عثمان بن عفان يغطي وجهه بقطيفة أرجوان وهو محرم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع:

---

الحديث:

عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة، قال: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعْرَجِ وَهُوَ مُحْرِمُ فِي يَوْم صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمٍ صَيْدٍ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، فَقَالُوا: أَوَ لا تَأُكُلُ أَنْتَ؟ فَقَال: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي.

---

1. شرح المفردات:

● بِالْعْرَجِ: اسم موضع قرب مكة أو في طريقها.
● يَوْم صَائِفٍ: يوم شديد الحرارة.
● قَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ: ثوب رقيق من صوف أو حرير لونه أحمر قرمزي.
● صَيْدٍ: حيوان بري تم اصطياده.

---

2. شرح الحديث:

يروي عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أنه رأى الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه في مكان يسمى "العرج" وهو في حالة إحرام (أداء مناسك الحج أو العمرة)، وكان ذلك في يوم حار جدًا. وقد غطى وجهه بقطيفة حمراء رقيقة.
ثم أُحضر له لحم صيد (حيوان بري تم اصطياده)، فقال لأصحابه الذين معه: "كلوا". فاستغربوا وسألوه: "أولا تأكل أنت؟" فرد عليهم قائلاً: "إني لست كهيئتكم، إنما صيد من أجلي".
التفسير والشرح:
● تغطية الوجه في الإحرام: فعل عثمان رضي الله عنه هذا كان قبل أن ترد النصوص النبوية الصريحة التي تحرم على المحرم تغطية الرأس والوجه. وقد اختلف الفقهاء لاحقًا في حكم تغطية الوجه للمحرم على قولين:
1- الكراهة: وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بأحاديث النهي عن ذلك.
2- الجواز عند الحاجة: كشدة الحر أو البرد، وهو رواية عند الحنابلة واختيار بعض العلماء، واستدلوا بهذا الفعل من عثمان رضي الله عنه، حيث فعل ذلك لشدة الحر. والأظهر أن هذا الفعل كان قبل العلم بالتحريم، أو أنه رأى فيه رخصة للحاجة.
● امتناعه عن أكل الصيد: هذا هو لب الحديث وفقهه العظيم. عثمان رضي الله عنه كان محرمًا، والصيد على المحرم حرام، بنص القرآن الكريم: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]. والصيد الذي قدم لأصحابه كان قد صيد من أجله، أي أنه هو الذي أمر باصطياده أو أنه صيد لأجل إضافته وإكرامه، مما يجعله مشاركًا في الإثم والتحريم بشكل مباشر. لذلك امتنع عن الأكل وقال: "إني لست كهيئتكم"، أي أن حالي وحالكم不同، فأنا المحرم الذي صيد من أجلي فآثم بذلك، أما أنتم فلم يصاد من أجلكم فلا إثم عليكم في الأكل منه.
وهذا من فقه عثمان رضي الله عنه ودقته في الورع والاتباع، حيث فرق بين من صيد من أجله (فيكون آثمًا ولا يحل له الأكل) وبين من لم يصاد من أجله (فلا إثم عليه ويحل له الأكل).

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- الورع والاحتياط في الدين: يظهر من فعل عثمان رضي الله عنه شدة ورعه وخوفه من الوقوع في المحرم، حتى في المسائل الدقيقة التي قد يغفل عنها很多人.
2- الفقه في النوازل: فهم عثمان رضي الله عنه للفرق بين من صيد من أجله (المحرِّم) وبين غيره (المحلِّل) دليل على depth الفقهي لدى الصحابة.
3- التيسير على الناس: أمره لأصحابه بالأكل يدل على أنه لا يريد أن يحرجهم أو يمنعهم من مباح لمجوز أن يكون عليه إثم.
4- التعامل مع السنة قبل العلم بها: فعل عثمان في تغطية وجهه يبين أن بعض الأحكام تدرجت، وأن الصحابة كانوا يتصرفون بما يرونه مناسبًا حتى يبلغهم النص النبوي الصريح.
5- قدوة العلماء: العالم أو الداعية يجب أن يكون أشد احتياطًا لنفسه مما يأمر به الناس.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث رواه الإمام البخاري في "الأدب المفرد" والإمام أحمد في مسنده، وهو حسن.
- مسألة "الصيد يصاد لأجل المحرم" من المسائل الفقهية التي اختلف فيها العلماء:
● جمهور العلماء: ذهبوا إلى تحريمه على المحرم الذي صيد من أجله، وتحليله لغيره، وهذا هو مقتضى فعل عثمان رضي الله عنه.
● قول آخر: أنه يحرم على الجميع، لأنه صيد وهو محرم.
- يستفاد من الحديث أيضًا أن الصحابة كانوا يتناقشون ويستفهمون عن أفعال كبارهم، مما يدل على حرية السؤال والمناقشة في الأمور الدينية.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يردنا إليه ردًا جميلاً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.