نهى رسول الله عن لبستين: اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل في طياته أدباً من آداب اللباس والهيئة التي ينبغي للمسلم أن يراعيها.
### أولاً. نص الحديث
روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ: اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَالِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنْتَ مُفْضٍ فَرْجَكَ).

### ثانياً. شرح المفردات
1- اشتمال الصماء:
* الاشتمال: هو الالتفاف بالثوب والتغطي به.
* الصماء:形容 الثوب الذي لا فتحة له للرأس، أو وصف للطريقة التي يكون فيها الشخص معزولاً لا يسمع ولا يبصر من حوله. والمقصود هنا: أن يلتف الرجل بثوب واحد (كالإزار أو الرداء) ويجعل طرفيه على كتفيه من غير أن يترك لجرمه جانباً، فيصبح كأنه في كيس، ولا يبقى له يد يخرجها ليعمل بها، وقد يعرض عورته إذا سقط الثوب.
2- الاحتباء في ثوب واحد:
* الاحتباء: هو أن يجلس الإنسان على أليتيه ويضم فخذيه وساقيه إلى بطنه، ويشدهما بيديه أو بثوب يلفه عليها، كحالة من يجلس القرفصاء ولكن يضم ركبتيه إلى صدره ويشدهما بذراعيه أو بثوب.
* في ثوب واحد: أي أن الثوب الذي يحتبي به هو نفسه الذي يستر عورته، وليس عليه غيره.
3- وأنت مفض فرجك:
* مفض: من الإفضاء، وهو كشف العورة وعدم سترها.
* فرجك: كناية عن العورة.

### ثالثاً. شرح الحديث ومعناه الإجمالي
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هيئتين في اللباس والجلوس، لما فيهما من مخالفة للوقار وكشف للعورة:
1- نهيه عن اشتمال الصماء: لأنه هيئة غير لائقة، تذهب بهيبة المسلم ووقاره، وتشبه هيئة المتكبرين أو الجاهليين. والأخطر من ذلك أن هذه الهيئة خطرة، فإذا لم يمسك الثوب بيده أو انحلت عقدته، سقط ثوبه وكشفت عورته دون أن تكون له يد سريعة تمنع ذلك أو تلتقطه. فالنهي هنا لحماية الإنسان من أن يفضح نفسه inadvertently (دون قصد).
2- نهيه عن الاحتباء في ثوب واحد وأنت مفض فرجك: فالاحتباء بذاته قد يكون للتدفئة أو للراحة، ولكن النهي هنا مقيد بشرطين:
* أن يكون في ثوب واحد فقط.
* أن يكون هذا الوضع مفضياً لكشف العورة.
فإذا جلس الإنسان هذه الجلسة وليس عليه إلا إزار واحد، فإن الضغط على الركبتين والفخذين يؤدي إلى انفراج الثوب وكشف العورة، ولا سيما إذا نام على هذه الحالة. فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد للمسلم أن يكون مستوراً متعاهداً ستره في كل أحواله.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث
1- وجوب ستر العورة: يهدف النهي في الهيئتين إلى الحفاظ على ستر العورة، وهو أمر عظيم في الإسلام. فالمسلم مأمور بأن يتعاهد ستره ويبتعد عن كل ما يؤدي إلى كشفه، حتى لو كان عن غير قصد.
2- النهي عن التشبه بأهل الجاهلية: فقد كانت هاتان الهيئتان من سمات بعض العرب في الجاهلية، فينهى المسلم عن التشبه بهم في أخلاقهم وهيئاتهم الذميمة.
3- الحكمة من النهي عن الاشتمال الصماء: النهي لحماية الإنسان من نفسه، ومن الوقوع في الإثم بسبب حركة بسيطة قد تؤدي إلى كشف عورته أمام الآخرين.
4- مراعاة الأدب والوقار في الهيئة: الإسلام دين الذوق والجمال والوقار، فينهى عن كل هيئة تشوه صورة المسلم أو تنافي أدبه وكرامته.
5- الفقه في النهي: جمهور العلماء على أن النهي هنا للكراهة التنزيهية وليس للتحريم، خاصة إذا أمن الشخص من كشف العورة. فلو احتبى وعليه سروال أو ثوبان يمنعان انكشاف العورة، فلا بأس. ولو اشتمل اشتمالاً لا يعزله عن الناس ولا يخاف انكشاف عورته، فالأمر فيه سعة.
6- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته: حيث كان ينه them عن كل ما فيه مضرة أو مفسدة لهم في دينهم ودنياهم، حتى في أمور اللباس والجلوس.

---

خامساً:

خلاصة تطبيقية
* يجنب المسلم هذه الهيئات إذا كانت تؤدي إلى كشف عورته أو كانت تشبه هيئة غير اللائقة.
* يحرص على أن يكون لباسه كاملاً ساتراً، وأن يجلس جلسة يتيقن معها من ستر عورته.
* يستشعر أن الإسلام شرع له الآداب حتى في طريقة لباسه وجلوسه، فيحرص على التزام هذه الآداب طاعة لله ورسوله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.