دَعْها عنك وقد قيل قد أرضعتكما

حديث: دَعْها عنك وقد قيل قد أرضعتكما

عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، قال: فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعنكما، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فأعرض عني، قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، قال: «وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما» فنهاه عنها.
وفي رواية: «وكيف وقد قيل! دَعْها عنك».

صحيح: رواه البخاريّ في الشهادات (٢٦٥٩) من طريق ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين. هذا الحديث العظيم الذي سألت عنه رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (5102)، ومسلم في "صحيحه" (1455)، وهو من الأحاديث التي تُبين حكمة الشريعة الإسلامية وسَعَة عِلْم نبيها ﷺ.

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● عقبة بن الحارث: صحابي جليل، من بني عبد الدار من قريش.
● أم يحيى بنت أبي إهاب: المرأة التي تزوجها عقبة.
● أمة سوداء: امرأة مسترَقّة سوداء البشرة.
● أرضعنكما: أرضعت كلًا من الزوج (عقبة) والزوجة (أم يحيى) في صغرهما.
● أعرض عني: صرف وجهه الشريف ﷺ عنه، indicating عدم الرغبة في الاستماع أو التأمل في الأمر.
● تنحيت: ابتعدت قليلاً ثم عدت.
● دعها عنك: اتركها وابتعد عنها، أي لا تستمر في هذا الزواج.

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي الصحابي عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه تزوج امرأة اسمها أم يحيى بنت أبي إهاب، فأتتهم أمة سوداء وأخبرتهما أنها قد أرضعتهما في صغرهما – أي أن كلًا من الزوج والزوجة قد رضعا من لبن هذه المرأة – فصارت بذلك أماً لهما من الرضاعة، وبالتالي صارا أخوين من الرضاع، والرضاع يحرم ما يحرم النسب، فلا يحل للرجل أن يتزوج أخته من الرضاعة.
عندما سمع عقبة بهذا الخبر، ذهب إلى النبي ﷺ ليستفتيه ويخبره بما قالته الأمَة، فلما أخبره، أعرض عنه النبي ﷺ أولاً، ففهم عقبة أن في هذا الإعراض إشارة إلى خطورة ما سمع، فتنحى جانباً ثم عاد وكرر عليه القصة، فقال له النبي ﷺ: «وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما» أي: كيف تبقى معها في الزواج وقد ادعت هذه المرأة أنها أرضعتكما؟ وفي الرواية الأخرى: «وكيف وقد قيل! دعها عنك» أي:既然 قد قيل هذا القول ووصل إليك، فاتركها ولا تستمر في هذا الزواج.
فنهاه النبي ﷺ عن أن يبقى معها، ففارقها عقبة.

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:

1- حرمة الزواج بالمُرضَعَة أو بإخوانها من الرضاع: الحديث دليل واضح على أن الرضاع يحرم كالنسب، وأنه إذا ثبت أن امرأة أرضعت رجلاً وامرأة، صارا أخوين، ولا يحل لهما الزواج.
2- وجوب الفور في التفريق عند ثبوت حرمة الرضاع: أمر النبي ﷺ عقبة بمفارقة زوجته بمجرد سماع الخبر من المرأة، دون انتظار لإثبات أو بينة قوية، لأن أمر الرضاع من الأمور الخطيرة التي تتعلق بالأنساب والحرمات.
3- قبول قول المرأة الثقة في إخبارها عن الرضاع: في هذا الحديث قبل النبي ﷺ قول الأمة السوداء في دعواها أنها أرضعت الاثنين، ولم يطلب بينة أو شهادة أخرى، لأن الأصل في المسلم الصدق، خاصة في مثل هذه الأمور التي لا يُتَّهَم فيها الإنسان بالكذب عادة.
4- الحكمة من إعراض النبي أولاً: بعض العلماء يرى أن إعراض النبي ﷺ أولاً كان من أجل أن يتفكر عقبة بنفسه في عاقبة الأمر، أو أن يكون ذلك تنبيهاً على عظم المسألة، حتى لا يستسهل الناس أمور الرضاع.
5- التأدب مع النبي ﷺ وعدم الإلحاح عليه: تصرف عقبة بأن تنحى ثم عاد بأدب يدل على أدب الصحابة مع النبي ﷺ وحسن تعاملهم معه.
6- الرضاع المحرِّم هو ما كان في الصغر خمس رضعات مشبعات: وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بأحاديث أخرى في الباب.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأدلة على أن الرضاع يثبت بشهادة امرأة واحدة عدلة، إذا لم يوجد ما يعارض قولها.
- يجب على المسلم أن يتثبت من صحة الرضاع قبل الزواج، خاصة في المجتمعات التي كان الرضاع فيها منتشراً.
- المفارقة هنا واجبة فوراً، ولا يجوز التأخير، حفظاً للأنساب وصوناً للأعراض.
- العلماء يستدلون بهذا الحديث على أن الإعراض أحياناً يكون وسيلة للتنبيه على الخطأ، وهو أسلوب حكيم في التعليم والتوجيه.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الشهادات (٢٦٥٩) من طريق ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث.
والرّواية الأخرى (٢٦٦٠) من طريق عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، به.
وفي الحديث دليل على قبول شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال مثل الرضاعة، وشهادة القابلة في الاستهلال وغيرها. انظر الكلام المتصل في «المنة الكبرى» (٩/ ٨٩).

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 47 من أصل 77 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: دَعْها عنك وقد قيل قد أرضعتكما

📜 حديث: دَعْها عنك وقد قيل قد أرضعتكما

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: دَعْها عنك وقد قيل قد أرضعتكما

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: دَعْها عنك وقد قيل قد أرضعتكما

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: دَعْها عنك وقد قيل قد أرضعتكما

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية