اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه (رقم 3241، 5197) ومسلم في صحيحه (رقم 2737) عن الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء».

---

أولاً. شرح المفردات:

● اطلعت: نظرت وتأملت بعين القلب أو بالرؤيا التي أراها الله تعالى لنبيه.
● الفقراء: هنا المقصود بهم فقراء المسلمين المتقين، الذين ليس لهم مال كثير، وليس المقصود الفقراء الكفار.
● أكثر أهلها النساء: أي أن جنس النساء يشكل النسبة الأكبر من أهل النار، وهذا لا يعني أن كل امرأة في النار، ولا أن كل رجل في الجنة، بل هي إحصائية ونسبة عامة.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبر النبي صلى الله عليه وسلم – بما أوحى الله إليه – أنه رأى حال داري القرار: الجنة والنار.
1- «اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء»:
- هذا الفضل للفقراء ليس لأن الفقر بذاته فضيلة، بل لأن الفقير الصابر المحتسب غالباً ما يكون أبعد عن الاغترار بالدنيا، وأقل تعلقاً بها، وأكثر تواضعاً وخشوعاً لله تعالى. كما أن غنى القلب بالإيمان وعدم التكالب على الدنيا يسهل عليه فعل الطاعات واجتناب المعاصي.
- ليس معنى هذا أن الأغنياء لا يدخلون الجنة، بل يدخلها الأغنياء الشاكرون الذين يؤدون حقوق الله في أموالهم (كالصدقة والزكاة)، وينفقون في سبيل الخير، ولا يمنعهم مالهم عن طاعة الله. وقد بشر الله الأغنياء الشاكرين بالجنة في غير ما آية.
2- «واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء»:
- هذا الجزء من الحديث يحتاج إلى فهم دقيق حتى لا يُظلم جنس النساء. النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن واقع رأه، وهو يوجب على النساء خاصة التحرز والتقوى.
- ذكر العلماء أسباباً كثيرة لهذا، منها ما جاء في أحاديث أخرى تشرح هذا العموم، مثل:
● كفران العشير: وهو كفران الزوجة لمعروف زوجها وإحسانه إليها. فلو أحسن إليها الزوج طول عمرها ثم رأت منه شيئاً تكرهه قالت: "ما رأيت منك خيراً قط!" كما في رواية للحديث.
● التفريط في بعض الفرائض: كالتهاون في الصلاة والصيام وغيرها.
● اللعن وكثرة الشكاية: فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «... والمليعات الحائدات، اللاتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» والمليعات: كثيرات اللعن. والحائدات: المائلات عن الحق والطاعة.
● تنبيه مهم جداً: هذا لا يعني الحكم على جميع النساء، فكم من نساء كن أفضل من كثير من الرجال، كأمهات المؤمنين خديجة وعائشة رضي الله عنهما، وآسيا امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهن من الصالحات القانتات العابدات اللاتي هن من سادات أهل الجنة. فالحديث إخبار عن نسبة وكثرة، وليس تعميمًا للحكم على الجميع.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- التحذير من فتنة المال والغنى: الحديث يحث على الزهد في الدنيا وعدم الاغترار بها، فكثرة المال قد تقسي القلب وتصعب فعل الطاعات.
2- الحث على شكر النعمة: على الغني أن يشكر الله على نعمته ويستعملها في طاعته، حتى لا تكون وبالاً عليه يوم القيامة.
3- التذكير بمخاطر المعاصي والغفلة: الحديث نذكرة عظيمة للرجال والنساء على حد سواء، ولكن فيه تحذير خاص للنساء من بعض الذنوب التي تكثر فيهن كالكفران ولعنة الناس.
4- عدل الله تعالى: فالله تعالى لا يعذب أحداً إلا بذنبه، ولا يحرم أحداً من الجنة إلا بمعصيته. فمن دخل النار من النساء دخلها بذنب اقترفته، ومن دخل الجنة من الفقراء دخلها بطاعة أداها.
5- التوازن في فهم النصوص: يجب أن يفهم هذا الحديث مع نصوص أخرى تبين فضل النساء الصالحات وتوضح أن السبب هو الذنوب وليس جنس المرأة بذاته.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الإخبارية، حيث أخبر عن غيب رآه بوحي من الله، وهو ما ثبت صدقه.
- ينبغي للمرأة أن تتخذ من هذا الحديث دافعاً لتقوى الله، والإكثار من الطاعات، وحسن العشرة مع زوجها، وحفظ لسانها من اللعن والشكاية، والحرص على الفرائض.
- ينبغي للرجل أن يتخذ منه عبرة في عدم الاغترار بالمال، وأن يساعد النساء في بيوتهن (زوجات، بنات، أمهات) على طاعة الله وتذكيرهن بالآخرة برفق وحكمة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا والله أعلم.