من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم

حديث: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم

عن ابن عباس قال: قدم النبي ﷺ المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: «من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم».

متفق عليه: رواه البخاري في السلم (٢٢٤٠)، ومسلم في المساقاة (١٦٠٤: ١٢٧) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة، أخبرنا ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو من الأحاديث التي تُبنى عليها أبواب عظيمة في المعاملات المالية في الإسلام.

أولاً. شرح المفردات:

● قدم النبي ﷺ المدينة: أي حين هاجر من مكة واستقر في المدينة المنورة.
● يسلفون: السَّلَف (بفتح السين واللام) أو السَّلَف (بسكون اللام) هو دفع مالٍ حاضرٍ مقابل سلعة مؤجلة التسليم. وهو ما يُعرف في عصرنا بالبيع الآجل أو البيع بالتقسيط.
● في الثمار: المقصود هنا ثمار النخيل والأشجار بشكل عام.
● السنة والسنتين: كانوا يتعاملون بالسلف (البيع الآجل) لمدة سنة أو سنتين قبل أن تنبت الثمار أو تُدرك.
● كيل معلوم: مكيل بالصاع أو الوسق أو غيره من مقاييس الكيل المعروفة.
● ووزن معلوم: موزون بالرطل أو الأوقية أو غيره من مقاييس الوزن المعروفة.
● إلى أجل معلوم: إلى وقت محدد ومعروف للطرفين.

ثانياً. شرح الحديث:

حين وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجد أهلها يتعاملون ببيع ثمار أشجارهم قبل أن تطلع أو تثمر، بل وقبل أن تزرع في بعض الأحيان، لمدة طويلة قد تصل إلى سنة أو سنتين. وهذا النوع من المعاملات يحمل مخاطرة عظيمة وجهلًا بالثمن والمثمن، فقد تموت الأشجار أو لا تثمر، أو تكون الثمرة قليلة أو رديئة، مما يؤدي إلى النزاع والخصام.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتنظيم هذه المعاملة وتضمينها شروطاً تحفظ حقوق المتعاقدين وتزيل أسباب النزاع والغبن، وهي:
1- "فليسلف في كيل معلوم": إذا كانت الثمار مما يُكال (كالحبوب كالقمح والشعير)، فلا بد من تحديد كميتها بكيل معروف ومتفق عليه بين الطرفين، مثل أن يقول: أسلفك ديناراً على أن تعطيني صاعاً من التمر.
2- "ووزن معلوم": إذا كانت الثمار مما يُوزن (كالثمار التي تباع بالوزن)، فلا بد من تحديد وزنها، مثل أن يقول: أسلفك ديناراً على أن تعطيني رطلاً من الزيتون.
3- "إلى أجل معلوم": لا بد من تحديد وقت التسليم بدقة، كأن يقول: إلى شهر رمضان، أو إلى وقت الحصاد، أو إلى تاريخ محدد. فلا يجوز أن يكون الأجل مجهولاً أو غير محدد.
فجمع الشرط ثلاثة أمور: تحديد الجنس، وتحديد القدر (بالكيل أو الوزن)، وتحديد الزمن.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- مشروعية السلف (البيع الآجل): الحديث أصل في جواز السلم (وهو الاسم الفقهي للسلف)، وهو بيع شيء موصوف في الذمة مؤجل بثمن معجل. وهو رخصة من الله تعالى لتيسير المعاملات وتنشيط حركة التجارة.
2- سداد النبي ﷺ للعقود الفاسدة: جاء النبي ﷺ ليهذب المعاملات الجاهلية ويضبطها بضوابط الشرع، لا ليهدمها بالكلية، مما يدل على حكمة التشريع الإسلامي.
3- تحريم بيع الغرر والجهالة: النهي عن بيع ما ليس عندك، أو بيع مجهول القدر أو الأجل، لأن ذلك من الغرر المحرم الذي leads إلى النزاع وأكل أموال الناس بالباطل.
4- العدل والشفافية في المعاملات: الإسلام يحث على الوضوح والصراحة في كل التعاملات، وإزالة أي سبب للخداع أو الغش أو النزاع.
5- مراعاة الظروف الاقتصادية: شرع السلم لمساعدة المحتاج الذي يريد مالاً معجلاً، وصاحب السلعة الذي يحتاج لتمويل زراعته أو تجارته.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

● الفرق بين السلم والربا: السلم بيع شرعي بثمن معجل وسلعة مؤجلة، أما الربا فهو زيادة مشروطة في الدين مقابل الأجل، وهو محرم.
● شروط السلم الصحيح التي استنبطها الفقهاء من هذا الحديث وغيرها هي:
- أن يكون رأس المال (الثمن) معلوماً ومقبوضاً في مجلس العقد.
- أن تكون السلعة موصوفة وصفاً يمنع الجهالة والغرر.
- أن يكون الأجل معلوماً ومحدداً.
- أن تكون السلعة من الموجودات التي تضبط بالوصف (كالأقمشة، المحاصيل... إلخ).
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في السلم (٢٢٤٠)، ومسلم في المساقاة (١٦٠٤: ١٢٧) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة، أخبرنا ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس فذكره. واللفظ لمسلم.
قوله: «السلف» وهو لغة الحجاز، والسلم لغة العراق.
والسلف له معنيان في المعاملات:
أحدهما: القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض، وعلى المستقرض رده، كما أخذه.
والثاني: هو السلم المعهود، وهو تسليم مال عاجل بمقابلة موصوف في الذمة. ويقال: سلفت، وأسلفت، وأسلمت بمعنى واحد.
قوله: «في تمر» قال النووي في شرحه (١١/ ٤٢ - ٤٣): «هكذا هو في أكثر الأصول: «تمر«بالمثناة، وفي بعضها»ثمر«بالمثلثة، وهو أعم، وهكذا في جميع النسخ».
وفي الحديث دليل على جواز السلف في الطعام والشباب وغير ذلك من أنواع التجارة مما يعرف حده، وصفته.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 98 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم

📜 حديث: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية