حديث: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب إباحة تغطية المحرمة وجهها من الرّجال

عن فاطمة بنت المنذر قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصّديق.

صحيح: رواه مالك في الحج (١٨) عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، فذكرته.

عن فاطمة بنت المنذر قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصّديق.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث الشريف شرحًا وافيًا مستندًا إلى كلام أهل العلم المعتبرين من أهل السنة والجماعة:
الحديث:
عن فاطمة بنت المنذر قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصّديق.
(رواه الإمام مالك في الموطأ، والإمام البخاري في صحيحه).


1. شرح المفردات:


* نخمر: من التخمير، وهو التغطية. والمقصود هنا تغطية الوجه بالنقاب أو غيره.
* وجوهنا: الوجوه، مفردها وجه.
* محرمات: في حالة الإحرام للحج أو العمرة.
* مع أسماء بنت أبي بكر: أي في رفقتها ونسكها، وهي من كبار التابعيات الفقيهات، ابنة الصديق وأخت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم أجمعين.


2. شرح الحديث:


هذا الحديث يروي لنا فعلًا من أفعال الصحابيات الجليلات، حيث تخبر فاطمة بنت المنذر (وهي من التابعيات) أنها كنَّ يغطين وجوههنَّ وهنَّ في حالة الإحرام، وكان هذا الفعل يحدث وهنَّ في صحبة السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، ولم تنكر عليهنَّ ذلك.
المسألة الفقهية المتعلقة بالحديث:
المشهور عند الفقهاء أن المرأة المحرمة تُحرُم عليها تغطية وجهها بالنقاب أو البرقع (وهو ما يُخاط على الوجه)، وهذا مذهب الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة)، واستدلوا بأحاديث أخرى صحيحة، منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين) رواه البخاري.
فكيف يُجمع بين هذا الحديث الذي فيه النهي، وحديث أسماء هذا الذي فيه الإباحة؟
أجاب أهل العلم على هذا الإشكال بعدة أجوبة، أبرزها:
1- أن النهي عن النقاب خاص بما كان مُخاطًا على قدر الوجه (أي البرقع)، أما إذا غطت وجهها بغير ذلك، مثل أن تَسدل الخمار أو الجلباب على وجهها من غير أن تضعه عليه أو تربطه به، فهذا جائز ولا بأس به، بل هو مطلوب منها عند خشية الفتنة ووجود الرجال الأجانب. وهذا هو التفصيل الصحيح الذي ارتضاه كثير من المحققين.
2- أن فعل أسماء وصويحباتها كان لعذر، كشدة الحر أو وجود رجال أجانب يخشى منهنَّ النظر، فاستعملن الرخصة. فإذا احتاجت المرأة إلى ستر وجهها خوفًا من نظر الرجال الأجانب إليها، جاز لها أن تغطيه، ولكن ليس بالنقاب المُخاط، بل بسدل الخمار عليه.
3. أن هذا الفعل كان قبل بلوغ النهي إليهنَّ، ثم تركنه بعد أن علمن بالنهي.
فالحديث لا يعارض الأحاديث الناهية، بل يُحمَل عليها، ويُستفاد منه الرخصة عند الحاجة.


3. الدروس المستفادة منه:


* سعة علم الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم وفقههم: حيث كان فعل السيدة أسماء ومن معها مبنيًا على الفهم والدليل، وليس مجرد تقليد.
* مراعاة المرأة لعفتها وحشمتها في كل أحوالها: حتى وهي محرمة، فإنها تبحث عن الطريقة المشروعة لستر وجهها عند الحاجة.
* فقه الدلالة والاستنباط: حيث يستفاد من سكوت السيدة أسماء عن إنكار هذا الفعل أنه كان جائزًا في حقهنّ لوجود عذر يسوغه.
* الجمع بين النصوص الظاهرة في التعارض: فليس كل فعل لصحابي يكون حكمًا عامًا، بل قد يكون لسبب خاص أو لعذر معين، ويجب ردُّ المتشابه إلى المحكم.
* التيسير ورفع الحرج في الشريعة: فالشريعة لم تأتِ لتعنت الناس، بل لتحقيق مصالحهم، فإذا تعارض ستر الوجه (الواجب عند وجود الأجانب) مع النهي عن النقاب في الإحرام، أُبيح لها ما يحقق مقصود الستر من غير استعمال النقاب المُخاط.


