حديث: دعاء النبي للمحلقين والمقصرين في الحج

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في دعاء النبيّ ﷺ للمحلِّقين بالرّحمة ثلاث مرّات وللمقصِّرين مرة واحدة

عن مالك بن ربيعة، أنّه سمع رسول الله ﷺ يقول: «اللهم! اغفر للمحلقين». قال: يقول رجل من القوم: والمقصرين؟ فقال: يا رسول الله! في الثالثة أو في الرابعة: «والمقصرين». ثم قال: وأنا يومئذ محلوق الرّأس، فما يسرني بحلق رأسي حمر النّعم أو فِطْرًا عظيمًا.

حسن: رواه الإمام أحمد (١٧٥٩٨) من حديث أوس بن عبيد الله أبي مقاتل السّلوليّ، قال:
حدّثني بريد بن أبي مريم، عن أبيه مالك بن ربيعة، فذكره.

عن مالك بن ربيعة، أنّه سمع رسول الله ﷺ يقول: «اللهم! اغفر للمحلقين». قال: يقول رجل من القوم: والمقصرين؟ فقال: يا رسول الله! في الثالثة أو في الرابعة: «والمقصرين». ثم قال: وأنا يومئذ محلوق الرّأس، فما يسرني بحلق رأسي حمر النّعم أو فِطْرًا عظيمًا.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يزيدنا وإياك فهماً لسنة نبيه ﷺ.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تُظهر عظيم فضل الله وكرمه على عباده، حتى إنه يغفر لمن أتى بأعمال الحج على اختلاف هيئاتهم.
### أولاً. نص الحديث وروايته
يروي الصحابي الجليل مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه، أنه سمع النبي ﷺ في حجة الوداع يدعو قائلاً: «اللهم! اغفر للمحلقين». فقام رجل من القوم (وهو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما في رواية أخرى) وقال: والمقصرين؟ فأعاد النبي ﷺ الدعاء للمحلقين، فكرر الرجل سؤاله: والمقصرين؟ في المرة الثالثة أو الرابعة، فأجابه النبي ﷺ: «والمقصرين».
ثم يعقب الراوي مالك بن ربيعة قائلاً: «وأنا يومئذ محلوق الرأس، فما يسرني بحلق رأسي حمر النعم أو فطرًا عظيمًا»، أي أنه كان من المحلقين، وكان فرحاً بهذه المغفرة حتى إنه لا يفضل عليها لو أُعطي أفضل ما في الدنيا من متاع (وحمر النعم: هي الإبل الحمراء التي كانت أنفس أموال العرب، والفطر العظيم: هو المال الكثير والغنم الوافرة).

### ثانياً. شرح المفردات
● اللهم اغفر: أي اسْتَغْفِرُ اللهَ تعالى واطلب منه المغفرة التي هي ستر الذنب والعفو عنه.
● للمحلقين: جمع مُحلِق، وهو من حلق جميع رأسه في الحج أو العمرة.
● والمقصرين: جمع مُقَصِّر، وهو من قصر من شعر رأسه ولم يحلقه، بأن أخذ منه قليلاً.
● حمر النعم: الإبل الحمراء، وهي من أنفس الأموال وأغلاها عند العرب.
● فطرًا عظيمًا: الفطر هو المال الكثير والأنعام الكثيرة.

### ثالثاً. شرح الحديث
1- فضل الحلق والتقصير في النسك: يبين الحديث أن كلاً من الحلق والتقصير من أعمال الحج والعمرة المشروعة، وأن كليهما يُكتب له الأجر والمغفرة من الله تعالى إذا قُصِد به التقرب إلى الله. والحلق أفضل من التقصير كما دلّت على ذلك نصوص أخرى، لكن كليهما مشروع.
2- سعة رحمة الله وعفوه: دعاء النبي ﷺ بالمغفرة للمحلقين ثم إضافة المقصرين بعد إلحاح الصحابي، يدل على سعة مغفرة الله تعالى لعباده، وأنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وأنه يتقبل العمل على اختلاف درجات أهله وإخلاصهم.
3- حرص الصحابة على الخير: استدراك الصحابي بقوله: "والمقصرين؟" يدل على حرصهم على شمول الخير لإخوانهم، وعدم حصر الفضل في فئة دون أخرى، وهذا من كمال إيمانهم وحسن صحبتهم.
4- قيمة المغفرة الإلهية: تعقيب الراوي بأنه لا يفضل على حلق رأسه وحصوله على هذه المغفرة أي متاع دنيوي، يبين أن مغفرة الله ورضاه هي الغنيمة الحقيقية، وأنها تفوق كل زهرة الحياة الدنيا.

### رابعاً. الدروس المستفادة
1- مشروعية الدعاء للمسلمين عامة: فيستحب للداعي أن يشمل إخوانه في الدعاء، ولا يخص نفسه فقط.
2- الحرص على الخير للآخرين: كما فعل الصحابي عندما سأل للنبي ﷺ أن يدعو للمقصرين أيضاً.
3- تفاضل الأعمال: فالحلق أفضل من التقصير، لكن كليهما مأجور عليه.
4- تقديم رضا الله على متاع الدنيا: فمغفرة الله وثوابه خير من الدنيا وما فيها.
5- التأدب مع النبي ﷺ: حيث سأل الصحابي بأدب ولباقة، ولم يعترض على الدعاء، بل توسل بسؤال لطيف.


خامساً:

معلومات إضافية
- هذا الحديث من أحاديث فضائل أعمال الحج، ويستدل به على أن المغفرة تشمل كل من حلق أو قصر إذا أتى بالنسك على الوجه المشروع.
- يستحب للحاج أو المعتمر أن يخلص النية في حلق شعره أو تقصيره، وأن يتذكر أثناء ذلك مغفرة الله وعفوه.
- الحديث يدل على جواز سؤال العالم أو الداعي أن يشمَل الدعاء فئة أخرى، بل هو من حسن الصحبة والأخوة.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الإمام أحمد (١٧٥٩٨) من حديث أوس بن عبيد الله أبي مقاتل السّلوليّ، قال:
حدّثني بريد بن أبي مريم، عن أبيه مالك بن ربيعة، فذكره.
وفيه أوس بن عبيد الله السّلوليّ من أهل البصرة، ذكره ابن حبان في الثقات (٦/ ٧٣) وهو من رجال «التّعجيل» وقد روى عنه جماعة، كما ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتّعديل.
فهو مقبول، وهو كذلك لأنه تابعه حبان بن يسار الكلابيّ، عن يزيد بن أبي مريم، أنه سمع أباه أبا مريم بذكر عن النبيّ ﷺ أنه في خطبة له (فذكر الحديث).
ومن طريقه رواه الطبرانيّ في «الكبير» (٩/ ٢٧٥)، والأوسط كما في مجمع البحرين (١٧٧٧). وحسّنه أيضًا الهيثميّ في «المجمع» (٣/ ٢٦٢) وعزاه إلى الأوسط وأحمد ولم يعزُ إلى «الكبير» .
وحبان بن يسار الكلابي من رجال «التقريب»، قال فيه الحافظ: «صدوق اختلط».
وأبو مريم كنية مالك بن ربيعة، وله صحبة كما قال ابن معين وغيره، وقد جاء إلى النبيّ ﷺ فدعا له النبيّ ﷺ أن يبارك له في ولده، فولد له ثمانون ذكرًا كما في الإصابة (٣/ ٣٤٤).
وفي الباب ما روي عن أبي سعيد الخدريّ: «أنّ النبيّ ﷺ أحرم وأصحابه عام الحديبية غير عثمان وأبي قتادة، فاستغفر للمحلِّقين ثلاثًا وللمقصِّرين مرة».
رواه الإمام أحمد (١١١٤٩)، وأبو يعلى (١٢٦٣)، والبيهقيّ في الدلائل (٤/ ٥١)، والطّيالسيّ (٢٢٢٤) كلّهم من حديث هشام، عن يحيى (وهو ابن أبي كثير)، عن أبي إبراهيم الأنصاريّ، قال: ثنا أبو سعيد الخدريّ، فذكره.
وأبو إبراهيم هو الأشهليّ المدنيّ، قال فيه أبو حاتم: «لا يدري من هو». الجرح والتعديل (٩/ ٣٣٢)، وبه أعله الهيثميّ في «المجمع» (٣/ ٢٦٢).
ولا يروى عنه غير يحيى بن أبي كثير، ولم يذكره ابن حبان في «الثقات»، ولا في «المجروحين» فهو «مجهول»، ولكن قال فيه الحافظ: «مقبول».
ورواه الطّحاويّ في شرح مشكله (١٣٨٦) من طريق هارون بن إسماعيل الخزاز، عن علي بن المبارك، قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثير، أنّ أبا إبراهيم حدّثه عن أبي سعيد الخدريّ: «أنّ رسول الله ﷺ عام الحديبية حلق، وحلق أصحابه رؤوسهم غير رجلين: رجل من الأنصار، ورجل من قريش».
قال الطّحاويّ: «ولم نجد هذا التبيان في حديث أحد ممن روى هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير غير علي بن المبارك، وأمّا الأوزاعيّ فلم يذكر ذلك في حديثه هذا عن يحيي». ثم قال: «وليس علي بن المبارك بدون الأوزاعيّ» انتهى.
وعلي بن المبارك هو الهنائيّ، ثقة، وثقه أبو داود وغيره من رجال الجماعة، ولكن قوله: «ليس بدون الأوزاعيّ» ففيه نظر؛ لأنّ الأوزاعي إمام جليل وفقيه كبير، ثم كان لعلي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير كتابان: أحدهما سماع، والآخر إرسال. فحديث الكوفيين عنه فيه شيء، والرّاوي عنه هارون بن إسماعيل الخزاز من البصرة.
