حديث: النساء حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب قوله: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣)﴾

عن أبي النضر أنه قال لنافع: إنه قد أكثر عليك القول: إنك تقول عن ابن عمر: إنه أفتى أن تُؤتى النساء في أدبارهن، قال: نافع، كذبوا علي، ولكني سأخبرك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يومًا، وأنا عنده حتى بلغ قوله عز وجل: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ قال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قال: قلت: لا، قال: إنا كنا معشر قريش نجبّي النساء، فلما دخلنا المدينة، ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهن مثل الذي نريد، فإذا هن قد كرهن وأعظمن ذلك، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾.

حسن: رواه الطحاوي في مشكله (١٥/ ٤٢٤) من حديث المفضل بن فضالة، عن عبد اللَّه، عن كعب بن علقمة، عن أبي النضر أنه قال: فذكره.

عن أبي النضر أنه قال لنافع: إنه قد أكثر عليك القول: إنك تقول عن ابن عمر: إنه أفتى أن تُؤتى النساء في أدبارهن، قال: نافع، كذبوا علي، ولكني سأخبرك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يومًا، وأنا عنده حتى بلغ قوله ﷿: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ قال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قال: قلت: لا، قال: إنا كنا معشر قريش نجبّي النساء، فلما دخلنا المدينة، ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهن مثل الذي نريد، فإذا هن قد كرهن وأعظمن ذلك، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في "الأدب المفرد" (رقم 923) وغيره، وهو حديث صحيح الإسناد إلى نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما. وهو حديث عظيم الشأن، يرد على فرية باطلة وينقل لنا قصة نزول آية من آيات الأحكام.

أولاً. شرح مفردات الحديث:


● أكثر عليك القول: كثرت الإشاعات والأقاويل حولك.
● تؤتى النساء في أدبارهن: أن الجماع يكون في الدبر (وهو محل القذرة).
● كذبوا علي: افتروا علي واختلقوا الكذب.
● عرض المصحف: كان يقرأ القرآن ويتدبره.
● نجبي النساء: من "الجَبّ" وهو الجماع في القبل (المكان الطبيعي)، أي كنا نأتي النساء في قبلوهن فقط.
● أخذن بحال اليهود: اقتدين وتشبهن بيهود المدينة في عاداتهم.
● يؤتين على جنوبهن: أي يُجامعن على جنبهن، وهو الوضعية المعتادة للجماع في القبل.

ثانياً. شرح الحديث ومعناه:


يخبرنا أبو النضر أنه سمع إشاعة تنتشر عن نافع مولى ابن عمر - وهو من كبار التابعين وأوثقهم في رواية أحاديث ابن عمر - مفادها أن ابن عمر كان يفتي بجواز إتيان المرأة في دبرها، فذهب إليه مستفسراً.
فأنكر نافع هذه الفرية أشد الإنكار، وقال: "كذبوا علي"، ثم شرع يبين القصة الحقيقية التي أوحت بهذه الإشاعة الكاذبة.
القصة كما رواها نافع:
كان ابن عمر رضي الله عنهما يقرأ القرآن ذات يوم، فلما وصل إلى قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [سورة البقرة: 223]، سأل نافعاً إن كان يعلم سبب نزول هذه الآية.
فأخبره ابن عمر أنهم عندما كانوا في مكة (قريش) كانوا لا يعرفون من أوضاع الجماع إلا الوضع المعتاد (الإتيان في القبل). فلما هاجروا إلى المدينة وتزوجوا من نساء الأنصار، أرادوا أن يجامعوهن على أوضاع أخرى (مثل الجماع من الخلف ولكن في القبل، أو على الجنب، وغير ذلك من الأوضاع المباحة)، فاستنكرن ذلك ورفضنه واستقبحنه، لأن نساء الأنصار كن قد تأثرن بعادات اليهود في المدينة، الذين كانوا يقتصرون على وضعية واحدة فقط للجماع (وهي على الجنوب)، ويرون أن أي وضعية أخرى حرام.
فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. أي: نساؤكم مكان زرع لكم (للذرية والمتعة الحلال)، فأتوهن في مكان الزرع (أي في القبل) {أَنَّى شِئْتُمْ} أي: كيفما شئتم من الأوضاع (من أمام، من خلف، على جنب، إلخ) ما دام ذلك في الفرج (مكان الحرث).

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:


1- رد الفرية والافتراء على العلماء: الحديث تحذير عظيم من نقل الأقوال عن العلماء بدون تثبت، أو تحريف كلامهم، أو الافتراء عليهم. وهذا من أخطر الأمراض التي تصيب الأمة.
2- سبب نزول الآية: يبين الحديث سبب نزول قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، وهو إباحة جميع أوضاع الجماع المشروعة بين الزوجين، ما دام ذلك في القبل (محل الحرث).
3- تحريم إتيان المرأة في دبرها: القصة والآية تدلان دلالة قاطعة على تحريم إتيان المرأة في دبرها، لأن الله قيد الإتيان بالحرث، والحرث هو موضع الزرع وهو القبل، وليس الدبر. وهذا هو مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف (الشافعية، والحنابلة، والمالكية، والحنفية) وهو الراجح، وأنه من الكبائر. واستدلوا أيضاً بأدلة أخرى منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ملعون من أتى امرأة في دبرها» (رواه الترمذي وصححه الألباني).
4- التيسير في العلاقة الزوجية: الإسلام دين الفطرة، وقد أباح للزوجين التلذذ بما شاءا من الأوضاع المباحة التي تقع في محل الحرث (القبل)، مما يحقق السكن والمودة والرحمة بينهما، بشرط رضا الزوجة وطيب نفسها.
5- التثبت في نقل الأخبار: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}. وهذا الحديث نموذج عملي لأهمية التثبت وعدم نقل كل ما يسمع المرء.
6- أخذ العادات من غير المسلمين: قصة نساء الأنصار اللاتي تأثرن بثقافة اليهود وتحجيرهم ما أحل الله، تذكرنا بالحذر من أخذ العادات والتشريعات من غير المسلمين دون الرجوع إلى هدي الإسلام ونصوصه.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الطحاوي في مشكله (١٥/ ٤٢٤) من حديث المفضل بن فضالة، عن عبد اللَّه، عن كعب بن علقمة، عن أبي النضر أنه قال: فذكره.
ورواه النسائي في الكبرى (٨٩٢٩) من حديث المفضل إلا أنه قال: حدثني عبد اللَّه بن سليمان، عن كعب بإسناده نحوه.
وعبد اللَّه هو ابن عياش بن عباس أبو حفص المصري مختلف فيه ولكن تابعه عبد اللَّه بن سليمان وهو ابن زرعة الحميري الطويل، وهو أيضًا مختلف فيه ولكن يقوي أحدهما الآخر ورسم الحديث الحسن.
ولكن يرى مالك أن القول الصحيح عن ابن عمر جواز إتيان الرجل امرأته في دبرها، فقد روى ابن جرير في تفسيره (٣/ ٧٥٢) من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك بن أنس أنه قيل له: يا أبا عبد اللَّه، إن الناس يروون عن سالم: «كذب العبد، أو: العلجُ، على أبي»! فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد اللَّه، عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له: فإنّ الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إنا نشتري الجواري فنُحمِّض لهن؟ فقال: وما التحميض؟ قال: الدُّبُر. فقال ابن عمر: أفْ! أفْ! يفعل ذلك مؤمن؟ ! -أو قال: مسلم! - فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب، عن ابن عمر، مثل ما قال نافع وكان ميمون بن مهران يقول عندما ذكر له عن نافع ما حكي عنه من إباحة النساء في أدبارهن فقال: إنما قال ذلك نافع بعد ما كبر، وذهب عقله، رواه الطحاوي في مشكله (١٥/ ٤٢٦).
وقال الطحاوي: وقد روي عن سالم نفي ذلك عن ابن عمر كما حدّثنا ابن أبي داود، حدّثنا ابن أبي مريم، أخبرنا عطاف بن خالد، عن موسى بن عبد اللَّه بن الحسن، أن أباه سأل سالم بن عبد اللَّه أن يحدثه بحديث نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يرى بأسًا في إتيان النساء في أدبارهن، فقال سالم: كذب العبد، أو قال: أخطأ، إنما قال: لا بأس أن يؤتين في فروجهن من أدبارهن.
وبناء على هذه الآثار ذهب بعض أهل العلم إلى أن القول الصحيح عن ابن عمر المنع، ولعله كان يقول بجوازه قبل هذا اجتهادًا منه، فلما بلغه النهي رجع إلى تحريمه.
وأما ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأة في دبرها، فأنكر الناس عليه ذلك فأنزل اللَّه: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ فهو ضعيف.
رواه الطحاوي في مشكله (٦١١٨) عن أحمد بن داود بن موسى، حدّثنا يعقوب بن كاسب، حدّثنا عبد اللَّه بن نافع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري فذكره.
يعقوب بن كاسب هو يعقوب بن حميد بن كاسب المدني قد ينسب إلى جده ضعفه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم. ولا تنفع متابعة الحارث بن سريج له فإنه ضعيف جدا، بل كذبه بعض العلماء، ومن طريقه رواه أبو يعلى (١١٠٣) بإسناده عن أبي سعيد قال: أبعر رجل امرأته على عهد رسول اللَّه ﷺ فقالوا: أبعر فلان امرأته فأنزل اللَّه: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾.
وقوله: «أبعر رجل امرأته» أي أتى مكان خروج البعر من الأمعاء وهو الدبر.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 149 من أصل 1947 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: النساء حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم

  • 📜 حديث: النساء حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: النساء حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: النساء حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: النساء حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب