمة عن جندب بن عبد اللَّه الأزديّ صاحب النّبيّ ﷺ قال: انطلقتُ أنا وهو إلى البصرة، حتّى أتينا مكانًا يقال له: بيت المسكين، وهو من البصرة على مثل الثَّوِيَّة من الكوفة، فقال: هل كنت تدارس أحدًا القرآن؟ قلت: نعم، قال: فإذا أتينا البصرة، فأتني بهم، فأتيته بصالح بن مسرح، وبأبي بلال، ونَجدة، ونافع بن الأزرق، وهم في نفسي يومئذ من أفاضل أهل البصرة، فأنشأ يحدِّثني عن رسول اللَّه ﷺ، فقال جندب: قال رسول اللَّه ﷺ: «مثلُ العالم الذي يعلِّمُ النَّاسَ الخيرَ وينسى نفسه، كمثل السِّراج يُضيء للنّاس ويُحْرق نفسه». وقال رسول اللَّه ﷺ: «لا يَحُولَنَّ بين أحدِكم وبين الجنّة وهو ينظر إلى أبوابها مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دم مُسلمٍ أَهْراقَهُ ظُلْمًا». قال: فتكلّم القومُ، فذكروا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، - وهو ساكت يستمع منهم، ثم قال: لم أرَ كاليوم قطّ أحقّ بالنّجاة إن كانوا صادقين».

حسن: رواه الطبرانيّ في الكبير (١٦٨١) من طريق هشام بن عمار، عن علي بن سليمان الكلبي، حدثني الأعمش، عن أبي تميمة، عن جندب بن عبد اللَّه الأزديّ، فذكر الحديث.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح الحديث الذي ذكر، وهو حديث عظيم يحمل دروسًا وعبرًا جليلة:

أولاً. شرح المفردات:

● بيت المسكين: موضع قرب البصرة.
● الثَّوِيَّة: موضع قريب من الكوفة، والمراد بيان المسافة.
● تدارس: تتعلم أو تتعاون على دراسة القرآن.
● السِّراج: المصباح أو القنديل.
● يُحْرِقُ نَفْسَهُ: يستهلك نفسه بالاحتراق لإعطاء الضوء.
● مِلْءُ كَفٍّ: ما يملأ الكف من الدم.
● أَهْرَاقَهُ: سفكه وأراقه.

ثانيًا. المعنى الإجمالي للحديث:

يبدأ الحديث بقصة الصحابي جندب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه، حيث ذهب مع أبي تميمة إلى البصرة، وطلب منه أن يجمع له بعض من يدارسهم القرآن، فجاءه بعدد من الأشخاص الذين كانوا معروفين بالخير والفضل في ذلك الوقت.
ثم شرع جندب رضي الله عنه يحدثهم بحديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم:
1- الحديث الأول: يشبّه النبي صلى الله عليه وسلم العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، بالمصباح الذي يضيء للناس ويحرق نفسه. أي أنه ينفع غيره ويضيع نفسه.
2- الحديث الثاني: يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من سفك دم المسلم ظلمًا، ويشير إلى أن ذلك قد يحول بين الإنسان وبين الجنة ولو كان ينظر إلى أبوابها.
ثم دار حديث بين الحاضرين حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان جندب يصغي لهم، ثم علق بقوله: "لم أر كاليوم قط أحق بالنجاة إن كانوا صادقين"، أي أنهم إن طبقوا ما يقولون فهم على خير عظيم.

ثالثًا. الدروس المستفادة من الحديث:

1- وجوب التوافق بين القول والعمل: العالم والداعية يجب أن يكون قدوة، فلا يعلم الناس الخير ويترك نفسه، وإلا كان مصيره مثل المصباح الذي يضيء للآخرين ويحترق هو.
2- خطورة التفريط في النفس: لا ينبغي للعالم أن يهمل تزكية نفسه وعبادة ربه وهو ينشغل بتعليم الآخرين؛ بل يجب أن يوازن بين الأمرين.
3- عظم جرم قتل النفس: الحديث الثاني يحذر من سفك دم المسلم ظلمًا، وأن هذه الجريمة من الكبائر التي تحرم صاحبها من الجنة.
4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الحوار الذي دار بين الحاضرين يدل على أهمية هذا الأصل العظيم في الإسلام، ولكن ينبغي أن يقترن بالصدق والعمل.
5- الاستماع والحكمة في النقاش: جندب رضي الله عنه استمع لهم أولاً ثم علق، وهذا أدب في الحوار والنصيحة.

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

- الحديث الأول رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، وحسنه بعض أهل العلم، وهو من الأحاديث التي تحذر من حال من يعلم الناس ولا يعمل.
- الحديث الثاني متفق عليه في الصحيحين بمعناه، وهو من أشد الزواجر عن القتل.
- القصة تدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على نشر العلم والخير، وعلى تناقل الأحاديث النبوية بينهم وتذكير بعضهم بعضًا.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على أنفسنا ولا نغتر بعلمنا أو دعوتنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الطبرانيّ في الكبير (١٦٨١) من طريق هشام بن عمار، عن علي بن سليمان الكلبي، حدثني الأعمش، عن أبي تميمة، عن جندب بن عبد اللَّه الأزديّ، فذكر الحديث.
وإسناده حسن من أجل علي بن سليمان الكلبي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسًا، صالح الحديث، ليس بالمشهور.
وقد جاء عن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أنه قال: «يُفسد الزّمان ثلاثة: أئمّة مضلّون، وجدال منافق بالقرآن -والقرآن حقّ-، وزلّة العالم». انظر تخريجه في «المدخل» (٨٣٣).
وعن ابن عباس، قال: «ويل للأتباع من عثرات العالم، قيل: وكيف ذلك يا ابن عباس؟ قال: يقول العالم الشيء برأيه، فيلقى من هو أعلم منه برسول اللَّه ﷺ منه فيخبره ويرجع، ويقضي الأتباع بما حكم». «المدخل» (٨٣٦).
وعن أبي الدّرداء قال: «إنّي لآمركم بالأمر، وما أفعله، ولكن لعلّ اللَّه أن يأجرني فيه». المدخل (٨٣٨).
وأنشأ ابنُ عيينة يقول:
خذ بعلمي وإن قصرتُ في عملي ... ينفعك علمي ولا يضرُّك تقصيري
وعن ابن عباس قال: «خذ الحكمة ممن سمعت، فإنّ الرّجل يتكلّم بالحكمة وليس بالحكيم، فتكون كالرمية خرجت من غير رامٍ». «المدخل» (٨٤٣).
وعن سعيد بن أبي بردة، قال: «كان يقال: الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها حيث وجدها».
«المدخل» (٨٤٤).
وروي مرفوعًا ولا يصح، رواه الترمذيّ (٢٦٨٧)، وابن ماجه (٤١٦٩) كلاهما من طريق عبد اللَّه بن نمير، عن إبراهيم بن الفضل، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة، مرفوعًا، ولفظه: «الحكمة ضالّة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقُّ بها».
قال الترمذيّ: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المخزوميّ ضعيف في الحديث».
قال الأعظمي: وهو كما قال فإنّ إبراهيم بن الفضل المخزوميّ المدنيّ أبو إسحاق، ويقال: إبراهيم بن إسحاق، أهل العلم مطبقون على تضعيفه، وقال الدّارقطنيّ: «متروك»، واعتمده الحافظ في التقريب.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 206 من أصل 207 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه

📜 حديث: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية