شيء تركه رسول الله فلم يحركه فلا أحركه

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما ندرس من سنة نبيه ﷺ.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح، وله شواهد، وهو يتناول موقفاً مهماً من مواقف الخلفاء الراشدين مع تركة النبي ﷺ، وسأشرحه لك مفصلاً بحول الله وقوته.

---

أولاً. شرح المفردات:

● قبض: توفي، وأُخذت روحه.
● استخلف: صار خليفة للمسلمين بعد النبي ﷺ.
● خاصم: تخاصم وتنازع.
● العَبَّاس: هو العباس بن عبد المطلب، عم النبي ﷺ، وكان أكبر من النبي ﷺ سناً.
● عليّ: هو علي بن أبي طالب، ابن عم النبي ﷺ وصهره.
● أشياء تركها رسول الله ﷺ: يقصد بها الميراث أو ما خلفه النبي ﷺ من مال أو أرض.
● فلم يحركه: لم يتصرف فيه أو يغيره عن حاله.
● اختصما إليه: قدما خصومتهما إليه ليفصل فيها.
● نكس رأسه: خفض رأسه إلى الأرض تفكيراً وتأملاً.
● خشيت أن يأخذه: خاف ابن عباس أن يأخذ عثمان الميراث لنفسه أو يحكم به لطرف دون الآخر.
● أقسمت عليك: حلفت عليك وألزمتك بالقسم.
● فسلمه له: فتنازل العباس عنه وسلمه لعلي.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن حدث وقع بعد وفاة النبي ﷺ. فلما توفي النبي ﷺ وتولى أبو بكر الصديق الخلافة، حصل نزاع بين العباس (عم النبي) وعلي بن أبي طالب (ابن عمه وزوج ابنته) حول أشياء أو أملاك تركها النبي ﷺ بعد وفاته.
فلما عرضوا نزاعهم على الخليفة أبي بكر رضي الله عنه، قال حكمة عظيمة: "شيء تركه رسول الله ﷺ فلم يحركه فلا أحركه". أي أن النبي ﷺ ترك هذا المال أو هذه الأملاك على حالها في حياته ولم يتصرف فيها أو يقسمها، فأنا كخليفة لا أتجرأ على التصرف فيها أو تغيير حالها.
ثم لما تولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عاد العباس وعلي رضي الله عنهما إلى الخليفة الجديد لعله يحكم بينهما بشكل مختلف. فرد عمر بن الخطاب بنفس حكمة سلفه: "شيء لم يحركه أبو بكر فلست أحركه". أي أن أبا بكر وهو خليفة رسول الله امتنع عن التصرف فيها، فأنا أتبع منهجه وأمتنع كذلك.
ثم لما آلت الخلافة إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، عادا إليه مرة ثانية. هنا سكت عثمان رضي الله عنه وأطال التفكير وخفض رأسه. يقول الراوي ابن عباس (وهو ابن العباس وحفيده): فخشيت أن يحكم عثمان بأخذ هذا الميراث (ربما لبيت المال أو لغيره)، فضربت بيدي على ظهر أبي (العباس) وحلفت عليه وألزمته أن يتنازل عن حقه لعلي. فاستجاب العباس لطلب ابنه وتنازل عن الميراث لعلي رضي الله عنه، فانتهى النزاع.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- حكمة الخلفاء الراشدين وورعهم: يظهر لنا من الموقف ورع أبي بكر وعمر الشديد، واتباعهما لهدي النبي ﷺ literally (حرفياً)، حيث امتنعا عن التصرف في أي شيء تركه النبي على حاله. وهذا من فقههم العميق وورعهم المتين، خوفاً من أن يكون في ذلك التصرف مخالفة لمراد النبي ﷺ.
2- احترام سلف الأمة وأفعالهم: نرى كيف أن عمر رضي الله عنه امتنع عن التصرف لأنه رأى أبا بكر قد امتنع، وهذا يدل على تعظيم السابقين واحترام اجتهاداتهم، وهو من أصول منهج أهل السنة والجماعة.
3- الأولوية للوحدة ودفع الفرقة: تصرف ابن عباس رضي الله عنهما – وهو العالم الفقيه – يدل على حكمته وخوفه من استمرار النزاع أو أن يؤدي إلى فرقة، فبادر بحل عملي يقطع النزاع وهو تنازل أحد الطرفين. وهذا يعلمنا أن درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح أحياناً، وأن الحكمة مطلوبة في حل الخلافات.
4- قضية ميراث النبي ﷺ: اتفق العلماء على أن الأنبياء لا يورثون، وأن ما تركوه صدقة، كما في الحديث الصحيح: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ». وهذا الحكم كان معلوماً لأبي بكر وعمر، وامتناعهما عن "تحريك" ما ترك النبي قد يكون لسبب آخر، كأن يكون خاصاً ببعض أملاكه أو هباته، والله أعلم. وقد يكون امتناعهما نوعاً من التورع والاحتياط.
5- الأخوة في الله مقدمة على المال: انتهى الموقف بتنازل العباس رضي الله عنه عن حقه طاعة لابنه ورغبة في الإصلاح، مما يدل على تقديم روح الأخوة والمصلحة العامة على المطالبة بالحقوق الشخصية.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الموقف يظهر أن الخلاف بين الصحابة كان خلافاً اجتهادياً في فهم الحق، وليس خلافاً على أمر دنيوي محض، ولهذا لم يفسد للود قضية بينهم.
- يروي هذا الحديث ابن عباس وهو من هو في فقهه وعلمه، مما يدل على أنه يريد أن يعلم الأمة أدب الخلاف وكيفية ح