4. معلومات إضافية مفيدة:


* السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها من السابقات إلى الإسلام، وتُلقب بذات النطاقين، وهي أم الخليفة عبد الله بن الزبير، وكانت معروفة بالتقوى والورع والعلم.
* أكثر الفقهاء على أن الأصل في المرأة المحرمة أن وجهها ليس بعورة يجب ستره في نفس الصلاة والإحرام، ولكنها تُمنع من تغطيته بملاصق (كالنقاب) تعبدًا لله وامتثالاً لأمره. أما إذا خافت الفتنة، وجب عليها ستره بطريقة غير مباشرة (كالإسدال).
* القاعدة المستفادة: "ما أُبيح للضرورة يُقدَّر بقدرها"، فإذا انتهت الحاجة (كاختفاء الرجال الأجانب) وجب عليها كشف وجهها.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مالك في الحج (١٨) عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، فذكرته. وإسناده صحيح.
قال الأعظمي: وفعلهن هذا بحضرة أسماء بنت أبي بكر مشعر بأنّ هذا العمل كان مستمرًا من عهد النبيّ ﷺ كما تدل عليه الرواية التالية.
فقد رواه إبراهيم بن حميد، حدّثنا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء، قالت: «كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك». رواه ابن خزيمة (٢٦٩٠) من هذا الوجه.
ورواه الحاكم (١/ ٤٥٤) من وجه آخر عن علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نتمشط قبل ذلك في الإحرام».
قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبيّ.
وأمّا ما رُوي عن عائشة، قالت: «كنا مع النبيّ ﷺ ونحن محرمون، فإذا لقينا الرّاكب أسدلْنا ثيابَنا من فوق رؤوسنا، فإذا جاوزنا رفعناها»، فهو ضعيف.
رواه أبو داود (١٨٣٣)، وابن ماجه (٢٩٣٥)، والإمام أحمد (٢٤٠٢١)، وصحّحه ابن خزيمة (٢٦٩١) كلّهم من حديث يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عائشة، فذكرته.
قال ابن خزيمة: «وفي القلب منه».
قال الأعظمي: ويزيد بن أبي زياد وهو الهاشميّ مولاهم الكوفي، أهل العلم مطبقون على تضعيفه، وبه
أعلّه المنذريّ في «مختصره».
وأما قوله: ذكر شعبة ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين أنّ مجاهدًا لم يسمع من عائشة. وقال أبو حاتم الرازي: «مجاهد عن عائشة مرسل».
فالصّحيح كما يقول المنذري: «قد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث مجاهد عن عائشة، وفيها ما هو ظاهر في سماعه منها» انتهى.
قال الأعظمي: وهو كما قال، بل قال العلائي: «وقد صرّح في غير حديث بسماعه منها».
ولكن الصحيح عن عائشة ﵂ أنها كانت تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبًا مسّه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت. موقوف عليها كما رواه البيهقي (٥/ ٤٧).
تمسّك بهذا الحديث جمهور أهل العلم منهم: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، فقالوا: لها أن تسدل على وجهها من فوق رأسها إذا احتاجت إلى ذلك عند مرور الرّجال، إلّا أن أصحاب الشافعي اشترطوا أن يكون الثوب متجافيًا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة.
إلا أن تحقّق هذا الشرط لا يمكن؛ لأن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة.
وأما ما رُوي عن ابن عمر: «إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه» فهو موقوف عليه.
رواه الدارقطني (٢٧٦١)، والبيهقي (٥/ ٤٧) من حديث حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، فذكره. وكذلك رواه الدّارورديّ وغيره موقوفًا عليه.
ورواه أيوب بن محمد أبو الجمل، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: «ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها». ومن طريقه رواه الدارقطني (٢٧٦٠).
قال أبو أحمد بن عدي: «لا أعلم يرفعه عن عبيد الله غير أبي الجمل هذا». وقال البيهقي: «أيوب بن محمد أبو الجمل ضعيف عند أهل العلم بالحديث، فقد ضعّفه يحيى بن معين وغيره. وقد روي هذا الحديث من وجه آخر مجهول عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، والمحفوظ موقوف» انتهى.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٣/ ٢١٩) وعزاه إلى الطبراني في الكبير والأوسط، وعلّله بأيوب بن محمد اليماميّ (وهو أبو الجمل) فقال: «هو ضعيف».

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 99 من أصل 689 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر

  • 📜 حديث: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب