تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث باختصار:
يحذر النبي صلى الله عليه وسلم النساء من أسباب دخول النار، ويبين لهن طريق النجاة بالصدقة والاستغفار، ثم يشرح طبيعة خلقتهن التي قد تقود إلى تلك الأسباب إذا لم يحذَرن.

---

1. شرح المفردات:

● جَزْلَة: المرأة الوَقورة العاقلة ذات الرأي والحكمة، التي تجرؤ على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لفهم الأمر لا للمعارضة.
● تَكْفُرْنَ العَشِير: أي تنكرن جميل الزوج وإحسانه، وتجحدن حقه، ولا تشكرن معروفه.
● أَغْلَبُ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ: أي أكثر إغضاءً وإيقاعًا في حبائل مكرهنّ لصاحب العقل الراجح (الرجل). والمعنى أن نقصهنّ في جانب يجعلهنّ أقوى في إغواء الرجال ومكرهم، رغم أن الرجل هو صاحب العقل الكامل.
● نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ: هذا وصف لحقيقة خلقتهنّ التي فُضِّلَ فيها الرجل، وليس انتقاصًا من كرامتهنّ أو ذمًّا مطلقًا لهنّ. فلكلٍّ ميزته التي يكمل بها الآخر.

---

2. شرح الحديث:

يبدأ الحديث بنداء النبي صلى الله عليه وسلم للنساء ناصحًا ومحذرًا، فيأمرهن بسلوك طريق النجاة وهو:
● "تصدقن": لأن الصدقة تطفئ الخطيئة، والمرأة أكثر حاجة لها لأنها سريعة التأثر بالعاطفة وقد تغضب فتُسِيء، فالصدقة كفارة لذلك.
● "وأكثرن الاستغفار": ليكفر الله عنهن الذنوب والسيئات التي قد يقعن فيها بسبب طبيعتهن.
ثم يبين السبب في هذه النصيحة الخاصة بقوله: "فإني رأيتكن أكثر أهل النار". وهذه الرؤية كانت في المنام التي هي رؤيا أنبياء فهي حق.
فاستنكرت امرأة عاقلة هذا الأمر وسألت عن سببه، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أسباب رئيسية:
1- "تكثرن اللعن": أي تكثرن من الدعاء على الآخرين بالطرد من رحمة الله، وهذا من كبائر الذنوب.
2- "وتكفرن العشير": أي لا تشكرن للزوج إحسانه، وتنكرن حقه، وقد تبلغ إلى درجة جحود النعم كلها عند أول خلاف.
3- "وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن": وهذا بيان للطبيعة التي خلق الله عليها المرأة، والتي إذا لم تُضبِط بالشرع أدت إلى تلك السلوكيات. فـ"نقصان العقل" يعني أن عاطفتها تغلب تفكيرها في كثير من المواقف، و"نقصان الدين" يعني أنها قد تفوت بعض الفرائض لعارض شرعي كالحيض، وهذا النقص ليس ذمًّا فيها بل هو من حكمة الله في تقسيم الأدوار.
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم مصداق هذا الوصف في واقع التشريع:
● نقصان العقل: "شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" وذلك لطبيعة تركيبها العقلي الذي يغلب عليه الانشغال بالتفاصيل والعاطفة، مما قد يؤثر على دقة الشهادة وربط الأحداث، فجعل الشرع شهادة امرأتين كشهادة رجل واحد حفظًا للحقوق وتكميلاً للنقص.
● نقصان الدين: "تمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان" أي أنها تمكث ليالي كثيرة لا تصلي فيها ولا تصوم بسبب الحيض والنفاس، وهي عبادات معطلة بسبب حكم شرعي ليس لها اختيار فيه، فلا إثم عليها فيه، بل هو طاعة لله بتركها الصلاة والصوم في هذه الحالة.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته: حيث خص النساء بنصيحة خاصة لحاجتهن إليها، وبين لهن طريق النجاة.
2- العدل الإلهي: فالتكليف على قدر الاستطاعة، ونقصان العقل والدين في المرأة ليس نقصًا في شخصيتها أو قيمتها الإنسانية، بل هو تقسيم للحكمة الإلهية، حيث جعل الله للرجل والمرأة خصائص مختلفة لتكامل الأدوار في الحياة.
3- حث النساء على مجاهدة نقصهنّ الفطري: بالمداومة على الصدقة والاستغفار، ومحاربة صفات اللعن وجحود النعم.
4- عظم حق الزوج: وجوب شكر المرأة لزوجها والاعتراف بفضله، وأن جحود ذلك من أسباب العقاب.
5- تحذير من اللعن: وهو من الذنوب العظيمة التي يجب على المسلم والمسلمة اجتنابها.
6- الفهم الصحيح للنصوص: فلا يؤخذ قوله "ناقصات عقل ودين" على سبيل الذم المطلق، بل على أنه وصف لحقيقة خلقتهن التي قد تؤدي إلى تلك السلوكيات إذا لم تُحكم بضوابط الشرع.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث لا يتناقض مع فضل الكثير من النساء العابدات العالمات الصالحات اللاتي بلغن أعلى مراتب الإيمان، فقد كنّ على علم بطبيعتهن فجاهدنها حتى تفوقن.
- النقص هنا نسبي مقارنة بالرجل، وليس نقصًا مطلقًا. فالكمال المطلق لله تعالى.
- يجب أن يفهم الحديث في سياقه، وأن المقصود هو التح