انطلقت مع رسول الله ﷺ عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإني أقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النافع، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة، وأسأل الله تعالى أن ينفع به.
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الصيد، باب إذا أصاب الصيد وهو حلال ثم أحرم، ورواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة صيد البحر.
### ثانيًا. شرح المفردات
● عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ: السنة السادسة للهجرة، ووقعت فيها صلح الحديبية.
● أَحْرَمَ: دخل في نُسك العمرة أو الحج بالتلبية وترك محظورات الإحرام.
● غَيْقَةَ: اسم موضع قريب من المدينة.
● حِمَارِ وَحْشٍ: الحمار الوحشي، وهو من صيد البر.
● فَأَثْبَتُّهُ: قتلته وأثبته في مكانه.
● أَنْ نُقْتَطَعَ: أن نفصل عن الرفقة ونبقى وحدنا عرضة للعدو.
● شَأْوًا: مسافة بعيدة.
● بَنِي غِفَارٍ: قبيلة معروفة، وكان منهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه.
● تَعْهِنَ: موضع قريب من مكة.
● السُّقْيَا: اسم بئر.
● قَائِلٌ: يعني وقت القيلولة، أي نائم في نصف النهار.
### ثالثًا. شرح الحديث
يحكي هذا الحديث قصة حدثت مع الصحابي الجليل أبي قتادة رضي الله عنه أثناء ذهابهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية. وخلاصة القصة:
1- اختلاف حال الصحابة في الإحرام: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للعمرة في صلح الحديبية، فأحرَم معظم الصحابة (أي دخلوا في نُسك العمرة)، ولكن أبا قتادة لم يُحرم، فكان حلالاً (أي لم يدخل في الإحرام بعد).
2- خبر العدو وانشغال النبي ﷺ: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن عدواً لهم في منطقة "غَيْقَة"، فانشغل بذلك الأمر وترك الصحابة.
3- صيد أبي قتادة للحمار الوحشي: بينما أبو قتادة مع مجموعة من الصحابة المحرمين، رأى حماراً وحشياً، فحمل عليه وهو حلال (غير محرم) فصاده وقتله. ثم طلب من الصحابة المحرمين أن يساعدوه فأبوا لأنهم محرمون ولا يجوز لهم الاصطياد ولا التعاون عليه. فأكل أبو قتادة وحده من لحمه لأنه حلال، ثم خاف أن يتخلف عن القافلة.
4- لقاء أبي قتادة بالنبي ﷺ: انطلق أبو قتادة بسرعة ليلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقابل في الطريق رجلاً من بني غفار دلّه على مكان النبي، فوجده نائماً في وقت القيلولة عند بئر السقيا.
5- استئذان أبي قتادة للنبي ﷺ: أخبر أبا قتادة النبيَّ أن الصحابة خافوا أن ينفصلوا عنه، وطلب منه أن ينتظرهم، فانتظرهم النبي صلى الله عليه وسلم.
6- سؤال أبي قتادة عن الصيد وإباحة النبي ﷺ للأكل: أخبر أبو قتادة النبي أنه أصاد حمار وحش وكان معه فضلة من لحمه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة المحرمين أن يأكلوا منه.
### رابعًا. الدروس المستفادة والفقه في الحديث
1- جواز أكل المحرم من الصيد إذا لم يصده هو بنفسه: وهذا من أهم فوائد الحديث، حيث أباح النبي صلى الله عليه وسلم للمحرمين أن يأكلوا من الصيد الذي صاده الحلال (غير المحرم)، وهذا دليل على أن المحرم لا يجوز له الاصطياد، لكن يجوز له الأكل من صيد غيره.
2- تحريم الاصطياد على المحرم: وهذا مما أجمع عليه العلماء، وأن المحرم إذا اصطاد متعمداً لزمه الجزاء.
3- التيسير ورفع الحرج في الشريعة: حيث أباح النبي صلى الله عليه وسلم الأكل للصحابة المحرمين رفعاً للحرج عنهم، خاصة أنهم في سفر وخشوا الجوع.
4- جواز أكل صيد الحلال ولو كان محرماً على المحرم: لأن أبا قتادة كان حلالاً فصاد الحمار، فجاز للمحرمين الأكل منه.
5- حرص الصحابة على طاعة الله ورسوله: حيث امتنع الصحابة المحرمون عن帮助 أبي قتادة في الصيد لأنهم يعلمون تحريمه عليهم.
6- جواز النوم نهاراً للمسافر: كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في وقت القيلولة.
7- الرفق بالصحابة وانتظارهم: حيث انتظر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عندما أخبره أبو قتادة أنهم خلفه.
8- استحباب إلقاء السلام وذكر الرحمة: كما قال أبو قتادة: "يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللهِ".
### خامسًا. معلومات إضافية
● حكم أكل الصيد للمحرم: جمهور العلماء على أن المحرم لا يجوز له الاصطياد، لكن إذا صاده حلال وأهدى له جاز الأكل.
● الفرق بين المحرم والحلال في الصيد: المحرم يحرم عليه الاصطياد والتعاون عليه، أما الحلال فله ذلك.
● قاعدة: (الذنب على من اصطاد): فالإثم على الصائد لا على الآكل إذا كان جاهلاً أو مضطراً.
هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.