فقول علي بن المبارك: «غير رجلين: رجل من الأنصار، ورجل من قريش» لم يأت في خبر آخر صحيح.
وأمّا ما ذكر في مسند الإمام أحمد: عثمان وأبو قتادة فهما غير محرمين أصلا، ليسا ممن شكّ فقصر فتنبّه.
وفي الباب أيضًا ما رُوي عن جابر بن عبد الله يقول: حلق رسول الله يوم الحديبية، وحلق ناس كثير من أصحابه حين رأوه حلق، وأمسك آخرون. فقالوا: والله! ما طفنا بالبيت فقصروا: فقال رسول الله ﷺ: «يرحم الله المحلِّقين». فقال رجل: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: «رحم الله المحلقين». فقال رجل: والمقصرين يا رسول الله؟ «يرحم الله المحلِّقين». فقال رجل: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: «والمقصرين».
رواه الطّحاويّ في «شرح مشكله» (١٣٦٧) من طريق زمعة بن صالح، عن زياد بن سعد، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول (فذكره).
وزمعة بن صالح الجنديّ اليماني أبو وهب ضعيف عند جماهير أهل العلم. قال ابن حبان: «كان رجلًا صالحًا يهم ولا يعلم، ويخطئ ولا يفهم حتى غلب في حديثه المناكير التي يرويها عن المشاهير» «المجروحين».
وفيه بيان لمعنى الشّك.
وفي الباب ما روي أيضًا عن حُبشي بن جنادة -وكان ممن شهد حجّة الوداع- قال: قال رسول الله ﷺ: «اللهم! اغفر للمحلّقين» قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟ قال: اللهم! اغفر للمحلّقين«قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟ قال: «اللهم! اغفر للمحلّقين«قالوا: يا رسول الله: والمقصِّرين؟ قال -في الثالثة-: «والمقصِّرين».
رواه الإمام أحمد (١٧٥٠٧)، والطبراني في الكبير (٤/ ١٨) كلاهما من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال (فذكره).
وأبو إسحاق مدلس ومختلط، ويقال: إنه لم يسمع من حبشي بن جنادة، ففيه انقطاع.
وفي الباب ما رُوي عن قارب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «اللهم! اغفر للمحلقين«قال رجل: والمقصرين. قال في الرابعة: «والمقصرين».
رواه الإمام أحمد (٢٧٢٠٢) عن سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن ابن قارب، عن أبيه، قال: فذكره.
ويُقَلِّلُه سفيان بيده قال سفيان: وقال في تيك كأنه يوسع يده.
وابن قارب هو عبد الله وقد حج مع أبيه، وله ولأبيه صحبة ولكن فيه انقطاع، فإن إبراهيم بن ميسرة لم يسمع منه، وإنما سمعه من ولده وهب كما في الرواية الآتية.
ففي مسند البزار - كشف الأستار (١١٣٥)، والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (٣/ ٢٣٣) ومن طريقه ابن قانع في المعجم (٢/ ٨٥) عن سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن وهب بن عبد الله بن قارب، عن أبيه، عن النبي ﷺ فذكره.
ووهب بن عبد الله بن قارب اختلف في صحبته، والصحيح أنه تابعي، ذكره البخاري في التاريخ الكبير (٨/ ١٦٥)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٩/ ٢٢) وقد تفرد بالرواية عنه إبراهيم بن ميسرة، ولم يوثقه غير ابن حبان (٣/ ٤٢٧) فهو في عداد المجهولين. وله أسانيد أخرى كلها تدور عليه، وفي بعضها إرسال. وبالله التوفيق.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 481 من أصل 689 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: دعاء النبي للمحلقين والمقصرين في الحج

  • 📜 حديث: دعاء النبي للمحلقين والمقصرين في الحج

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: دعاء النبي للمحلقين والمقصرين في الحج

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: دعاء النبي للمحلقين والمقصرين في الحج

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: دعاء النبي للمحلقين والمقصرين في الحج

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب