حديث: من قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذه

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب حكم القاضي لا يُحِلُّ حرامًا، ولا يُحَرِّمُ حلالًا

عن أم سلمة ﵂ قالت: جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله ﷺ يختصمان في مواريث بينهما قد درست، ليس بينهما بينة، فقال النَّبِيّ ﷺ: «إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النّار، يأتي به إسطاما في عنقه يوم القيامة، قال: فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله ﷺ: «أما إذ فعلتما هذا، فأذهبا فاقتسما وتوخيا الحق ثمّ استهما، ثمّ يتحلل كل واحد منكما صاحبه».

حسن: رواه أبو داود (٣٥٨٤، ٣٥٨٥) وأحمد (٢٦٧١٧) والدارقطني (٤/ ٢٣٨ - ٢٣٩) والحاكم (٤/ ٩٥) وابن الجارود (١٠٠٠) والبيهقي (١٠/ ٢٦) والطحاوي في مشكله (٧٥٥) كلّهم من حديث أسامة بن زيد، ثنا عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة فذكرته واللّفظ لأحمد.

عن أم سلمة ﵂ قالت: جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله ﷺ يختصمان في مواريث بينهما قد درست، ليس بينهما بينة، فقال النَّبِيّ ﷺ: «إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النّار، يأتي به إسطاما في عنقه يوم القيامة، قال: فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله ﷺ: «أما إذ فعلتما هذا، فأذهبا فاقتسما وتوخيا الحق ثمّ استهما، ثمّ يتحلل كل واحد منكما صاحبه».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليكم شرح هذا الحديث النافع العظيم الذي رواه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، مع بيان مفرداته ودروسه المستفادة.

أولاً. شرح المفردات:


● يختصمان: يتنازعان ويترافعان في خصومة.
● مواريث قد درست: أموال تركتها موروثاتهم (أي من مات من أقاربهم) وقد درست أي انمحت معالمها واختلطت ولم يعد يعرف مقدار حق كل منهما.
● بينة: دليل أو شهادة واضحة تثبت الحق.
● ألحن بحجته: أبلغ وأقدر في عرض حجته وبيان موقفه.
● أقضي بينكم على نحو ما أسمع: أحكم بينكم بناءً على ما تقدمونه لي من أدلة وبيانات.
● إسطامًا: قطعة أو قيدًا من نار.
● استهما: اقترعا أو ائتمارا على القرعة.
● يتحلل: يسامح ويترك الحق طواعية.


ثانيًا. شرح الحديث:


يحدثنا هذا الحديث عن موقف عملي يعلمنا فيه النبي ﷺ أدب الخصومة والتنازع، ويبين حدود القضاء البشري.
جاء رجلان من الأنصار -وهم أهل إيمان وتقوى- إلى رسول الله ﷺ يطلبان الحكم بينهما في ميراث قديم اختلطت معالمه ولم يبقَ لهما بينة واضحة على صحة ادعاء كل منهما. فلم ينكر النبي ﷺ عليهما مجيئهما للقضاء، بل قبل أن يحكم بينهما، لكنه بدأ بتعليمهما -وكل من يسمع- حقيقة مهمة:
"إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ": أي أنا لست بمعصوم من الخطأ في الحكم على الظاهر، فأحكامي القضائية مبنية على ما تظهرونه لي من أدلة.
"وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ": فقد يكون أحد الخصمين أبلغ أو أسرع بديهة فيعرض قضيته بشكل أقوى، فيظن القاضي –بناء على ذلك– أنه صاحب الحق، مع أنه قد لا يكون كذلك في الواقع.
"فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ": لأن هذا الشيء الذي أخذه بحكم القاضي –وهو يعلم في نفسه أنه ليس من حقه– هو في الحقيقة "قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ" سيجيء بها يوم القيامة مقيدة في عنقه، وسيحاسب عليها.
فلما سمع الرجلان هذا البيان النبوي الشريف، وأدركا خطورة أخذ ما ليس بحق، بكيا ندماً وخوفاً من الله، وتنازل كل منهما عن حقه لأخيه! فقال كل واحد: "حقي لأخي".
وهنا جاءت الروعة في حل النبي ﷺ؛ حيث لم يأمر أحدهما بأخذ حق الآخر، بل قال: "أَمَا إِذْ فَعَلْتُمَا هَذَا، فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ": أي انصرفا وتفقها بينكما على أساس العدل والورع.
"ثُمَّ اسْتَهِمَا": فإن لم تستطيعا تحديد الحق بدقة، فاقترعا على القسمة بالعدل.
"ثُمَّ لِيَتَحَلَّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ": أي ليسمح كل منكما للآخر ويتخلى له عن حقه كرمًا وإيمانًا، حتى يخرج كل منهما من الإثم والتبعة.


ثالثًا. الدروس المستفادة:


1- بشرية القاضي: الحاكم أو القاضي بشر قد يخطئ في الحكم لعدم تمكنه من معرفة البواطن، فحكمه على الظاهر فقط.
2- خطورة أخذ الحق بالباطل: أخذ مال الغير بغير حق –ولو بحكم قضائي– يعتبر غصبا وإثما عظيما، وهو من قطعات النار.
3- فضل التنازل عن الحقوق لأخوة الإيمان: كان موقف الرجلين نموذجًا رفيعًا في التورع والخشية من الله، حتى فضلا الأخوة على المال.
4- الحلول الوسطى في المنازعات: شجع النبي ﷺ على الصلح والاقتراع والتحلل بدلاً من التمسك بالخصومة.
5- أهمية النية والباطن: لا قيمة للحكم الظاهري إذا كان في الباطن ظلمًا؛ فالله يحاسب على النيات واليقين.


رابعًا. فوائد إضافية:


- هذا الحديث أصل في أن "القرعة" مشروعة عند التنازع وعدم وجود بينة.
- فيه بيان أدب الخصومة وطلب الصلح.
- يعلمنا أن الحقوق المادية لا ينبغي أن تهدم روابط الإيمان والأخوة.
- ينبغي للمسلم أن يتحرّى الحق ويتورع عن الشبهات.
نسأل الله أن يرزقنا حسن الخلق، والورع في الحقوق، وأن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (٣٥٨٤، ٣٥٨٥) وأحمد (٢٦٧١٧) والدارقطني (٤/ ٢٣٨ - ٢٣٩) والحاكم (٤/ ٩٥) وابن الجارود (١٠٠٠) والبيهقي (١٠/ ٢٦) والطحاوي في مشكله (٧٥٥) كلّهم من حديث أسامة بن زيد، ثنا عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة فذكرته واللّفظ لأحمد.
قال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم».
قال الأعظمي: هو حسن من أجل الكلام في أسامة بن زيد الليثي مولاهم، غير أنه حسن الحديث.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 19 من أصل 77 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذه

  • 📜 حديث: من قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذه

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: من قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذه

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: من قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذه

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: من قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذه

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب