يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يفتح لنا أبواب فضله وكرمه، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علما وفقها في الدين وارض عنا يا أكرم الأكرمين. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحوي عدداً من النهيات التي تتعلق بآداب اللباس والمعاملات.
### أولاً. نص الحديث
ينهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن أربعة أمور: لبستين مذمومتين، ومعاملتين محرمتين.

### ثانياً. شرح المفردات
1- يَحْتَبِي: أي يَجْلِس على أليتيه ويجمع ساقيه إلى بطنه ويشدهما بثوب أو يديه، كحالة من يجلس القرفصاء ويلف ثوباً واحداً حول جسده.
2- ليس على فَرْجِهِ منه شيء: أي أن هذا الثوب لا يستر عورته بشكل كافٍ، فقد تنكشف عند الحركة أو بسبب هيئة الجلوس نفسها.
3- يَشْتَمِلُ: أن يلف الثوب على جسده كله.
4- ليس على أحد شقيه: أي أن يلف الرجل الثوب على أحد كتفيه فقط، فيترك الكتف الآخر والإبط مكشوفين، أو أن يغطي به بعض جسده ويترك بعضه الآخر غير مغطى. وقيل: هو أن يجعل طرفي الثوب على أحد منكبيه ويترك الآخر.
5- المُلامَسَة: وهي بيع كان شائعاً في الجاهلية، حيث يلمس المشتري السلعة (كالقماش) دون أن ينظر إليها أو يبسطها، فيشتريها على أساس لمسها فقط.
6- المُنابَذَة: وهي بيع آخر محرم، حيث ينبذ البائع السلعة إلى المشتري (أي يرميها إليه) قبل أن يفحصها أو ينظر فيها، فإذا أخذها لزم البيع.

### ثالثاً. شرح الحديث والنهيات الأربع
ينقسم الحديث إلى نهيين في اللباس ونهيين في البيع:

---

# النهي الأول والثاني:

في آداب اللباس وستر العورة
1- النهي عن الاحتباء في ثوب واحد لا يستر العورة:
* الشرح: هذا النهي متعلق بآداب الجلوس وستر العورة. فالإنسان مطالب بستر عورته في كل حال، وهي من الركبة إلى السرة للرجل. والاحتباء بهذه الطريقة – حيث يكون الثوب ضيقاً أو غير محكم – قد يؤدي إلى انكشاف العورة من غير قصد، خاصة عند الحركة أو القيام. فهو نهي للاحتراز من الوقوع في ما حرم الله.
* الحكمة: حفظ العورة ومنع ما يؤدي إلى انكشافها، وصيانة الحياء الذي هو من شعب الإيمان.
2- النهي عن الاشتمال بالثوب الواحد الذي لا يغطي الجسم كله:
* الشرح: هذا النهي عن طريقة لبس غير لائقة، إما بأن يغطي الرجل جزءاً من جسده ويترك جزءاً آخر مكشوفاً (كأن يغطي صدره ويظهر ظهره أو العكس)، أو أن يلف الثوب بطريقة غير متزنة تظهر هيئته بمظهر غير حسن. وقيل إن هذه الهيئة كانت هيئة تكبر وخيلاء في الجاهلية.
* الحكمة: النهي عن التشبه بأهل الكبر والخيلاء، والحث على اللباس المتزن الساتر الذي يحقق الوقار والاحتشام.

---

# النهي الثالث والرابع:

في المعاملات التجارية (بيوع الغرر)
3- النهي عن بيع الملامسة:
* الشرح: هذا النوع من البيع يقع فيه الغرر (الجهالة والغبن) لأنه يعتمد على مجرد اللمس دون التثبت والنظر، فقد يلمس المشتري جزءاً جيداً من القماش ويخفى عليه العيب في جزء آخر، فينشأ النزاع والخصام.
* الحكمة: تحريم الغرر في البيوع، الذي يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل والجهالة والتدليس، وإقامة المعاملات على الصدق والوضوح والتراضي.
4- النهي عن بيع المنابذة:
* الشرح: هذا البيع أشد غرراً من سابقه، فالمشتري لا فرصة له حتى لفحص السلعة باللمس، بل بمجرد أن يلقيها البائع إليه يصبح البيع لازماً. وهذا يؤدي إلى جهالة عظيمة وغبن فاحش.
* الحكمة: نفس حكمة النهي عن الملامسة، وهي سد الذرائع إلى النزاع والخصومة، وإبطال البيوع التي لا تحقق المعرفة الكافية والرضا التام للطرفين.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفوايد
1- العناية بستر العورة: الحديث يؤكد على وجوب ستر العورة في كل الأحوال، ويحذر من أي هيئة أو لباس قد يؤدي إلى انكشافها، مهما بدا الأمر بسيطاً.
2- الاهتمام بمظهر المسلم: يجب على المسلم أن يلتزم في لباسه بالاحتشام والوقار، ويتجنب الهيئات التي تشبه هيئات أهل الكبر أو التي لا تليق بمروءة المسلم.
3- تحريم الغش والغرر في المعاملات: يربط النبي صلى الله عليه وسلم بين آداب المظهر وآداب المعاملة، فالمسلم يتخلق بالصدق والوضوح في كل شؤونه. بيوع الغرر محرمة لأنها تقوم على الجهالة والغش، وتؤدي إلى العداوة والبغضاء.
4- شمولية الشريعة: الشريعة الإسلامية تنظم حياة الإنسان كاملة، من أدق تفاصيل لباسه وجلوسه إلى أعظم معاملاته التجارية.
5- سد الذرائع: النهي عن الاحتباء والاشتمال هو من باب سد الذرائع الم