يرحم الله المحلقين والمقصرين

حديث: يرحم الله المحلقين والمقصرين

عن عبد الله بن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله ﷺ: «يرحم الله المحلِّقين» قالوا: يا رسول الله! والمقصرين؟ قال: «يرحم الله المحلّقين» قالوا: يا رسول الله! والمقصرين؟ قال: «يرحم الله المحلِّقين» قالوا: يا رسول الله والمقصِّرين؟ قال: «والمقصِّرين». قالوا: فما بال المحلِّقين يا رسول الله ظاهرتَ لهم الرّحمة؟ قال: «لم يشكُّوا». قال: فانصرف رسول الله ﷺ.

حسن: رواه الإمام أحمد (٣٣١١)، واللّفظ له، والطّحاويّ في شرح معانيه (٤٠٥٧)، وابن ماجه (٣٠٤٥) مختصرًا، كلّهم من حديث محمد بن إسحاق، حدّثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث: عن عبد الله بن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله ﷺ: «يرحم الله المحلِّقين» قالوا: يا رسول الله! والمقصرين؟ قال: «يرحم الله المحلّقين» قالوا: يا رسول الله! والمقصرين؟ قال: «يرحم الله المحلِّقين» قالوا: يا رسول الله والمقصِّرين؟ قال: «والمقصِّرين». قالوا: فما بال المحلِّقين يا رسول الله ظاهرتَ لهم الرّحمة؟ قال: «لم يشكُّوا». قال: فانصرف رسول الله ﷺ.

1. شرح المفردات:

● يوم الحديبية: هو اليوم الذي تمت فيه صلح الحديبية بين المسلمين وكفار قريش في السنة السادسة للهجرة.
● حلق: أي أزالوا جميع شعر رؤوسهم بالحلاقة الكاملة.
● قصر: أي أزالوا جزءًا من شعر رؤوسهم فقط، وهو الجائز في التحلل من الإحرام.
● المحلِّقين: الذين حلقوا رؤوسهم كاملة.
● المقصِّرين: الذين قصروا من شعر رؤوسهم ولم يحلقوا كاملة.
● لم يشكُّوا: لم يترددوا أو يتراجعوا في فعلهم، بل أقدموا عليه بكل ثقة ويقين.

2. شرح الحديث:

وقع هذا الحديث في صلح الحديبية، عندما منع المشركون النبي ﷺ وأصحابه من دخول مكة لأداء العمرة. فأمر النبي ﷺ أصحابه بالتحلل من إحرامهم بالحلق أو التقصير، لكن بعض الصحابة تردد في الأمر لشدة حزنهم على عدم إتمام العمرة.
● الموقف: كان الصحابة في حالة من الحزن والإحباط لعدم تمكنهم من أداء المناسك. وعندما أمرهم النبي ﷺ بالتحلل، بادرت طائفة منهم - وهم المحلِّقون - إلى تنفيذ الأمر فورًا دون تردد، بينما ترددت طائفة أخرى - وهم المقصِّرون - في البداية، ثم فعلوا ذلك بعد ذلك.
● تكرار الدعاء للمحلقين: عندما دعا النبي ﷺ للمحلقين ثلاث مرات دون ذكر المقصرين، كان ذلك لتعليم الأمة وتنبيهها إلى فضيلة المبادرة والمسارعة في طاعة الله ورسوله، وعدم التردد حتى في الأمور التي قد تبدو غير واضحة الحكمة للعبد.
● سبب تخصيص المحلقين بالدعاء أولاً: لأنهم لم يشكوا، أي لم يترددوا لحظة في تنفيذ أمر النبي ﷺ، بل أقدموا عليه بكل ثقة ويقين بأن أمر رسول الله ﷺ هو الخير والحكمة، حتى لو خالف هوى النفس أو الظاهر من الأمور. وهذا هو كمال الإيمان والطاعة.
● إجابة النبي ﷺ في النهاية: عندما أصر الصحابة على السؤال عن إخوانهم المقصرين، أجابهم النبي ﷺ بالدعاء لهم أيضًا ("والمقصرين")، مما يدل على أن من تردد ثم أطاع فهو داخل في الرحمة، ولكن السابقون الأولون لهم فضل ومزية.

3. الدروس المستفادة منه:

1- فضل المسارعة إلى طاعة الله ورسوله: أعلى درجات الإيمان هي المسارعة إلى الامتثال لأمر الله ورسوله من غير تردد أو تلكؤ.
2- ذم التردد والشك في أوامر الشرع: التردد في تنفيذ الأوامر الشرعية ناشئ عن ضعف في اليقين، والأولى للمؤمن أن يثق بحكمة الشريعة حتى لو لم تظهر له.
3- الحكمة من التربية النبوية: كان النبي ﷺ يربي أصحابه بأقواله وأفعاله. وتكراره للدعاء للمحلقين كان وسيلة تربوية لتثبيت فضيلة المبادرة واليقين في قلوبهم.
4- العدل والرحمة النبوية: رغم تفضيله للمحلقين لمسارعتهم، إلا أنه لم يحرم المقصرين من الرحمة، بل شملهم بالدعاء حين سُئل عنهم، مما يدل على عدله ورحمته ﷺ بأمته.
5- جواز كلا الأمرين (الحلق والتقصير): الحديث دليل على أن كلا الفعلين - الحلق والتقصير - جائزان في التحلل من الإحرام.

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من أصح الكتب بعد كتاب الله.
- استدل العلماء بهذا الحديث على فضل المبادرة إلى الخير وعدم التردد فيه.
- المقصود بـ "لم يشكوا" أي لم يترددوا في الامتثال للأمر، وليس الشك في أصل الدين، فهم صحابة عدول.
- يوضح الحديث جانبًا من التربية النبوية على اليقين والثقة المطلقة في حكمة الله ورسوله، وهي صفة يجب على every مسلم أن يتحلى بها.
أسأل الله أن يرزقنا اليقين والمسارعة إلى طاعته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الإمام أحمد (٣٣١١)، واللّفظ له، والطّحاويّ في شرح معانيه (٤٠٥٧)، وابن ماجه (٣٠٤٥) مختصرًا، كلّهم من حديث محمد بن إسحاق، حدّثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، فذكره.
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق فإنه مدلس حسن الحديث إذا صرّح.
وقوله: «ظاهرت لهم الرحمة» أي جمعت وكررتَ لهم الرّحمة.
وقوله: «لم يشكوا» أي لم يعاملوا معاملة من يشك في جواز الّتحلّل، أي من قصّر فكأنّه شكّ في جواز التّحلل حتى اقتصر في التّحلّل على بعضه، ومن حلق فلا شكّ منه أي لم يعاملوا معاملة من يشك في أنّ الاتباع أحسن، وأمّا من قصر فقد عامله معاملة الشاك في ذلك، حيث ترك فعله ﷺ. قاله السنديّ في حاشية المسند.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 480 من أصل 689 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: يرحم الله المحلقين والمقصرين

📜 حديث: يرحم الله المحلقين والمقصرين

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: يرحم الله المحلقين والمقصرين

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: يرحم الله المحلقين والمقصرين

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: يرحم الله المحلقين والمقصرين

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية