رمي المؤمن بالكفر كقتله

حديث: رمي المؤمن بالكفر كقتله

عن ثابت بن الضّحّاك، عن النبيّ ﷺ قال: «من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عُذّب به في نار جهنّم، ولعنُ المؤمن كقتله، ومن رمي مؤمنًا بكفر فهو كقتله».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الأدب (٦١٠٥)، ومسلم في الإيمان (١١٠) كلاهما من حديث أبي قلابة، عن ثابت بن الضّحّاك، فذكر الحديث، واللفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم مختصرًا، ولم يذكر قوله: «ولعن المؤمن.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه ﷺ والعمل بها.
هذا حديث عظيم جامع لتحذيرات نبوية كبرى، رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل ثابت بن الضحاك رضي الله عنه. وإليك الشرح المفصل له:

أولاً. شرح المفردات:

● حلف بملة غير الإسلام: أي أقسم أو تعهد باسم دين آخر غير دين الإسلام، كمن يقول: "وحق المسيحية" أو "وحق اليهودية".
● كاذبًا: أي متعمداً الكذب في يمينه.
● فهو كما قال: أي حكمه وحاله يكون وفق ما حلف به ونطق به من الكفر.
● عُذّب به في نار جهنم: أي يعاقب في الآخرة بنفس الأداة أو الطريقة التي قتل بها نفسه.
● لعن المؤمن: أي الدعاء عليه بإبعاده من رحمة الله.
● رمى مؤمنًا بكفر: أي اتهمه أو نَسَب إليه الكفر وهو بريء منه.

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يحتوي هذا الحديث على ثلاثة تحذيرات كبرى من أمور خطيرة يقع فيها بعض الناس:
1- تحذير من الحلف بغير الله تعالى، وبأديان غير الإسلام: فمن حلف بشيء فهو يعظِّمه، والحلف بغير الله أو بدين غير الإسلام فيه تعظيم لذلك الدين واعتراف به، وهو منافٍ لكمال التوحيد.
2- تحذير من الانتحار وعقوبته الشديدة: فمن يقتل نفسه يتعرض لعذاب شديد في النار بنفس الأداة التي قتل بها نفسه، مهما كانت دوافعه وآلامه.
3- تحذير من الاعتداء على أعراض المسلمين واتهامهم بما ليس فيهم: فاللعن (الطرد من رحمة الله) والاتهام بالكفر بغير حق، جريمة عظيمة في الإسلام، تُقاس بجريمة القتل في الإثم والخطورة.

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:

1- عظمة التوحيد وسد الذرائع إلى الشرك: النهي عن الحلف بملة غير الإسلام هو من باب سد الذرائع التي تؤدي إلى الشرك الأصغر أو تنقص كمال التوحيد. والحلف إنما يكون بالله تعالى وصفاته فقط، كما قال النبي ﷺ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» (متفق عليه).
● حكم من حلف بغير الله: هذا من الشرك الأصغر عند أهل العلم، وهو محرم ومنكر عظيم، لكنه لا يخرج من الملة. أما قوله ﷺ: «فهو كما قال» ففيه قولان لأهل العلم:
● القول الأول: أنه على ظاهره، أي أنه صار كافراً مثل من حلف به. وهذا قول شديد في الزجر والردع.
● القول الثاني (وهو الراجح): أنه ليس حكمًا بكفر المرء، بل هو وعيد شديد وتحذير من شأن هذا الفعل القبيح، وأنه يشبه قول الكافر، وفعله من أفعالهم. والعبرة بالمعنى وليس بحرفية اللفظ. والأصل بقاء إسلام المسلم حتى يثبت ضده ما يخرجه منه بيقين.
2- تحريم الانتحار وتحذير شديد منه: جريمة الانتحار من الكبائر، وهي استعجال للموت وهروب من قدر الله، وفيه اعتراض على قضاء الله وقدره. والعذاب في الآخرة يكون بنفس الآلة (كالسكين أو مسدس أو حبوب) تكراراً للعذاب وتأكيداً على فظاعة الجريمة. وهذا يدل على أن اليأس من روح الله من أعظم الذنوب، ويوجب على المسلم أن يلجأ إلى الله بالدعاء والصبر عند الشدائد.
3- حرمة المسلم ودمه وعرضه: الحديث يرفع من قيمة المؤمن وعرضه، فيجعل:
● اللعن (وهو السب والدعاء بالطرد من الرحمة) بمثابة قتل في الإثم والجرم.
● الرمي بالكفر (أي التكفير بغير حق) بمثابة قتل أيضاً.
- وهذا تحذير شديد من التكفير بغير بينة، ومن السباب والشتائم للمسلمين. فاتهام المسلم بالكفر من أعظم الباطل، إلا إذا صدر منه ما يوجب ذلك بيقين (كإنكار معلوماً من الدين بالضرورة). والتكفير من أخطر الأمور، فلا يجوز نسبته لأحد إلا بدليل قاطع.
4- العدل والرحمة في الشريعة: العقوبة من جنس العمل («من قتل نفسه بشيء عذب به») هذا مبدأ عميق في العدالة القضائية الإسلامية، أي أن العقوبة تتناسب مع طبيعة الجريمة، مما يجعلها رادعة وتمثل عدالة إلهية في آن واحد.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل عظيم في باب «التكفير»، فلا يجوز تكفير المسلم بقول أو معصية ما لم يستوف شروط التكفير وينتفي عنه موانعه.
- الانتحار كبيرة من الكبائر، لكن من قتل نفسه لا يخرج من الإسلام، بل هو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه. وهذا هو قول أهل السنة والجماعة.
- الحديث يدعو إلى حفظ اللسان من الغيبة والسب واللعن، فالكلمة قد تبلغ من الإثم ما يبلغ القتل.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يحفظ ألسنتنا من الآثام، ويحفظنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الأدب (٦١٠٥)، ومسلم في الإيمان (١١٠) كلاهما من حديث أبي قلابة، عن ثابت بن الضّحّاك، فذكر الحديث، واللفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم مختصرًا، ولم يذكر قوله: «ولعن المؤمن. . . الخ».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 169 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: رمي المؤمن بالكفر كقتله

📜 حديث: رمي المؤمن بالكفر كقتله

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: رمي المؤمن بالكفر كقتله

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: رمي المؤمن بالكفر كقتله

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: رمي المؤمن بالكفر كقتله

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية